مصراوي داخل منزل ''أنور علي''.. صانع أشهر ''أفيشات'' السينما المصرية (2-2)
كتبت-علياء رفعت:
أن تكون ابنًا، أو حفيدًا لفنانٍ عظيم أثرى السينما بأفيشاته؛ هو أمر لا يُستهان به. فالحياة في منزل صانع الأفيشات حتمًا ستجعلك تلتقط بعينك وأذنك بعض من أسرار "الصَنّعة" إن لم تكن كُلها، لتتشربها على مهل. لهذا كانت ابنة الفنان "أنور على"، وحفيده هم الأجدر على شرح أسرار تلك "المهنة" البراقة، فكلاهما عايش أشهر صانعيها، وشهد العديد من المواقف التي تستحق أن تُروى فلا تبقى طي الكتمان."الأفيش بيمر في صناعته بـ 3 مراحل" قالتها ابنة الفنان الراحل مُفسرة كل مرحلة على حِدا بمنتهى الدقة.
المرحلة الأولى:
ويعد قوام هذة المرحلة "اجتماع ثلاثي" يضم المخرج، المنتج، بصحبة صانع الأفيشات، يقُصوا عليه قصة الفيلم، ويروا له الأحداث الدقيقة بداية من أول مشهد مرورًا بالعقدة وتصاعد الأحداث ووصولًا إلى نهاية الفيلم، "بابا مكنش بيكتفى بس بإنه يسمع قصة الفيلم، لكن كان بيصر على حضور أول أيام التصوير، عشان ياخد فكرة عن الأحداث والأبطال فتلقط عينه كل التفاصيل اللازمة".
الألبومات الفتوغرافية التى يتم من خلالها تجميع الصور، الكادرات الخاصة بأحداث الفيلم ونجومه أثناء أيام التصوير المختلفة كانت تلعب هى الأخرى دورًا هامًا، فهى واحدة من أهم المؤشرات الرئيسية التى تساعد صانع الأفيشات على تحديد ملامح شخصيات الأبطال التى سيقوم برسمها لاحقًا، لذلك كان يحتفظ الفنان أنور على بألبوم خاص مليء بصور أبطال كل فيلم يقوم برسم أفيش له.
بعد الاجتماع الثلاثي، حضور أيام متفرقة للتصوير، ومطالعة ألبوم الصور الفوتوغرافية كان الفنان يؤثر الاعتزال فى مَرسمه الخاص أيامًا طوال حتى يصل للتصور المبدئي الذى سينطلق منه لصناعة الأفيش، طقوسه فى تلك الأيام لازالت تذكرها ابنته جيدًا فهى محفورة فى ذاكرتها كما النقوش على الجدران "مكنش يحب حد يدخل عليه أبدًا مهما طالت قعدته فى المَرسم، كان بيبقى متوتر جدًا وقلقان، وبينعزل فى هدوء لحد ما يستقر على الفكرة".
المرحلة الثانية:
وتنقسم المرحلة الثانية من إعداد الأفيش السينمائي إلى قسمين:
- "الماكيت":
وهو عبارة عن ورقة كرتون بحجم 30× 60، يتم رسم الخطوط العريضة للأفيش عليها بشكل مبدئي، ثم تطوير تلك الرسمة حتى تصل إلى شكلها ما قبل النهائي بالإستقرارعلى وضعية صور النجوم.
ولأن الرسم غِيّته، والإتقان غايته كان الفنان "أنورعلى" يقوم بعمل أكثر من ماكيت بأشكال مختلفة للفيلم الواحد، حتى يستقر بمشاورة المخرج والمنتج على أفضلهم لينطلق لعمل الـ "واحد فوليو".
بعد الانتهاء من إعداد الماكيت الرئيسي للأفيش، يتم نقله من ورق الكرتون للواحد فوليو؛ وهو عبارة عن مُلصق بحجم متر×70، و يُحدد "الواحد فوليو"
الشكل النهائي للأفيش بأهم معالمه الرئيسية الدقيقة كاختيار مكان إسم الفيلم، نوع الخطوط المستخدمة، الألوان، والخلفيات. وقد يتم أثناء رسمه التعديل على الماكيت الرئيسي بما يتوافق مع رؤية الفنان.
بالانتهاء من إعداد "الواحد فوليو" كان "علي" يتنفس الصعداء، تبدو السعادة بادية على مُحيّاه كما تذكر زوجته، فيقف أمام لوحته الخاصة فخورًا بما صنعت يداه، سعيدًا بما أنجزه، ليبادرها بعدها "تيجى أعلمك؟"، فتضحك وهى تجيبه " وأنا أجي جمبك إيه بس!".
المرحلة الثالثة:
وهى مرحلة الـ "24 فوليو"، تستغرق لإتمامها حوالى 15 يومًا، فهى آخر مراحل صناعة الأفيش قبل طباعته، ويقوم فيها الفنان بفرد 24 مُلصق بحجم الواحد فوليو إلى جوار بعضهم البعض على الحائط مُشكِلا بذلك ما يُطلق عليه فى الصناعة "24 فوليو" ليقوم بعدها بترقيم كُل مُلصق ورسم الأفيش بحجمه الكبير الذى يتم تعليقه أعلى دور السينما أو على الحوائط في الشوارع المؤدية إليها.
بعد رسم الأفيش بالحجم الكبير يتم إزالة الملصقات جميعها وفق الأرقام التى رُقِمت بها استعدادا للذهاب بهم إلى المطبعة. مرحلة الطباعة هى إحدى المراحل التى كانت تكثُر بها المشاكل كما توضح الابنة " المطابع زمان مكنتش زى دلوقتي، وبابا كان دقيق جدًا، ميقبلش أبدًا إن الألوان تدخل على بعضها، بيبقى عاوز كل حاجة زى ما هى مرسومة بالضبط، والألوان واضحة ومنفصلة، مفيش لون داخل على التاني".
كان عاطف الطيب هو المخرج الأقرب لقلب الفنان أنور على، أحب -الأخير- العمل مع الطيّب كثيرًا فكلاهما يتشاركان نفس الشغف، يحترفان إظهار المشاعر الإنسانية التي تجتاح البشر بدقة، ويصوران كل الرغبات، نزعات الخير والشر، آلام الهزائم ، وسخرية الأقدار كُلٌ بطريقته؛ الطيّب بممثليه وكاميراته، وعلي بريشته.
ربطتهم علاقة صداقة قوية جعلت التناغم بينهما سيدًا لكل المواقف التي جمعتهم فتعاونوا في أكثر من فيلم سويًا، حيث قام "علي" بتصميم أفيشات أفلام كثيرة أخرجها الطيّب من ضمنها: قلب الليل، الحُب فوق هضبة الهرم، ملف في الآداب، التخشيبة.. وغيرهم.
"فاتن حمامة كانت بتصمم إن بابا هو اللي يعمل أفيشات أفلامها كلها، وبتهتم بكل التفاصيل صُغيرها قبل كبيرها"، لاهتمامها بالتفاصيل كانت "حمامة" من أقرب النجوم لقلب "عم أنور" كما اعتادت أن تُناديه فالمحبة متبادلة، ولأن الفنان الحقيقي كما يراه "أنور علي" - حسب ابنته- هو الذي يعشق التفاصيل، يهتم بها، ويسعى للاطمئنان على وضع اللمسات الأخيرة التي تضمن جمال الصورة النهائية؛ كانت فاتن بنظره أيقونة للفن الخالص.
وعلى النقيض تمامًا ما يُحدث الآن بأن يقتبس صُناع السينما أفكار أفيشات الأفلام من الغرب، فيقوموا بتقليد الأفيشات الغربية؛ كان الفنان أنور على "يتفنن" فى رسم بعض شخصيات الفيلم فوق الأفيش، ويضع للبعض الآخر صورًا فوتوغرافية غير مرسومة حسب رؤيته، إلا أن المثير للدهشة أن أفيش فيلم "الشيطانة التي أحبتني" والذى ظهر إلى النور عام 1990، ويعد واحدًا من أشهر الأفلام فى السينما المصرية، أقتُبِس منه فكرة أفيش فيلم Mr. and Mrs. Smith الذى تم إصداره عام 2005 أى بعد صناعة الأفيش المصري بنحو 15 عام.
حكاية أخرى طريفة خاصة بأفيش فيلم "الأشقياء" يرويها الحفيد قائلًا "الأفيش ده كان من أكتر الأفيشات اللي خدت وقت ومجهود من جدو، الفلوس الموجودة عليه دى مرسومة مش ملزوقة، أما صور الفنانين فهى عبارة عن صور مصورة ملزوقة بس مُضاف ليها رتوش بالرسم عشان يطلع شكلهم حقيقي كده، كأن الواحد شايفهم قدامه".
ذكرياتٌ لا تتسم بالضبابية لازال الحفيد "رامى" يذكرها عن جده، يسهب فى الحديث عنه وهو يروى حكاياه باعتزاز، تشع عينيه إنبهارًا بفنٍ مضت أيامه الجميلة تاركةً له إرث لا يقدر بثمن "قررت أحتفظ بكل قصاصة ورق امتلكها جدى لأن النوع ده من الفن نادر ومبقاش موجود، زمان كانوا يبتكروا أنواع الخطوط ويقضوا فى الرسم أيام، لكن دلوقتى كل حاجة بقت تتعمل بجودة أقل وسرعة أكبر، التكنولوجيا على قد ما فادت فى نواحى كتير على قد ما ضيعت رونق الفن الحقيقي للأسف"، مُضيفًا "مستني اليوم اللي نقدر نعمل فيه معرض كبير نعرض فيه كل أعماله، دي أقل حاجة ممكن نكرم بيها فَنّه ونسعد روحه".
فيديو قد يعجبك: