لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

مسرحية الدخان.. أن تكون "دون كيشوت" القرن العشرين

05:46 م الإثنين 31 أكتوبر 2016

مسرحية الدخان

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- رنا الجميعي:

يُفتح الستار بمسرح الهوسابير، أمس، هُناك شخص يجلس أمام الآلة الكاتبة، تُسلّط الأضواء عليه، بقية المسرح مُظلم، يبدأ في قص مأساته الخاصة، التي تستعرضها مسرحية "الدخان" للمخرج محمود عبد العزيز، ومؤلفها الكاتب المسرحي "ميخائيل رومان"، تقول المعلومات القليلة إنه كتبها عام 1962، ولكن تم نشرها في فبراير 1968.

مع النظر لتاريخ كتابتها، حيث كان عهد عبد الناصر في أوجه، لم تكن هناك نكسة بعد، لكن المسرحية تُطل على المشاهدين بنفس طعم الهزيمة، لكنها هُنا هزيمة فردية، فالبطل حمدي، الذي يؤدي دوره "وليد عبد الغني"، مُغرق في أحزانه الشخصية، صار عبدًا للأفيون، المنتشر في ربوع مصر.

طيلة المسرحية الدرامية، المصبوغة بمسحة كوميدية، كان حمدي يروي قصته، كنموذج للشاب المتعلم، هو خريج آداب فلسفة الذي تمكن من العمل بشركة الأصباغ الكاوية، ككاتب على الآلة، لا نراه في لحظات نجاحه، كشاب يصرف من جيبه على منزل مكون من أخت وأخ وأم، بلا وجود العائل الأساسي وهو الأب المتوفي، لكن نُشاهده في أسوأ لحظاته مُلتزمًا بسيجارة دائمة بين أصابعه، وقد انحدر مع شُربه للحشيش، خسر عمله، وتعلّقت زوجته حسنية (ندى النوبي) بذيله لمدة عام، التي عقد قرانه عليها، دون تأسيس شقة تجمعهما سويًا، كما أنه سرق المعاش الخاص بأبيه من أجل متعته الخاصة.

كانت مأساة حمدى هو حاضر العمل المسرحي، الذي وصف نفسه بأحد المشاهد "أنا دون كيشوت القرن العشرين"، اندرج اسمه ضمن روتين ضاغط، لوحش اسمه الآلة الكاتبة "اللي من أيام سيدنا نوح"، كما قال، لم يكن هناك مجال للإبداع، أو للانفلات من هذا الروتين، هو الشخص المُتفرد الذي ثقف نفسه، وكانت حواراته مع أخته جمالات (ياسمين جمال)، عن الفن والدين والفلسفة، لكنه اصطدم بواقع قاسي، حيث قابل أشباه لا موهوبين، ووصوليين، كما كانت شخصية فؤاد (لبيب عزت)، زوج جمالات، الذي لم يكن يراها سوى باعتبارها ماكينة مال.

أتى أداء الممثلون كل في مكانه بشكل جيد، لم ينقص أحد من العرض كاملًا، جاءت طلة لبيب مؤديًا دور فؤاد على المسرح تُثير ضحك المشاهدين، ليس بسبب "الإيفيهات" فحسب، ولكن طريقة نُطقه نفسها كموظف مصري أصيل، رغم أن العرض درامي بالأساس، لكن مسحة الكوميديا تلك لم تُخلّ به، كما كان أداء كريم للمعلم رمضان كوميديًا، مع ذلك الشر النابع من شخصيته، تُظهرها بحّة صوته كأداء "المعلمين" فكان هجينًا مناسبًا، وتهدج صوت حُسنية ودلالها على حمدي لتؤدي دور الحبيبة كما يكون، وبرعت ياسمين في تأدية دور الأخت المُحبة لأخيها، تُثير الشجون بين أدائها كأخت وزوجة تتمسك بشخص يراها أداة لجلب النقود، تُعبر بذلك كله عبر عينيها التي تترقرق بالدموع، فيما جاء دور الأخ فتحي كشخص عقلاني مؤمن بقدسية العلم، وهو ما أداه بولا بشكل جيد، حيث لا يظهر على ملامحه أي نوع من المعاناة، مؤديًا الدور بشئ من البرود المتعلق بشخصية الأخ نفسه، وقدّمت ريم دندش دور الأم على نحو جيد، تلازمها بحة صوتها التي توصل ولَعها ووجعها على ابنها الأكبر، أما وليد الذي أدى دور البطل، استطاع التعبير من خلال وجهه وحركات جسده المتشنج، أن يُظهر للمشاهدين المعركة التي يُحارب فيها.

جاء ديكور العرض بسيطًا، على اليسار غرفة مكتب حمدي عليها الآلة الكاتبة والكثير من الكتب، وعلى الجدار صور لمارلين مونرو وجيفارا، وفي صدارة المسرح غرفة المعيشة التي تجلس فيها العائلة، حيث ينقسم المشهد أحيانًا بين مُعاناة حمدي في غرفته، وحوار مستمر في الغرفة، أما الأزياء، فحاولت الستايلست "أميرة صابر"، أن تنبع من روح عصر عبد الناصر، يرتدي الرجال البدل، ماعدا المعلم رمضان، تاجر الحشيش، الذي ارتدى العباءة مستوحيًا روح المعلم زرزور من فيلم "ابراهيم الأبيض"، والفساتين ذات الألوان الهادئة للفتيات.

الهزيمة الفردية التي تصدّر باسمها حمدي، لم تكن هزيمة نهائية بقدر ما كانت جولة من حياته، فمن حوله لم يكونوا منتصرين أيضًا، أراد ميخائيل رومان بعمله المسرحي رسم صورة للعصر الذي عاش فيه، حمدي كان مُحاربًا، بالفعل استسلم للأفيون، لكنه عبر كلماته قال "المخدرات بتديني الحلم.. وأنا الحلم عندي أعظم من الحقيقة"، رغب حمدي في إيجاد هدف بحياته، أن يشتبك مع الواقع لا أن يعيشه باستسلام، فكان الأفيون منبع عذاباته.

جاءت المشاهد الأخيرة بالعمل المسرحي، تُظهر مدى براعة الممثل في الوصول بحمدي كشخص يتعذب، يُقاوم الحشيش، كان جسده يعذبه، يرتعش كيانه كله، يركع أرضًا. بعد رفته من عمله، عرض عليه المعلم رمضان، التعامل معه كـ"ديلر"، يحكي له التاجر عن السياسي، المريض بالسل، الذي قابله في السجن قبلًا، أوامر تُلقى إلى المسجونين بالركوع، غير أن السياسي يظل الشخص الوحيد الواقف، يأتيه الضابط لسؤاله، لكنه لا يستسلم، وكانت النتيجة أنه مات من التعذيب، فيسأله المعلم رمضان "تركع ولا" فيُجيبه حمدي "اللي عنده سُل مركعش".

فيديو قد يعجبك: