بالصور: قصة 8 ساعات هزمت فيها النار "ورق الفجالة"
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
كتب- محمد زكريا:
الدخان يتصاعد. النيران مستعرة بداخل البناية المحترقة. رجال الإطفاء تحاول السيطرة على الموقف الملتهب. عربات الحماية المدنية تجوب الشوارع الضيقة. قوات الأمن تتوزع بكثافة بين شوارع وسط المدينة. أعداد البشر تتزايد لالتقاط النظرات الطويلة. ما يزيد عن 8 ساعات؛ عمر الحريق الذي شب أمس، الأربعاء، بأحد مخازن الأدوات المكتبية بالعقار رقم 10 المتواجد بشارع المهراني بمنطقة الفجالة، قرب ميدان رمسيس. قبل أن يتم السيطرة عليه مع الدقائق الأولى لليوم التالي.
قبل أن تدق الرابعة عصر الأربعاء، كان "سمير" يمارس العمل داخل محله للأدوات الصحية في هدوء، يبلغه أحد الزبائن باشتمامه رائحة حريق، ينتفض الرجل الخمسيني للحظة، قبل أن يهرول مسرعا للخارج.
تجمع العشرات أمام بوابة متجره الصغير، أثار الرعب في نفس البائع بالشارع التجاري منذ سنوات بعيدة، وجه نظره إلى أعلى صوب بناية شاهقة "لقيت دخان رهيب طالع من العمارة اللي جنب محلي"، تساءل عن السبب، فيما صمت الجميع دون رد، بعدها أصاب الذهول جميع الحاضرين.
الخوف يتصاعد، الارتباك يسود الرجال، عويل النسوة، أصوات الأطفال تتعالى بالصراخ "بقينا ننادي على الناس اللي في العمارة"، البعض حاول السيطرة على الحريق بأدوات بسيطة، أخر أغلق محاله خوفا من أن تمسه المصيبة، دقائق قليلة مرت حتى تنبه الجمع بحجم المأساة.
بعدها "كلمنا المطافي والغاز والكهرباء"، وقبل أن يمر وقت طويل كانت عربات الإطفاء تقتحم الشارع الضيق "شغلوا الخراطيم والدخان يزيد"، بعد أقل من ساعة كان الحريق التهم الدور الثالث بالكامل، وقتها أحس "سمير" أن الأمور انفلتت عن السيطرة.
وسط صخب الأجواء، تساءل المارة عن مدى وقوع وفيات، لم يستبعد أخرين إمكانية سقوط البناية بالكامل نظرا لإلتهام النيران مفاصل أدوارها، الكل يخمن سبب الحريق، فيما يجيب "سمير" الذي التصق محاله بالبناية المحترقة في حيرة "ناس بتقولك ماس كهربائي وحد بيقولك سيجارة، لكن محدش عارف".
ولى الجميع نظره تجاه سلالم مدخل البناية المتفحمة من أثر الدخان المتصاعد، إذ شهد "سمير" شاب يجر مقعد كهربائي تفترشه آمرأة قعيدة من سكان المبنى الشاهق، سيطر الدخان عليها بالكامل، ما أفقدها الوعي، وبعد التأكد من نبض قلبها بالحياة، تم توجيها صوب أحد المستشفيات القريبة، وسط تمنيات الجمع بانتهاء الأزمة دون أن تقتنص الأرواح.
على بعد أمتار من مدخل شارع المهراني المطل على مرفق السكة الحديد بمنطقة الفجالة- إذ تشتهر ببيع الكتب والأدوات المكتبية، تقبع البناية التي شب الحريق بأحد أدوارها "مخزن لمكتبة، مليان حبر وورق" يقول صاحب أحد المحلات بالشارع نفسه، هو ما ساعد على زيادة النيران بجسدها المكون من 13 دورا "كلهم مخازن، وشقتين بس اللي ساكنين" يضيف البائع.
ساعات طويلة مرت سريعا دون أن تنجح قوات الإطفاء في السيطرة على الحريق "قولنالهم المياه مش هتنفع، استخدموا رغاوي، قالولنا غالية جدا ممكن تكلفنا فوق ال100000 جنيه" يقولها بائع أربعيني بغضب، إذ ينتقد تعامل قوات الحماية المدنية مع الأزمة بشكل عام "بقالنا ساعات مش عارفين ايه مصيرنا، خايفين الحريقة تولع في الشارع كله". بعدها بدقائق صب الحريق غضبه على طابق البناية الرابع.
يُرجع "سمير" استمرار الحريق مدة طويلة إلى البدائية المتبعة في السيطرة عليه "رغم أن المطافي في العتبة، على بعد 3 دقائق من هنا، مكنش في إمكانية انهم يطفوها بسرعة"، سبب أخر وجده البائع الخمسيني يتمثل في ضعف القدرات المهنية للرجال المكلفين بالإطفاء، يشاركه أخر بالحديث عن إجراءات احترازية كان لها أن تُتخذ من البداية "المفروض يبقوا عارفين المنطقة كويس، وعارفين مكان حنفيات المياه، مش يجوا ساعة الحريق ويدوروا"، قاطع حديثهم ثالث عن الإهمال الذي أصاب كل مرافق الدولة الحيوية منذ زمن بعيد.
بعد ساعات تيقن جمع من التجار بفدح المصيبة التي أصابت زميلهم "في بضاعة اتحرقت بأكتر من 10 مليون جنيه، ربنا يعوض عليه"، يقولها أحد البائعين في حسرة. يستكمل الحديث شريكه في بيع الأدوات المكتبية عن خطة هدفها إجلاء الشارع التجاري من بائعيه الدائمين. قبل أن يشترك عشرات الرجال في جمع الكتب التي لم تمسها النيران بعد في محاولة لتلافي الخسارة الكبيرة "أهو نلحق أي حاجة بدل ما الخسارة تبقى مميتة للراجل".
الكهرباء تغيب عن حدود المنطقة بالكامل، النيران مُستمرة في التهام قلب البناية من الداخل، رجال الإطفاء أعلى سلم هيدرولكي في محاولة إخماد الحريق المتواصل، بعدها تفاجأ الجمع بدوي انفجار في الأرجاء، أصاب الهلع الجميع، عادت قوات الأمن خطوات إلى الخلف، تباعد جمع من الناس خوفا من سقوط البناية العالية، تسارعت عربة الإطفاء لإنزال رجالها المعلقين في الأعلى، النيران تتصاعد من واجهة البناية وجانبها المطل على شارع ضيق، تندفع طلقات المياه صوب البناية المتفحمة، بعدها تم السيطرة على الأمر، لتعود النيران مسكنها داخل الدور المشتعل.
قبل أن ينتصف ليل الأربعاء، بعد مرور ما يزيد عن الـ8 ساعات من محاولات السيطرة على الحريق، وسط انخفاض الأعداد المتواجدة في المكان، هدأت الأمور بعد أن تخلص المبنى من الحريق يالكامل، بعدها غادر "سمير" المكان بعد أن اطمئن على أمان محاله العتيق، قبل أن يلفظ كلمات أخيرة بعد يوم عصيب "بعد اللي شوفته النهاردة ده، الواحد مقدموش غير انه يدعي ربنا يسترها من عنده، لا حكومة ولا غيره".
فيديو قد يعجبك: