لو أنت مكان الحكومة تعمل إيه في الأسعار؟ (تقرير)
كتبت- يسرا سلامة:
أمام أحد الأفران الشعبية كانت نورهان علي، الفتاة بالمرحلة الابتدائية تجذب والدتها خلال عودتها للمدرسة لشراء حلوى، فيما توقفت الأم للسؤال عن سعر الكيلو، ليرد البائع بأن السعر ارتفع إلى 16 جنيه للكيلو الواحد، قررت الأم عدم الشراء لأولويات أخرى لديها، السكر، الزيت، والخضروات، فيما ذكر البائع أن "الحالة واقفة" منذ ازدياد أزمة غلاء الأسعار.
مئات المواقف تجري يوميا بين بائع ومشترى ومن خلفهما تاجر ومستثمر، لكل منطقه من موقعه، فالأم لا تملك إلا التقليل في طاقة الغذاء، لها ثلاثة أبناء بخلاف نورهان، تشتري الآن كميات أقل لكى تواجه وحش الغلاء "بقيت بجيب كيلو بطاطس بدل اتنين"، اللحوم ومشتقاتها هي الأكثر غلاءً، وبسؤالها تجد أن الحكومة يجب أن تنظر لرواتب الموظفين إن كانت هى في موقع القرار، زوجها العامل بأحد المطابع الخاصة، يضطر لدفع فاتورة كهرباء وغاز مضاعفة، تشير إلى أن الأسعار زادت في كل القطاعات وليس الطعام فحسب، قبل أن تلتمس العذر لبعض التجار " أكيد مش بيغلوا بمزاجهه، بالعكس من مصلحتهم إنه الحاجة ترخص عشان يبيعوا".
صاحب المخبز، ياسر عبد الرحمن، يرفع لافتات بالأسعار أعلى منتجاته "بنحاول نجذب الزبون ونبيع تقريبا بسعر التكلفة". يقول إن الازمة لديه في عدم توفر السكر؛ نظرا لوصوله في الأسواق إلى عشرة جنيهات للكيلو الواحد، بعد أن كان منذ أسبوع بحوالي ستة جنيهات، مضيفا "الحالة تعبانة في البيع"، ورغم بداية موسم الدراسة منذ ثلاثة أسابيع تقريبا، لم يؤثر بحسب قوله ذلك على حالة البيع والشراء، يسرد أيضا غلاء عدد آخر من السلع الذي يحتاجها في مهنته "صفيحة السمنة كانت بـ120 دلوقتي بـ180، وده سعرها من ست شهور، إزازة الزيت كانت ب8 جنيه دلوقتي بـ13، الدقيق اللي كان ب2600 جنيه النهاردة وصل ـ4 آلاف حنيه".
في مكان الحكومة، وضع ياسر نفسه لمدة دقائق، ليجد أن الحل هو مزيد من الرقابة على التجار، من الجملة إلى كل تجار التجزئية "ده سوء إدارة من الحكومة..الرقابة لازم تشتغل، أكيد هيبقى فيه حل لو الرقابة سليمة والرشاوي وقفت".
من جانبه أعلن وزير التموين محمد على مصيلحى عن قيام هيئة السلع التموينية بمناقصة لاستيراد السكر الخام من مناشئ مختلفة وصول فى توقيتات من ١٥ اكتوبر وحتى ٣٠ اكتوبر والأول من نوفمبر حتى ١٥ نوفمبر وذلك بحد أدنى ٥٠ ألف طن، وذلك في 27 سبتمبر الماضي، بحسب الموقع الرسمي لوزارة التموين.
في دنيا الخضروات، لم تجد "عواطف عيد" إلا شراء البطاطس والفلفل، كيلو من كل نوع، لتحضير غذاء اليوم هى وأفراد أسرتها الأربعة، من أمام بائعي سوق ناهيا الشعبي توضح أنها لم تقلل الكمية التي تشتريها وسط الغلاء فحسب، لكن أيضا تبتعد عن بعض الخضروات، مثل البامية التي وصلت إلى 15 جنيها للكيلو، أو الفاصوليا التي تصل 10 جنيهات للكيلو، ورغم أن عواطف إحدى الموظفات بوزارة الزراعة، فلا تجد كذلك السبيل لشراء اللحوم والفراخ إلا "كل فين وفين"، تردف "فيه ناس مش بتاكل إلا العيش الحاف"، وبسؤالها عن قرار تتخذه إن كانت في موقع اتخاذه، ردت بتلقائية "الحل عند ربنا.. الحكومةما تديش حاجة للناس في عز الأزمة".
بداخل مقهى"التكية" في إحدى ضواحي محافظة الجيزة، كان "أحمد فخري" يُلقي بحبات السكر في كوب زجاجي لزبون جديد، فيما يجاوره "هيثم" الصبي بالقهوة الذي يتندر على حال الأسعار غير المبرر من وجهة نظره "لو غلينا سعر السكر على الزبون مش هيجي تاني"، على مقربة يُلقي أحد الزبائن بشائعة تدور في فلك القهوة "بيقولوا الجيش هينزل سكر عشان يحل الأزمة"، يتابع هيثم "أنا ممكن أجيب الكيلو من جيبي بس ما اغليش ع الزبون، لو حس إنه متضايق مش هيجي تاني".
اتفق العاملان بالقهوة الشعبية على أن الحكومة يجب أن تراقب التجار الكبار، بحسب وصفهم، خاصة للمحتكرين للسلع، لا سيما أن عددا من محلات البقالة الكبرى تقوم بتخزين السكر حتى يرتفع السعر، لكن هذا التخزين هو الذي يرفع السعر بالأساس، يردف فخري "الشركات الكبيرة بتغلي وفي الآخر الزبون أو أصحاب القهاوي اللي بيدفعوا التمن".
"في الظروف الاقتصادية الصعبة احنا بننطلق في كل الاتجاهات، وعنينا على المواطن المصري، وبكرر إنه لن يحدث تصعيد في الأسعار مهما حصل للدولار، الجيش مسؤول والدولة مسؤولة معايا.. وعد إن شاء الله".. كان تلك كلمات ذكرها الرئيس عبد السيسي في خطاب الأسرة المصرية، وقتها كان الدولار ب
ـ 11 جنيه مصري.
على مسافة قريبة من القهوة، يجلس الحاج سيد" المعروف بأنه تاجر جملة في المصنوعات الغذائية، ومن بينها السكر، يؤكد أن الأسعار كلها ارتفعت وليس السكر وحده، "الشاي كان في رمضان ب33 جنيه الكيلو، دلوقتي بـ45.. كل حاجة غليت"، وبسؤاله قال إن الحل هو أن أصحاب المصانع والشركات والمستوردين يجب أن يقللوا من هامش ربحهم في ظل ازدياد أزمة الدولار، مضيفا أن ذلك بُعدا يجب أن يراعيه أصحاب الاستثمار، خاصة أن هناك فئات كثيرة لا تستطيع تحمل تلك التكلفة المرتفعة للسلع الرئيسية.
ويتعجب جمال عمر، أحد المشترين من غلاء عدد من السلع المصرية، مثل الفاكهة أو المصنعة في مصر "طب دي مفهاش دولار ولا عملة صعبة تغلى ليه؟.. المانجو مثلا بتتزرع في مصر، ليه تغلى كدة؟"، يضيف المشتري الأربعيني أن هناك أزمة أخرى وهى أنه بمجرد الزيادة في الأسعار فيرفض التجار البيع بالسعر القديم للسلع المخزنة لديه "الدولة لازم يبقى عندها مخزون استراتيجي من السلع الأساسية، عشان تحمي المواطن من جشع التجار وقت النقص في السلعة زي السكر والأرز والقمح".
"أبو محمد" بائع الفاكهة منذ السبعينات اتخذ من "شد الحزام" منهجا "كنت ببيع المانجو لما كانت بربع جنيه الكيلو.. دلوقتي بـ15 و20 جنيه"، يرى الرجل السبعيني أن الأسعار عرض وطلب، محملا المشتري أسباب الأزمة "التاجر لو شاف الزبون مش ملهوف غصب عنه هينزل السعر"، فيما اعترضت زوجته –والتي تساعده في العمل- "في سلع ملهاش بديل.. الناس هتعمل أيه؟".
"الحكومة لازم توفر العملة الصعبة".. يتدخل "أحمد فوزي" في الحوار، بائع الفاكهة بالمنطقة مستنكرا وجود أزمات في بلد ملئ بالخيرات"عندنا أثار وموارد كتير.. إحنا أغنى بلد في العالم، بس مين يسمع؟".
قلة قيمة الجنيه أمام الدولار، واستيراد معظم السلع بنسبة 95% ، سببا ذكره المتحدث باسم نقابة البقالين ماجد ناجي، في تصريحات صحفية، خاصة بعد ارتفاع قيمة الجمارك على عدة أسعار وصلت إلى 40%، فيما رصد مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء ازدياد شكاوى المواطنين من غلاء الأسعار في الآونة الأخيرة، بينما يبقى الوضع كما هو عليه، غلاء مستعر ومواطن لا يملك حيلة إلا الشراء في صمت.
فيديو قد يعجبك: