راديو جرامافون رغم الوقف.. "الفيل هيفضل يلعب"
كتبت-رنا الجميعي:
في البدء كانت صفحة صغيرة على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، عدد معجبيها يزيدون بمعدل بطئ، مكتبة على الإنترنت يذيعون من خلالها موسيقاهم المتنوعة، تحت اسم "جرامافون" اشتهرت الصفحة التي دشنت في مطلع عام 2011.
"الفيل" الصغير -شعار الراديو- بدأ يكبر، وصار جرامافون إذاعة على الانترنت عليها ست محطات بين الرئيسية، الشعبي، روك، كلاسيك، جاز، والعربي القديم، وصل"جرامافون" إلى 150 ألف ساعة بث، و2 مليون مستمع من 92 دولة مختلفة، ثم جاء تهديد المادة 16 بمسودة قانون حول سلطات الهيئة القانونية للإعلام لتهدم أربعة أعوام من بث تراث لا حدود له.
منزل بالمحلة الكبري، لأحمد كمال، مؤسس جراما فون، هي التي انطلق منها بث جرامافون لينتشر عبر دول العالم، يصبح له مستمعيه الدائمين، أناس قرروا أن ترافقهم الإذاعة ضمن تفاصيل يومهم، لم يكتف راديو جرامافون بالبث فقط، لكنه استطاع خلق مجتمع يتعامل بالموسيقى.
"هات فلاشتك وتعالى" كانت هي الدعوة التي انطلقت بعد عام من انطلاق "جرامافون" في 2011، أربعة أعوام مرت على الفيل الصغير، كان فيها منزل "كمال ، متسعًا لمحبي الموسيقى، الحميمية هي سبيل التعامل بين كل من جمعهم جرامافون في ذلك النهار الذي يُسدل ستاره_ ولو مؤقتًا_ على بث الإذاعة.
"نحن نلعب المنسي".. ذلك كان الشعار الذي رفعه "جرامافون"، وبمنزل آخر لـ"كمال" بالمقطم كانت الموسيقى بالأجواء، "هو إيه التراك اللي شغال دا".. استفهام سأله البعض مع الأغاني التي لعبها "كمال" ذلك اليوم، غرباء حضروا كانت الموسيقى الرابط بينهم، وهو ما تآلفت عليه قلوبهم، فصاروا أصدقاء في اللحظة، أربعة من الفتيات جلبوا البيتزا، ليُصبح الطعام شيئًا آخر مشترك بين رواد جرامافون، ودارت حولها مناقشاتهم.
"بانر" جرامافون خارج منزل "كمال" كان الدليل لكل من وطأ بقدمه المكان للمرة الأولى، وكلبه "أوريو" كان تسلية آخرى، أناس يقدمون وآخرون يغادرون، فيما لم يخل المكان من رفاق "المزيكا" لحظة واحدة، والوجهة الأولى للكل كان "لاب" مؤسس الراديو و"الفلاشات" التي توالت عليه لأخذ ملفات مختلفة من الموسيقى المنسية.
ما إن ترى "منى الأقطش"، الشابة العشرينية، تعرف جيدًا أنها فتاة مُعاونة وودودة، رتم صوتها الهادئ يُعلمك أن شغفها الموسيقى أتى بثماره، تقف غالبًا بجانب "الكومبيوتر" مُعاونة كل من أتى لأخذ الموسيقى، ترفض أن يقال عن "الإيفينت" أنها "حفلة وداع"، فبعد معافرة دامت طويلًا لاستمرار الإذاعة، اعترفوا أنهم تعبوا من ذلك المشوار الطويل، بين المشاكل المادية، والدولة التي يُمكن أن تهددهم بقانون يشترط عليهم وجود تراخيص لكل ما يبث على الانترنت.
رحلة طويلة خاضتها "منى" مع فريق جرامافون، تحكي عنها "احنا بنفكر الناس بتراث موجود وموسيقى عظيمة"، بإلحاح من رواد مكتبة جرامافون في أول الأمر واقتراح "كمال" ب"يلا نعمل راديو"، من هنا بدأ بث الإذاعة، التي استطاعت أخذ بعض من الشهرة، كذلك تواصل معهم عدد من الفنانين، من بينهم "محمد محسن"، "دينا الوديدي"، و اللبنانية "تانيا صالح" "في الوقت دا كنا نزلنا ليها ألبومها لكن هي تواصل معانا، قالتلنا "بعد إذنكم اسحبوه"، ودا اللي حصل".
وقت الثورة كان الراديو بدأ في البث "ذعنا وقتها بيان التنحي"، ثم ست ساعات بث تجريبي قاموا بها، أما البداية الحقيقية فكانت في الخامس من مايو، لم تلعب الإذاعة الأغاني المعهود بها، لكن ما اتخذوه من شعار هو ما حدث بالفعل، حفلات نادرة لأم كلثوم جمعت المستمعين حولها، كذلك حفلات لمحمد منير، قراءات نادرة لشيوخ من بينها الشيخ الهلباوي "كان معروف بالابتهالات، احنا كنا بنذيع قراءاته كمان"، كذلك صوت "أم كلثوم" وهي تقرأ القرآن، و"سكينة حسن".
ست محطات داخلية كان التطور ل"جرامافون"، وعدة مشروعات دشنها الراديو أيضًا من بينها دورات تدريبة لكيفية بث إذاعة، ومشروع "ارتجال" أو "أرشيف الشعب" "جمعنا تراث العرب من أول آمان يا ليل، نور الهدى، فريد الأطرش، وسلامة حجازي وغيرهم"، لم يكن القائمين على الإذاعة مجرد هواة، لكن تفاصيل صغيرة من الممكن أن تُعلم زوارهم بالثقافة التي أشبعوا أنفسهم بها "كنا مع كل حفلة لأم كلثوم، نذكر تاريخها، الشركة اللي كانت وراها، هل كان فيه مشاكل حصلت في أغنية مذاعة مثلا"، كما أنه من الممكن كتابة الشخصيات التي حضرت الحفل "بنربط الناس بجزء مرتبط بتاريخه".
تنوع الجمهور المتردد على راديو جرامافون، لم يقتصر على المصري والعربي فقط، بل تعداه إلى الأوروبي والآسيوي، وهو ما جعل البعض يعلق لديهم بـ"أنا معرفش لغة اللي بيغني بس أنا معجب بالمزيكا"، وهناك أماكن وأشخاص اتخذوا من الإذاعة تفصيل يومي لديهم، "كنت بشوف خريطة المشاهدة عندنا وأنا مذهولة"، ورغم الصراعات الدائمة في عدد من البلدان العربية، كما اختلفت الآراء السياسية كانت الموسيقى هي اللغة التي توافقوا عليها.
مشاكل عدة وقع فيها الراديو من بينها الأحوال المادية التي أدت للبعض من الفريق ببيع متعلقات شخصية لتوفير المال للاستمرار، رفضوا بعض العروض التي قدمت إليهم كونها متضمنة بها فكرة الإعلانات "دي حاجة مرفوضة، احنا مش إعلانات، احنا مزيكا للمزيكا"، العام الماضي كانت لهم منحة من مؤسسة "أضف" هو ما جعل جرامافون تقف على قدميها بعض الوقت، لكن المنحة مع انتهائها عادت الأمور للسوء مجددًا حتى قرار الوقف كإعلان احتجاجي.
"جرامافون خلق عيلة من العدم" هو المكسب الذي أعطاه الراديو لكل شخص سمعه، المجتمع الذي تبنيه الموسيقى لا يمكن له التوقف، فهو مستمر بأشكال أخرى، يجلس الكلب "أوريو" بمطلع سلم الفيلا حارسًا، الأقدام مازالت تتوالى على المكان، والموسيقى تصدح بالأجواء "دا بيتهوفن اللي شغال، اسمه ايه التراك دا؟"، فيما يناقش الجمع المتحلق حول الحاسب الآلي ماهو اسم المقطوعة التي "تلعب الآن".
فيديو قد يعجبك: