بالفيديو: مراسلكم من مستشفى "الدمرداش".. "نوار" مريض بدرجة صحفي
كتب-إشراق احمد:
ساقه المرض إلى أعتاب مستشفى "الدمرداش"، لكنه لم يتخيل أنه سيتحول إلى "مراسل صحفي"، ينقل معاناة المرضى مع منظومة الرعاية الصحية. يعاني كريم نوار من "هيموفيليا" –سيولة في الدم-، لذا أي جرح صغير يصيبه، هو بمثابة الكارثة، إهمال بسيط قد يؤدي إلى نزيف حاد ربما لا يُحمد عقباه، عمر الشاب جعله أكثر مراعاة لطبيعة مرضه، فقلت زياراته للمستشفى عما كان بالطفولة، لكنه قدرا بات في حاجة لإجراء عملية جراحية بفكه، لذلك لجأ إليه مضطرا.
قبل نحو عشرة أيام توجه "نوار" إلى مستشفى الدمرداش الجامعي، قيل له إنه المستشفى الوحيد بالقاهرة المتواجد به قسم لأمراض الدم، فتوجه إلى هناك، صدر قرار بحجزه، لإجراء الفحوصات اللازمة حتى تستقر حالته، "من 10 الصبح لغاية 8 بليل مفيش حد سأل فيا" كذلك وصف "نوار" يومه الأول بالمستشفى، الذي لم يجد به مكان داخل القسم المخصص له وهو 13 باطنة أمراض دم "لما طلعت لقسم أمراض الدم قالوا لي فيه ضغط، مفيش مكان وهم مُوزعين المرضى على كل الأقسام"، تقبل الشاب الأمر وذهب إلى مكان ما يريدون، لتبدأ رحلته داخل المستشفى.
التحاليل يذهب المريض ليجريها بنفسه داخل المستشفى، الدم يوفره هو عبر متبرع أو يشتريه، المحايلة لمجيء طبيب يتابع الحال، هذا ما رصده "نوار" وهو "يعافر" للحصول على حقه في رعاية جيدة، وصلت إلى جلب الأمن له، بعد إصراره على حجزه بالمكان الذي كُتب له كما مدون بتذكرته، لم يكن الاهمال –كما يصفه- يطول فقط حالته بل أبصر الشاب وفاة حالات بعد تعرضها لنزيف "ومحدش سأل عنها" كما قال.
لم يكتف طالب الفرقة الرابعة بكلية الآداب جامعة عين شمس، بالمشاهدة، بل قرر تخطي الأمر إلى التوثيق؛ عبر تليفونه المحمول قام "نوار" بتصوير شيئا مما لاقاه ويتعرض له مرضى الدم بمستشفى الدمرداش –كما قال-، أجرى حديث مع أسرة فتاة توفت بعد خمس دقائق من الاستغاثة بطبيب "كانت بتنزف وأهلها قعدوا ينادوا على الدكتور، اللي قال لهم أصبروا معايا حالات تانية أهم"، غير أن المريضة لفظت أنفاسها الأخيرة دون أن يأتي الطبيب.
في بداية دخوله المستشفى لم يجادل الشاب الأطباء، خاصة مع رؤيته بعينه امتلاء قسم أمراض الدم بحالات، يعتبرها أكثر حاجة منه للرعاية "مش هقدر أخذ مكان مريض سرطان مثلا"، غير أن عقله ما كان ليتقبل الأمر "مريض الدم له وضع خاص لأن مناعته ضعيفة، فلو اتعرض لملوثات ممكن يموت"، فضلا عن غياب أطباء الدم عن الأقسام التي لا يتواجد بها المرضى، وغير مخصصة في الأساس لهم.
رحلة مماطلة خاضها "نوار"، نُقل بها إلى عدة أقسام "روحت 6 باطنة وده لأمراض الصدر وحاجات تانية، رفض القسم استقباله لزيادة العدد، ووصل الحال إلى تعليق المحاليل له وهو جالس على كرسي بطرقة المستشفى حتى الثانية من فجر اليوم التالي "جت دكتورة قالت لي اتفضل هتروح قسم 12 باطنة عشان مفيش مكان"، هنا انفعل الشاب، وأصر على التواجد بالقسم الذي أمر الطبيب باحتجازه به قائلا "إزاي الدكتور يحجزني وهو عارف أن مفيش مكان؟".
وصل الحال بـ"نوار" إلى تعرضه للنزيف داخل المستشفى، بعد مشادة جرت بينه والطبيب، انتهت بقول الأخير "أنت أصلا عاملنا مشاكل شوف عايز تمشي ولا تقعد براحتك"، فغضب الشاب، ونزع "الكانيولا" الموصلة للمحاليل بذراعه، فأخذ يتساقط الدم من يده، دون مساعدة يتلقاها، حتى أسعفه طبيب لا علاقة له بأمراض الدم وجده صدفة، أعطاه حقنه أوقفت النزيف.
معاناة الشاب وتوثيقه ظل مستمرا، طيلة انتظاره لاستقرار حالته حتى يجري العملية الجراحية؛ في مساء يوم وفاة الحالات، أخبره الطبيب أنه بحاجة إلى نقل دم، فانفعل الشاب "قبلها بيوم كان معايا صحابي واتبرعوا وأخدوا منهم 4 أكياس"، وزاد غضبه بعد تبرير الطبيب لعدم وجود دم "أصل أحنا اتصرفنا فيهم".
كل خطوة لـ"نوار" على أرض المستشفى، كان يسجل معها تجاوز، حتى حينما أراد الخروج على مسؤوليته، بعد أن وجد تذكرة دخوله ملقاة بين بعض أشياءه، فأخذها "مع أنها متنفعش تبقى في إيد المريض"، وباليوم التالي لوفاة الفتاة "اللي دخلت على رجليها وخرجت جثة" كما وصفها؛ لاحظ الشاب وجود اهتمام ملفت "3 دكاترة كانوا موجودين بالأوضة ومدير المستشفى"، لكنه فسر ذلك أنه نتيجة الشكوى التي تقدم بها إلى نائب مدير المستشفى، مصحوبة بالمقاطع التي صورها.
كان توثيق "نوار" لما رآه طوق نجاة أمام محاولات بعض الأطباء لتحميله خطأ؛ أخبره مسؤول المستشفى أنه الخاطئ فيما حدث "مبتبقاش موجود عشان اللي يجي يكشف عليك"، فيما لم يغب الشاب كما قال إلا لإجراء تحاليل طلبوها وفي حالة الفتاة المتوفاة، وكذلك تواجده بالمستشفى في اليوم التالي مع امتلاكه لتذكرة الدخول نفي ما ذكره التقرير الصادر بشأنه "كتوبوا لي هروب"، والذي يعني منعه من دخول المستشفى مرة أخرى "كانوا هيوقعوني في مشكلة لكن عشان نيتي خير ربنا ستر".
محاولة التواصل مع مدير مستشفى الدمرداش الدكتور أسر العفيفي لم تجد نفعا، للرد على ما نُسب إلى المستشفى، حيث لم يجب الطبيب، وأكتفى بإرسال رقم هاتف طبيبة تنيب عنه تدعى "ع. ص"، التي نفت معرفتها بأي شيء يتعلق بقسم أمراض الدم، وأصرت على ترديد "أنا طبيبة أسنان معرفش في أمراض الدم" رغم إعلامها أن الموضوع إداري، وتأكيدها أنها ذات منصب يؤهلها للإنابة عن المدير، مرشحة مدير القسم أو بنك الدم، وهو ما أكد كلمات "نوار"، حيث قال "لما وريتهم الفيديوهات.. رموا المسؤولية على بعض وقالوا دي مشكلة مدير القسم".
لا يتمنى "نوار" من التجربة التي وضعه المرض بها، إلا أن تتحسن أحوال المستشفيات، ويراعي الأطباء مرضاهم، دون الإحساس أنهم يمنون عليهم، فلا شأن للمرضى بأعبائهم، حاملا بنفسه صورة الفتاة اليانعة العمر، التي تعاني مثله مرضا في الدم، وقد سقطت جثة هامة بعد إهمالها "كان ممكن أكون مكانها".
فيديو قد يعجبك: