بالصور.. يد "فوزي" تغزل الآيات القرآنية على الحصير
كتبت – يسرا سلامة:
بين أيادي متنقلة على مدار تاريخ مصر القديم، يظل الحصير أيقونة لمهارة اليد المصرية، فيما تواجه الحصائر المصنعة يدويا وحش الاندثار والاختفاء تماما، يسعى "محمد فوزي" من قرية الأبعادية بمحافظة البحيرة إلى الحفاظ على السجاد اليدوي بيده في كل فرصة تصلح لعرض منتجه.
على مستطيل خشبي كبير، يجلس "فوزي" القرفصاء أمامه، ممسكا بيده الخيوط ويبادلها بنبات السمار، المستخدم في صناعة الحصير، يذكر أن هذا النبات يواجه أزمة كبيرة في زراعته، وإن كثير من الفلاحين بقريته يهملون زراعته أو يجرفونه عندما ينمو، مدافعا "النبات ينمو على جوانب المسطحات المائية وليس مثل نبات ورد النيل.. طب يشيلوا الورد ويسبوا النبات اللي بنستخدمه".
عدة معارض يشارك فيها فوزي -47 عاما- منها معرض الصناعات اليدوية الأول الذي أقيم بأرض المعارض هذا الشهر، أو كرنفال ريادة الأعمال وأصحاب الحرف، وغيرها من أجل الترويج لإنتاجه من الحصير اليدوي، الذي يصنعه منذ عام 1999، وقد تعلمه على يد والده قبل أن يفارق الحياة.
في قريته الصغيرة، يواجه فوزي قلة النبات بزراعته بنفسه على شاطئ أحد الترع المتفرعة من النيل، فيما يدلف من قريته إلى مصر لعرض المنتجات من الحصير، يردف إن الوقت الذي يتخذه للانتهاء من قطعة حصير تختلف بحسب الحجم، وكذلك الخامات المتداخلة، مثل الصوف، أسبوع واحد يعد أطول فترة اتخذها لإنتاج حصيرة كبيرة.
تعد مصر واحدة من رواد الدول العربية التي اشتهرت بصناعة الحصير، ويوجد الحصير في الكثير من محافظات مصر مثل القليوبية، الشرقية، كفر الشيخ، قنا، أسيوط، المنوفية، وذلك بحسب موقع الأرشيف المصري للحياة والمأثورات الشعبية.
منذ عام 2002، لم يعد إنتاج الحصير لفوزي كما كان قبلها، إذ أضاف لمسته الخاصة التي جعلته متفردا، وذلك بدخول عنصر الكتابة على الحصير، يذكر أن ذلك مرهق له ويتخذ المزيد من الوقت، لكنه ربما قبلة الحياة للعادة القديمة، والتي طورها ليس فقط لفرشها على الأرض، ولكن بعد الكتابة صمم "تابلوهات" وصغيرة، توضع على الحائط.
منذ بضع سنوات، وبعد دخول عنصر الكتابة، طرأت لابن محافظة البحيرة فكرة أن يكتب المصحف كاملا على الحصير، يقول "بكدة الصناعة ممكن تستمر.. حاجة تنفع للدنيا والأخرة"، نفذ منها فاتحة الكتاب وأول آيات البقرة وثلاث من قصار السور القرآنية، يحلم فوزي أن يستكمل كتابة المصحف كاملا، فيما لا يمانع من تعليم من لديه الرغبة، قائلا "كل ما حد يجي يتعلم بيسأل الأول أنت هتديني كام قبل ما يحب يتعلم وينتج بنفسه".
في الفترة الأخيرة، يثمن الرجل الإقبال على منتجه، لكنه يلاحظ إقبال المقتدرين فقط وليس جميع الطبقات، على الرغم من أن الحصائر للجميع، يقول "بكدة الحرفة هتنتهي.. الحصير تراث والمفروض يكون في عدد أكبر من البيوت"، يؤكد أن الحصائر تناسب جميع المنازل.
يتابع متحدثا عن أصحاب الحرف "إحنا كصناع للأعمال اليدوية عندنا منتجات في منتهى الرقي.. لكن بلا اهتمام من الدولة"، يضرب الرجل الأربعيني المثل بأنه ذهب لأكثر من مرة إلى وزارة الثقافة، بحث عن قصر ثقافة دمنهور بعد هدمه، من أجل رعاية منتجه، ملأه الاستغراب من شكر أحد مسؤولي وزارة الثقافة له في معرض الصناعات اليدوية، قائلا "طب أنتوا كنتوا فين من مساعدتنا؟".
تترواح أسعار الحصير لدى فوزي من 70 إلى 300 جنيه بحسب الحجم والخامات المستخدمة، فيما ينتقد العامل الحصائر البلاستيكية والتي يتم استيراد جزء منها من الصين، قائلا "اللي ضرب الحصير البلاستيك.. لإنه بيبوظ بعد 6 شهور وبيرجعوه مادة خام لأنه من المخلفات، وبالتالي الناس مبقتش تشتريه، إنما الحصير اليدوي بعيش 10 سنين، وبيتم تنضيفه بقماش وصابون".
يحلم فوزي أن يؤسس بشكل أكبر لحلمه، "لو معايا مليون جنيه اعمل بيت اسميه البيت اليدوي وأعرض فيه كل منتجاتي من الحصير، وأعلم فيه الناس.. لإن ده تراث بلدي وفنها".
فيديو قد يعجبك: