لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

رحلة عمرو بدوي لإيران.. الحياة الموازية في بلاد فارس (حوار)

02:02 م الخميس 09 يوليو 2015

عمرو بدوي و محررة مصراوي

حوار-رنا الجميعي ودعاء الفولي:

قديمًا كان هُناك الرَّحّال؛ رجل كثير التنقل بين البلاد والعباد، يبدأ يومه في بلد، وينوي الرحيل عنه في اليوم التالي، يأكل على موائد الحضارات المختلفة، يُصاحب الجميع، ثروته رحلاته. السفر يُنعش خلايا الاستكشاف، يُعطي حيوات لا تنتهي، السفر صديق دائم؛ هذا ما فطن إليه عمرو بدوي صاحب كتاب ''مسافر الكنبة في إيران''، فقرر أن يتخذ من الوسائل الحديثة أدوات لمساعدته على الترحال.

كان العرب يسيحون في أرض الله، يقيمون طرقًا للحرير وأخرى لكسوة الكعبة أو للحج، امتلأت تلك الطرق باستراحات أو ''كرافان سراي'' كما قابل ''بدوي'' في رحلته بإيران. من خلال موقع ''couch surfing'' استطاع الكاتب بناء شبكة اتصالات تُمكنه من السفر لأي من البلاد والتوجه لأناس بعينهم يعرف عن طريق الموقع، يقول ''بدوي'' في مقدمة كتابه ''أنا شخصيًا أومن بالآية القرآنية الكريمة وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا، خلقنا الله مختلفين حتى نتعارف ونستفيد من ثقافات وعلوم الغير، وما موقع CS إلا إحدى وسائل التعارف الإنساني''.

لماذا إيران ؟

''كنت عاوز بلد غنية بالتفاصيل''.. يقول ''بدوي''، حينما أراد القيام برحلة لدولة مليئة بالتفاصيل، بالإضافة إلى محاولته تغيير الصور النمطية عنها ''احنا منعرفش كتير عن إيران، واللي نعرفه حاجات مغلوطة عنها وعن المذهب الشيعي''، فالصورة المعروفة عن إيران كما يوضح الكاتب ''الشادور الأسود-زي إيراني- والدقن البيضا والعمامة''، لكن إيران التي شاهدها ''بدوي'' وعاشها لم تكن بالأبيض والأسود فقط.

1

كان الهدف الأساسي لكتاب ''بدوي'' هو التدوين عن إحدى الدول التي سافر إليها، من بين 40 دولة، كذلك لتعريف الناس عن ذلك الموقع الذي ساعده في رحلاته، ومزايا السفر منفردا ''كنت عاوز أبين للناس إن السفر بالموقع دا مختلف، ويديك المعلومة، إنك تسافر البلد كسائح وتقعد في فندق ومتقابلش حد من أهل البلد، إنما أنا هنا مسافر، بعيش مع الناس، بشوف حياتهم، بيوتهم وعيلتهم''.

قلب إيران

في رحلته لإيران التي امتدت لعشرين يوم، بدأ ''بدوي'' تنقله من جنوب إيران ''كل القلب اللي في نص إيران دا اللي فيه أجمل الأماكن''، فبدأ من شيراز ''كنت مرن، أي حد بيقولي حاجة بعملها'' لذا لم يتمسك بخطته بحذافيرها أن يطوف في خط مستقيم من جنوب إيران لشمالها، وحينما أشار عليه أحدهم الذهاب إلى يزد لم يرفض، تلك القرية التي قيل له عنها ''دي بلد كلها صحراوي، ومبنية من الطوب الأحمر''، وبالفعل كانت يزد محطته الثانية بعد شيراز، ''كنت ماشي زجزاج'' ثم جاءت أصفهان ''كان نفسي أشوف أصفهان من كتر ما اتكتب فيها، واتوصف في جمالها".

مسجد-الإمام--2بأصفهان

قبل الرحلة قرأ ''بدوي'' كتب عدة عن إيران، بعضها عن الثورة الإسلامية وحُكم الشاه، كما قرأ روايات كان لها أثرًا عليه فيما بعد، كان منها ما حكت عن قلعة ''آلموت'' ''كنت قايل في الكتاب إنك لو روحت بس المكان دا ومشيت كفاية''، قرأ روايتي ''سمرقند'' لأمين معلوف و''آلموت'' لفلاديمير براتول، تلك القلعة كانت مركز لدعوة طائفة الحشاشين التي أسسها ''حسن الصباح''.

''الآخر'' لم يكن مصدر تخوف لـ''بدوي''، تنميط صورة مسبقة عن الناس لم تكن بذهن مسافر الكنبة، إنما تخوفه الوحيد كان أمنيًا ''كنت عامل حسابي اني لما هرجع حد يسألني روحت فين''، يُكمل ''بدوي'': ''لكن احنا خلاص في 2015 اللي عاوز يتواصل مع حد مش شرط يسافر''.

بقايا-قلعة--3آلموت

بعد السفر إلى يزد والتي تعرف فيها، من خلال الموقع أيضًا، على إيراني صحبه على دراجته البخارية، ليريه المدينة كلها، نصحه أحد رفاق الموقع بالذهاب إلى كشند، والتي لم تكن بالخطة أيضًا، المدينة التي تقع على طريق الحرير أرجعت ''بدوي'' لأزمان قديمة، كان يرتحل فيها العالم ''ابن سينا'' بين المدن مطاردًا، ومستقرًا بأحد الـ''كرافان سراي''، أي نزل المسافر، المتناثرة على طريق الحرير، وهو ما فعله ''بدوي'' في رحلته، حينما ذهب لرحلة سفاري وبات ليلته في إحدى الاستراحات.

ساحة يحدها أربع إيوانات، والسماء سقفها، يجلس ''بدوي'' بطرف أحد الإيوانات ممسكًا الكاميرا ومطلقًا عدستها تجاه الخارج، يلتقط صورة للجزء الباقي من ''كرافان سراي''، فيما تتخذ السماء بنجومها مساحة كبيرة من الصورة، ويؤطرها طرف الإيوان، في أحد لياليه بإيران، بات الرحال ليلته بالنزل ''كنت كأني ركبت آلة الزمن ورجعت عشت لحظة القوافل''.

4كرافان سراي

كان موقع CF بمثابة حلقة كبيرة من الأصدقاء، ليس لهم حدود، يملك عليه المشترك حساب، ويتيح بيته للاستضافة، وهو ما فعله ''بدوي'' ببيته في القاهرة ''عندي أوضة فاضية''، رغم جُنون الفكرة إلا أنها أتاحت له التعرف على ثقافات مختلفة، كذلك يُساعد المسافر القادم إلى مدينته ''بيسألني أخرج فين، آكل منين، أركب منين، وبساعده''، سبع أعوام على الموقع جعلت من محب السفر شخصًا مؤهلًا للترحال، من خلال الموقع تمكن من معرفة إيرانيين بكل البلاد التي زارها.

5

مصر وإيران

رحب الإيرانيون به ''بيحبوا السياح جدًا، وخصوصًا المصريين''، كما أن اسمه ''عمرو'' جعلهم يثرثرون عن معرفتهم بـ''عمرو الدياب'' وأغانيه، تماست علاقات مصر وإيران لفترات وهو ما يرتكن إليه الإيرانيون في حبهم لمصر كما يحكي ''بدوي'': ''الأميرة فوزية بنت الملك فاروق كانت متجوزة ابن شاه إيران، كمان لما حصلت الثورة الإسلامية جه شاه إيران مصر، واتدفن بيها، لحد دلوقت الأسرة المالكة تيجي تزوره''.

''اللي بيجمعنا أكتر من اللي بيفرقنا''.. يقول ''بدوي''، فحس السخرية عند الإيرانيين، والكرم الذي تلقاه الرحّال بين تنقلاته يُشبه حال المصريين، لم يتخوف أبدَا من مقابلة الغرباء هُناك ''احنا عندنا عادات شرق أوسطية متشابهة، غير في أوروبا ولو سألت حد ممكن يسيبني ويمشي''.

6

رغم أن إيران تحت حُكم ديني منذ الثورة الإسلامية التي قام بها الخميني عام 1979، إلا أن الناس الذين قابلهم ''بدوي'' لم يكونوا بهذا القدر من التشدد، فهناك حياة أخرى توازي الصورة النمطية عنهم، موقفان يحكي عنهما مسافر الكنبة دللا على أن حياتهم الأصلية ليست متشددة ''قابلت بنت هناك قالتلي تعالى معانا درس رسم في بيت صاحبتنا، سألتها ليه في بيت، قالتلي عشان رسم الأشياء الحية ممنوع''، فالفتيات يقمن بتعلم الرسم على يد مُدرس يقدم إليهم بالبيت، سألها ''بدوي'' عن سبب اصطحابها له، فردت لكي ترسمه.

7

بين تفاصيل إيران الكثيرة، ثمة مواقف يراها صاحب الكتاب طريفة، إذ اقترح عليه أحد أصدقائه هناك الذهاب معه إلى حفلة، وحين جاء الميعاد قابل خمسين شابا وفتاة في بلدة بين أصفهان وطهران، استقل الحافلة معهم وكان الواضع هادئا ''البنات لابسة حجاب والأنوار بتاعة العربية مطفية والناس ساكتة''، مرت السيارة بكمين للشرطة، وما إن تجاوزته حتى انقلب الحال ''لقيت الستاير بتاعة الأوتوبيس نزلت وبقى فيه إضاءه أحمر وأصفر وأخضر والبنات خلعت الحجاب والمزيكا اشتغلت''، وظل الوضع هكذا، وحين كانت الحافلة تمر بكمين آخر للشرطة يعود الوضع الهادئ ثم ما يلبث أن يتغير.

8

أما بالنسبة للمذهب، فإيران كدولة تتبع المذهب الشيعي، لم يجد ''بدوي'' فيها أي مضايقات لأنه من مذهب مُختلف، وحينما دخل ليصلي جماعة، أقام الصلاة كما يعرفها، لكن صلاة الشيعة تختلف في مظهرين فقط ''مش بيربعوا إيدهم وهما بيصلوا، وبيحطوا زلطة وهما بيسجدوا''، تلك الحجارة التي يؤولها المذهب أنها كسجود النبي، فالرسول لم يكن يُصلي ورأسه على سجاد، والحجارة المصنوعة كما يقول ''بدوي'' من ''تراب الأرض ومتنشف في الشمس كناية عن السجود على الأرض ذاتها''.

مسجد لطف الله  بشرطة 8

يقول ''بدوي'' إن الإيرانيين لا يهتمون باختلاف المذاهب كما هو مُشاع ''لما كنت بقول للشباب الكلام دا، كانوا بيضحكوا، هما مش فارق معاهم سنة ولا شيعة، هي توجهات دولة بس''، يعتبر ''بدوي'' نفسه محظوظا لرؤية الحياة الموازية في إيران، المواطنون استطاعوا خلق كل شيء منعته عنهم السلطة، بداية من الخمر الذي يتم صناعته في المنزل، مرورا بالإنترنت وحتى تداول شرائط الأغاني الممنوعة، اكتشف الرحالة الثلاثيني مع الوقت أن إيران مُتخمة بتفاصيل كثيرة، فكان لا يمر عليه يوم إلا ويدون، سواء بالكتابة أو بالصوت.

البيت الإيراني

صداقات أقامها ''بدوي'' من مقابلاته للناس هناك، أولاها كانت فتاة من شيراز ''كنا بنخرج كتير وكل يوم بتوريني حاجات''، والصديقة الثانية كانت مخرجة أفلام وثائقية ومذيعة بالتليفزيون الإيراني، كما أنها رغبت في القدوم لمصر لعمل أفلام عن أضرحة آل البيت، وسؤال الناس عنها، لكن أوقفتها التصاريح الأمنية، عرف الرحّال كثيرين رغبوا في رؤية الآثار الفرعونية ''هما متأثرين بالفراعنة، في طرق بنائهم، عشان حضارتنا قديمة زي حضارة فارس''، كما أنه يوجد بإيران مدينة ''بريسبوليس''، التي تعني المدينة الفارسية، وهي مليئة بالآثار القديمة التي تُشبه الآثار الفرعونية.

9

قضى الرحالة إحدى الليالي في منزل جدة فتاة عرفها عن طريق الموقع، رأى البيوت الإيرانية وعاش بها، يصفها بأنها قليلة الأثاث، وكثيرة السجاد كمظهر من مظاهر الاحتفاء به، حيث يفرغ وسط الصالة من الأثاث ويغطيها السجاد، فيما يوضع الأثاث مبعثرًا عند الأطراف، كما أن الجلوس على الأرض شيء أساسي في الثقافة الإيرانية، والمراتب الصغيرة للنوم ''لاحظت إنهم عندهم مراتب كتيرة صغيرة للضيوف''، فالتزاور بينهم عادة أصيلة.

الطعام الإيراني

يُعتبر الأرز جزء أساسي من السفرة الإيرانية، كذلك فالمشويات يُتقنون صنعها، والزعفران كصديق مشترك للطعام ''حتى الحلو بيحطو فيه زعفران زي الرز باللبن والآيس كريم''، كما تعرف ''بدوي'' على الأكل الآزاري، الذي تختص بها منطقة وحدها هي ''أزربيجان''، التي تقع بالمنطقة الشمالية الغربية وتختلف عن الدولة التي تحظى بنفس الاسم، ''ليهم أكل خاص بيهم، البتنجان، الحمص والخضار، وليهم طريقة معينة في طبخه حلوة''.

10

للسفر ثمن؛ إلا أن "بدوي" لا يأبه بإنفاق مدخراته على ما يحب "والدي كان دايما يتكلم معايا إني مضيع فلوسي كلها في السفر، بعمل جمعية وأقبضها أجيب بها تذكرة الطيارة" غير أنه يستطيع ببعض الحيل التي تعلمها على مدار 8 سنوات أن التوفير ممكن، فموقع "مسافر الكنبة" الذي يتعامل من خلاله، يوفر له إقامة، والتحرك داخل البلد، يكون بالمواصلات العامة، ووجبات الطعام بحساب "مش لازم ال3 وجبات تبقى في مطعم، كفاية وجبة رئيسية وإزازة المياه كنت بملأها من الحنفية مش لازم أشتريها"، حين اصطحب ابنته نور إلى أكثر من دولة علّمها ذلك "كنا بننزل نجيب عيش وجبنة من السوبر ماركت وناكل منهم بليل وتاني يوم الصبح".

أسئلة كثيرة تتوارد إلى "بدوي"، أغلبها يدور حول النفقات، لكنه يُخبر السائلين دوما أن الأمر بسيط، إذا ما اتبعوا بعض القواعد "فيه مزارات كتير في الدول بتسمح للطلاب يدخلوا بنصف السعر"، كما أن هناك مواقع على الإنترنت تُعطي الراغبين في السفر إرشادات عن أسعار الطيران الأرخص على مدار السنة في كل بلد.

11

من خلال عمله الأساسي كمدير استثمار بشركة للبترول، اعتاد "بدوي" على السفر بدافع العمل "لكن كنت مبروحش أشتغل بس، بتعمد اخد يومين قبل الشغل أو بعديه عشان أشوف المكان كويس"، وبعد تلك السنوات من الخبرة صارت الاقتراحات تأتيه بأن ينشئ شركة سياحية، لكنه يرفض "انا مش عايز أعمل بيزنس في السفر، انا بحب السفر للسفر فقط".
يذكر حين كان مسافرا إلى غانا عام 2009 وقد تعلم التصوير للتوّ، فأحضر حقيبة للمعدات بجانب حقيبته الشخصية "كانت رحلة عذاب لأني كل ما كنت بضطر أشيل وأحط"، كما أنه تعلم من الرحالة الذين يستضيفهم الاقتصاد خلال السفر "فيه راجل جالي كان بيسافر بقاله 6 شهور وماشي بشنطة أكبر من شنطة الإيد بشوية".

12

الخبرة التي اكتسبها "بدوي" لم تمنع مروره ببعض المواقف الخطيرة، إذ كان في طريق وادي ألموت بإيران، وهو طريق متعرج للغاية وكان السائق يبدو عليه التعب "وفي نص الطريق لقيته نزل وقف شاحنة كبيرة وطلع قعد مع السواق"، ليتفاجأ عمرو بالسائقين يشربان المخدرات "أنا قلقت لأن الطريق كان خطير فعلا فإنه السواق يمشي كمان وهو شارب كان أصعب"، لكن اليوم مرّ بسلام، على حد قوله.

كان كتاب "بدوي" عن إيران أحد نتائج الرحلة الغنية، كذلك كان معرض الصور التي التقطها خلال رحلته، والذي بدأ في" درب 1718" في 13 يونيو وانتهى في الحادي والعشرين. بعد ذهابه إلى إيران، مر برحلة أخرى إلى أراضي أفغانستان، وفكر في تدوين كتاب عنها "لأن الناس واخدة فكرة إن كلها طالبان والناس بتموت بعض ودة مش صحيح"، كما أنه سافر كوبا لمدة أسبوع واكتشف أن الدولة لازالت تتبع النظام الشيوعي "حسيت إني رجعت للخمسينات لأن كل حاجة فيها قديمة سواء العربيات والشوارع والفنادق". شغف "بدوي" بالسفر لازال حيا، طالما هناك أماكن على وجه الأرض لم يرها، فـ"لستة السفر طويلة لكن الواحد لسه ناقصه شوية موارد".

13

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان