بيت الست وسيلة.. مملكة الشعر
كتبت – نسمة فرج:
في أحضان القاهرة التاريخية، بالقرب من جامع الأزهر الشريف يقع بيت "الست وسيلة" أو بيت الشعر العربي، ويعد هذا المنزل ملتقي الشعراء ومملكتهم، ففيه تخرج أجمل الأشعار، ويكتشف المواهب، للذين يستلهمون من الماضي رؤية للمستقبل.
وبيت الشعر ليس مجرد مكان ولكنه رابطة جامعة تحدد ما هو مشترك بين الشعراء فهو له خصوصية للشعر المصري ضمن الشعر العربي من ناحية أو شعر اللغات الأخرى من ناحية أخرى، وإنه مناخ روحي حياة تحتفل بالشعر، وشعر يحتفل بالحياة، أرض وسماء نتردد بينهما، نلتقي بالنجوم المتألقة، ونكتشف المواهب البازغة، ونستعيد علاقتنا بالجمهور.
في عام 1646 ميلادية قام الأخوان عبد الحق ولطفي أولاد محمد الكناني، ببناء منزلاً في شارع عطفة العيني بجوار منزل عبد الرحمن الهراوي وعلى بعد أمتار قليلة من الجامع الأزهر. حيث يشير النص التأسيسي على إزار سقف مقعد هذا البيت، أن منشئه هو الحاج عبد الحق وشقيقة لطفى أولاد محمد الكنانى سنة 1074 هـ / 1664 م ثم أخذت ملكية البيت في الانتقال حتى وقع مفتاحه في يد الست وسيلة "خاتون بنت عبد الله البيضا معتوقة"، وكانت آخر من سكنت الدار ولذلك عرف باسمها ونسب إليها.
لم يسجل التاريخ حرفا واحدا عن الست وسيلة خاتون، التي توفيت في 4 مايو عام 1835 ميلادية، ولكنها يبدو أنها كانت سيدة ذات نفوذ في الحي، فحفظ الأهالي أباً عن جد اسمها، وصار علماً على البيت الأثري الرائع.
البيت مصمم كمعظم البيوت الإسلامية القديمة التي كانت تسعى إلى الحفاظ على الخصوصية وحرمة المنزل حيث مصمم على نحو يُمكن أهله من رؤية القادم عليهم، وفى الوقت نفسه لا يستطيع من في خارجه أن يتلصص أو يكشف حركة من في الداخل، وكان ذلك التصميم متبعا في إنشاء كافة المنازل في هذا الوقت، فمدخله منكسر حتى لا يجرح الضيوف أي ركن من أركان البيت، ثم يفتح بعد ذلك على «الصحن» أو الحوش والذي يحوى «الحواصل» أو الحجرات التي كانت تمثل مرافق المنزل، واستخدمت كمخازن للحبوب، واسطبل خيل، وطاحونة، وحجرة للخدم، ومندرة، وإلى يمين الباب توجد بئر المياه.
انتهى ترميم هذا المنزل عام 2005. عثر خلال الترميم على جزء من الحمام القديم الذي يعتبر فريدا من نوعه، ومن أهم وأجمل الحمامات بالعمارة الإسلامية القديمة، فهو يتكون من حجرتين وتزين سقفه زخارف رائعة وجدرانه من الرخام الأبيض، كما كشفت عملية الترميم عن نافورة الصحن الرئيسي في المنزل والطاحونة. ترميم هذا المنزل الأثري كان بمثابة إنقاذاً له بعد أن كاد ينهار، فقبل عامين كان المنزل شبه مهدم بل كان مدفونا والشارع يغطي مدخله، لكن عمليات الترميم شملت إزالة كافة الأتربة والمناطق المتهدمة والمخلفات الموجودة بالمنزل، ثم إعادة إحياء واجهة البيت الحجرية في الجهة الجنوبية الشرقية والتي تشمل ثلاث فتحات تشبه المغازل، تليها فتحة باب مستطيلة يغلق عليها مصراع خشبي تمثل المدخل الحالي للمنزل، وقد رمم المنزل بالكامل مع إضافات جديدة راعت عدم المساس بهيئة البيت.
فيديو قد يعجبك: