لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

بالصور - "أمير" بيلف مع "زقزوقة" عشان يعرف مصر

10:17 م الأحد 05 أبريل 2015

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت - إشراق أحمد:

بهيئة متسابقي الدراجات يبدو "أمير عبد المجيد" على الطريق، بابتسامة ترحاب يطل على أهل كل نقطة يمر عليها، يجالس كبار سكانها، يسألهم ويجيبوا فينبهر ويدون ما عرف، ثم ينقله على صفحته بــ"فيسبوك"، أنيسه هدف يُذكر به نفسه "أعرفها صح"، يغامر وحيدًا سالكًا طرق لم يألفها، مواجهًا مواقف للمرة الأولى، لا يعبأ بمن يصفه بالجنون، أو حجارة يقذفها عليه صغار قرية، فقط يطير مع سرعة دراجته، في سماء أحلام بلوغ أمل "أني ألف مصر شبر شبر"، متخذًا الطريق الأصعب في محو جهله ببلاده، بعيدا عن دفات الكتب وصفحات الانترنت، قرر طالب كلية التجارة فراق أسرته، قطع عشرات الكيلو مترات، من أجل خوض تجربة معايشة أهلها، ووسيلته في ذلك رفيقة اعتاد عليها منذ الصغر، دراجة يسميها "زقزوقة".

1

داخل قاعة تدريب بمؤسسة صناع الحياة، وقف المحاضر يحدث المتواجدين عن المهمة المرغوب في تنفيذها؛ 100 متطوع بالمؤسسة على مستوى محافظات مصر، وقع عليهم الاختيار للمشاركة في الدورة التدريبية لمشروع إعداد القادة الذي أُطلق باسم "2%"، كان من بينهم "عبد المجيد"، المنضم لـ"صناع الحياة" منذ قرابة ثلاثة أعوام، وقبل أن تخوض عقول المتدربين بالتفكير في المهمة، طالبهم المدرب بتوزيع عدد من المناطق على خريطة مصر.

2

أخذ "أمير" كرفاقه يعمل جاهدا لتجاوز الاختبار، لكن سرعان ما توقف "معرفتش أحط بنها فين.. كنت فاكرها محافظة"، نظر للخريطة مرة أخرى، حدثته نفسه عن فكرة المشروع المطلوب منه معرفة مصر من شرقها لغربها، ومن شمالها لجنوبها، ثوان قبل أن يتساءل "عشان أعرفها صح لازم الفها قرية قرية ومركز مركز"، فلاحقته صورة رفيقته في كافة مشاويره.

3

بـ"عجلة"؛ قرر الشاب العشريني أن يخوض رحلته، فيما استقر رفاقه على فعل ذلك عبر التواصل مع مَن يعرفونهم أو عبر مقرات صناع الحياة، ومن خلال الكتب وخيار أخير بالسفر عبر القطار.

منذ سن الثانية عشر يملك "أمير" دراجة، كأنما كائن يعيش معه هي علاقته بها، احترم رغبة صانع عجلته الأولى، بحفر اسم ابنته عليها، فاحتفظ لها باسمها "مروة عصام"، وهي ما خاض بها أول مراحل رحلته لرؤية مصر ومعرفتها، التي بدأت في سبتمبر الماضي، إذ خطط طالب الفرقة الثانية بكلية تجارة انجليزي قطع المسافة من أسيوط حيث يقطن إلى أسوان، 6 أيام ظل بالطريق قبل أن يعود ابن الأقصر –مدينة مولده- بعد أن بلغ الشق الأول من هدفه "رجعت عشان ظروف الامتحانات".

4

خوذة، ملابس رياضية، حقيبة ظهر، هاتف وتابلت لتسجيل خطواته بالتصوير، مدونة صغيرة، وقليل من الطعام والمياه، هو زاد "أمير" خلال رحلته التي واصلها في 22 مارس المنصرف، ليستكمل العبور على المحافظات المتبقية، بالوجه البحري ومدن القناة وسيناء، مصطحبا دراجته الجديدة؛ "زقزوقة" الاسم الذي طرحته زميلة له فاستحسنه، فهي كذلك سريعة، خفيفة الوزن إلى جانب محبته لها التي تبدو كأب لابنته "دي غالية عاليا أنا حوشت واشتريتها"، ووصل الأمر إلى تقديم اسمها عليه بالصفحة الخاصة لمتابعة رحلته، فلم يذكر اسمه بها "وبرضه عشان مناسب للتشويق.. بيجذب الناس". 

5

محافظات الصعيد كانت الأسهل لصحاب "زقزوقة" خاصة عبر الطريق الزراعي الذي سلكه "لازم الواحد يعدي على كل القري" وهو ما تعذر في رحلته بالوجه البحري حيث اتخاذ الطريق الصحراوي "بقيت في الغالب أروح المراكز"، لكن شيء أخر عوضه عن ذلك "اكتشفت الصحراء"، الجبال والمساحات الشاسعة الخالية، التي ما لبث أن تساءل "ليه مبنستغلهاش..المسألة صعبة كده؟"، حتى جاءته الإجابة برؤية البعض يسكنها، وبات التفكير في الصحراء أمر يشغل "أمير" ليس من باب التنظير "لكن شوفت بعيني ده أحنا لو فكرنا نزرع مثلا تين شوكي هنصدر للعالم كله.. ده حتى في بلاد كاملة نشأت وسط الصحرا".

6

معايشة، تأمل، خبرة... استمدها الابن الوسط بين 7 أشقاء، من رحلته التي غطت أغلب محافظات مصر حتى الآن، طبق مفاهيم نظرية تعلمها، في الطريق إلى سوهاج، بالطريق الزراعي حيث يقل وجود اللافتات الإرشادية، فيلزم سؤال العابرين، الذي يحرص عليه "أمير"، ومع ثلاثة أشخاص ذاق الشاب مصطلح اختلاف وجهات النظر، فإجابة الأول ذو هيئة المتعلم "فاضل 30 كيلو متر تقريبا"، والثاني الميكروباص "حوالي 3 أو 4 ساعات"، والأخير سائق عربة البنزين البسيط "بعد 5 مراكز"، جميعها صحيح هكذا اكتشف "أمير" بعد وصوله رغم اختلاف طريقة كل منهم حسب خلفيته.

مع كل خطوة يتعلم "أمير" شيء جديد يدونه، "مبزعلش لما الناس تتوهني.. ساعات ببقى نفسي في ده" يقولها الشاب بابتسامة يقين، فهذا لا يعني سوى معرفة "سكة" جديدة، وربما مغامرة، حال التي لاقاها في رحلته الأولى، حينما بلغ مقدار الماء الذي بحوزته، قرابة 2 لتر، فيما لا تتوقف السيارات رغم محاولاته المتكررة، ولا استراحات على الطريق، بينما يتبقى للوصول من سوهاج إلى بوابة المنيا قرابة 190 كيلو متر، فألزم الشاب نفسه بـرشفة ماء كل 20 كيلو متر "وقلت لنفسي مش هشرب لو هموت"، ونجح في الأمر، متجاوزا العطش وكلمات أحدهم المارق بسيارته "أنت عبيط يبني ولا إيه".

الصباح هو ميعاد "أمير" في رحلته، لا يسير ليلا، يوم واحد يقضيه في كل نقطة وصول، مقرات صناع الحياة، هي المزود لمؤنته واستضافته بالمبيت، فيما أول شيء يبحث عنه الشاب، أكبر سكان سنا بالمدينة أو القرية، هم الأقدر في نظره لمعرفة كيف تطور الحال، أبهرته مدينة "الوقف" بقنا، التي لم يعرفها من قبل، وهو ابن الصعيد، حيث شعر بالفخر لمعرفته أنها مقر لقرابة 15 عالم حسب قوله، ربما لا يعرف الكثير عنهم.

7

بأخر طريق محافظة سوهاج، برحلة الشاب الأولى التي رافقه بها صديق له، توقف الطريق فجأة، جمع من الناس يصرخون بهما لكي يعودا أدراجهم "عشان في تار"، لم يكن للشابين أن يتوقفا، فبمرور سيارة نقل، استقلاها، أحدهما بالمقعد الأمامي، و"أمير" بالخلف مع الدراجتين، دقائق رعب لم يشهدها الشاب قبلا "استخبيت بشولة كانت في العربية" هكذا قضى ابن الأقصر أكبر مغامرة بطريقه، حتى مر الأمر بسلام، مع صوت الرصاص الذي لم يتوقف.

كأنما حياة يقضيها "أمير" على الطريق، وهي كذلك، بها من الخطر، أبسطه ما لاقاه في أدفو –أسوان-"العيال الصغيرة حدفتني بالطوب واتشتمت"، والملل، والفرح، الذي يلقاه في كلمة دعم مِن أشخاص لا صلة بينهم، منهم مَن ينتظره بنقاط الوصول، لإلقاء التحية، ومنهم حال مدرس الثانوي الأزهري بأسنا-الأقصر-، الذي ما أن استقبله حتى طالبه بملاقاة طلابه والحديث إليهم عن الإصرار والمغامرة، حينها بلغ الشاب عنان السعادة، وزاد الأمر بإبلاغ طالب ثانوي له "أنت قدوتي"، تهللت أساريره بقدر أينشتاين حينما صاح "وجدتها".

"الإيمان بالحلم جزء كبير من تحقيقه" كلمات يكتبها "أمير" داخل الفصول كلما مر بمدرسة، ترتسم الابتسامة على محياه، بترحاب المدرسين، ونظرات الصغار "ده اللي عاوز أوصل له"، فما عايشه طيلة تلك الأيام ولازال، يصعب تعلمه عبر الكتب فقط، وهذا ما تأكد منه ابن 22 ربيعا، فما زادته الأيام على الطريق إلا صبرا ومعلومات وحكايات، وطموحا.

سقف الآمال تخطى الحدود، منذ قطع "أمير" قرابة 500 كيلو متر في الجزء الأول من رحلته، عرف أنه كلما وضع مسافة أعلى ضعفت القوى قبل بلوغ ذلك الرقم "لو 100 كيلو بتعب لما أوصل 70 كيلو"، قرابة 1700 كيلو متر قطعها صاحب "زقزوقة" حتى الآن، يتبقى المرور بـ"المنصورة، دمياط، الشرقية، الاسماعيلية، بورسعيد، الغردقة، سيناء، والوادي الأخير"، رغم صعوبة المحافظتين الأخيرتين للحاجة إلى تصريح، لكن "أمير" يصر على السفر إليها، ساريا في الاجراءات، ولو حدث ذلك في الإجازة القادمة.

أن تطأ القدم محافظات مصر بات الهدف الأصغر لـ"أمير"، بعد وصوله تلك المرحلة، التي لا يثنيه شيء عنها، فرغم الحادث الذي أصاب دراجاته بعد تجاوزه الإسكندرية، ومع قلة الموارد، إلا أنه استمات في العودة من نقطة النهاية بعد إصلاحها في القاهرة، وصار الحلم الأكبر لا يراوده فقط، بل ويسعى إليه؛ يتمنى الشاب أن يحج برا عبر "العجلة"، خاصة بعد معرفته أن المسافة من القاهرة إلى مكة قرابة 1500 كيلو متر، وزاده عزم أن هناك إفريقيان قاما بذلك، مضوا 9 أشهر ليقيما شعائر الحج "يعني الأمر مش صعب".

بين أعتاب الهدف الصغير، والحلم الكبير يمضي "أمير"، تتملكه السعادة بما اكتسبه ولا زال في رحلته، من معلومات وعادات سكان كل محافظة لم يكن يعلمها بالسابق، تنتابه الفرحة بكلمات متابعين صفحته بـ"فيسبوك"، لكن نفس الشاب رغم ذلك استقر يقينها "أن حتى لو محدش افتكرني بعد كده أنا بعمل ليا ولعيالي".

فيديو قد يعجبك: