"البوزجاني".. الإيراني أبو حساب المثلثات (بروفايل)
كتبت- إشراق أحمد:
مع دخول الطالب المصري للمرحلة الثانوية، تبدأ علاقته بفرع جديد في الرياضيات؛ حساب المثلثات، يخوض في معرفة المعادلات الرياضية، تحديد قياس الزوايا والأضلاع بدقة، النسب "جا" و"جتا" و"ظا" التي تتردد على المسامع، دون معرفة لصاحب تعريفها وابتكارها، مَن وضع صيغة تلك المعادلات، وطورها، وكرس حياته التي لم تتجاوز الستين، ليُثري قواعد أساسية يتعلمها أجيال متتابعة منذ القرن العاشر الميلادي وحتى الآن، يسير على خطاها علماء بالشرق والغرب؛ أبو الوفاء البوزجاني هو صاحب الفضل في ذلك الفرع الرياضي.
يصفه البعض أنه أحد أئمة علماء الفلك والرياضيات، ولقبه جورج سارطون، العالم البلجيكي وأحد كبار علماء تاريخ العلم في القرن العشرين بأنه "أعظم الرياضيين في الإسلام"، حمل لواء الخوارزمي –واضع علم الجبر، وإقليدس –عالم الرياضيات- وانطلق منه نحو تخصصه في حساب المثلثات.
في شهر رمضان من العام الهجري 328، استقبلت مدينة "بوزجان" بإقليم خرسان الإيراني، صبي صغير، في أسرة تُجل العلم نشأ "أبو الوفاء محمد بن محمد بن يحيي بن اسماعيل بن عباس"، ولمدينته انتسب بـ"اليوزجاني"، العم والخال يسقونه عشق الرياضيات منذ المهد، فهام في دراستها حبا وطمعا في بلوغ أبوابها المغلقة ليفتحها، فكان السبيل بالذهاب إلى بغداد وهو بعمر العشرين.
شاب يافع يذيع صيته بين أرباب العلم في العاصمة العراقية، يشرح ببساطه شروح كبار علماء الرياضيات، لم يلتفت إلا للعلم، أخذ ينقله ويسطره في مؤلفات عدة، جابت العالم بعد وفاته، وصار الجميع يعلم حساب المثلثات كعلم مستقل بعد أن كان مقرونا بعلم الفلك، فكان "البوزجاني" أحد من ساهموا بشكل فعال في ذلك، بعد ابتكاره لنسب مثلثية كـ"ظا" –ظل الزاوية- أو tan كما تسمى بالإنجليزية، واكتشاف صيغة النسبة "جا"sin– جيب الزاوية، وتطويره لوسائل لحل المسائل الرياضية، ووصوله لدرجة دقيقة في قياس الزوايا، فكان قياسه لزاوية 30 و15 درجة حدث في زمنه.
"قانون الجيب" حينما يذكر، وَجَب حضور اسم العالم الذي يحتفل محرك البحث جوجل اليوم بذكرى ميلاده الـ1057، تلك المعادلة المعروفة لأشهر المسائل في حساب المثلثات، والتي تربط أضلاع المثلث بزواياه الداخلية، فيمكن حساب طول ضلعين مجهولين بالمثلث، عبر طول الضلع الثالث وقياس زاويتين من الزوايا، أو معرفة زاوية من طول ضلعين وقياس الزاوية المحصورة بينهم.
كان لـ"أبو الوفاء" نصيب من اسمه؛ إذ أخلص للعلم، وأفنى حياته في سبيل الرياضيات وما يتقارب معها من علم الفلك والهندسة، لم يكتف بوضع النظريات الأكاديمية، بل تحرى التطبيق العملي، وكان أبرز من فعلوا ذلك، أدخل علم الهندسة على الجبر، مما أدى إلى اكتشاف الهندسة التحليلية وعلم التفاضل والتكامل، فكان أحد الممهدين الأوائل لخروج هذين العلمين.
لم يتوقف أثر "البوزجاني" على علم حساب المثلثات، بل الفلك أيضا، فكان بين اكتشافاته معادلة مثلثية لتحديد مواقع القمر عام 988، وظل هناك جدل بين المؤرخين إن كان "البوزجاني" أم "تيخو براهي"، عالم فلك دنماركي في القرن 17 هو صاحب الاكتشاف. حتى رجحت كفة العالم الفارسي المنشأ، وكتابه الشارح لعمل الادوات الهندسية المسمى "في عمل المسطرة والبركار والكونيا –مثلث قائم الزاوية" والمختص في دراسة أصول الرسم.
في شهر فاضل –رمضان- ولد عالم الرياضيات الإيراني، وبمثله رحل؛ في شهر رجب من عام 386 هجريا -998 ميلاديا- رفعت أقلام "البوزجاني" لكن صحفه لم تجف، لازال علمه باق، استند عليه العلماء حتى الوصول إلى الرياضيات الحديثة، وصيغ تعريفه حاضرة في الكتب الدراسية، البسيط منها والمتعمق، فسيرة العلماء لا تموت ولا تنسى، وإن غفل الناس أسمائهم، فلا تُبخس أشيائهم عند العارفين وأصحاب العلم.
فيديو قد يعجبك: