لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

في مصر فقط.. الموت على غيار الريق (بروفايل)

03:03 م الأحد 22 مارس 2015

في مصر فقط.. الموت على غيار الريق

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- إشراق أحمد:

لازال المرء يخرج في بلادنا من بيته، معافى البدن، مطمئن السريرة، ثابت الخطى، حتى يلقى طريق؛ فيتفتت أمنه، ويصبح ''في خبر كان''، إن لم تتبعثر أشلاءه فوق أسفلت، تحجرت الدماء بين ثناياه وتراكمت، بقدر مرات تراكم المادة السوداء عليه ''لزوم تجديد الطريق''، فيمتزجا معا، ويتفتق لون آخر، مخالف لقاعدة الألوان، لكنه يليق بختام لشخص، تعداد أيامه الموصوفة بالأبيض ليس كثير، فاكتفى بما يحمله اللون من دلالة، اختزله في نور أخبروه أن يكمن بقلبه، يزاحم به ظلام العادم المندفع، وسواد الضمائر التي تركت لإهمالها العنان، فحق له أن يراه في نقطة النهاية، التي يبلغها سريعا، يتلحف ببياض ثوبه؛ رداء جديد، كفنا يُقال عنه، لا جيوب فيه، فلا حركة بالأساس به، السكون يملأه وإن كان الوجع منه يثرثر حد الصمم.

في البدء كان الحمد، على وظيفة يذوق غيره ''الأمرين'' لإيجادها، وزاد حمده بوسيلة متوفرة تقله إلى عمله، ''أتوبيس الشغل'' في الانتظار كل صباح، تغاضى عن مصاريفه مقابل ''راحة البال'' من البحث عن سيارة ومقعد يزاحم الملايين عليه كل نهار.

مع حركة المؤشر، يبسمل في سره مع رفاق المقاعد، ويتلو الصلاة مع المقدسين، وربما أطلق إحدى عباراته المرحة ''اجعله يوم مملكة يا كريم''، فيضحك رفاقه، وينفرج قلبه بابتسامتهم، يحصن يومه بكل ما لديه، عله يمر بسلام، أو إن لم يحدث، فيكون فعله ترياق يعينه على مواجهة الصعاب، لكن الدلالات لا تشير إلا بالخير، فالسبت عطلة الكثير، لكنه واجب العمل، ورزق ''العيال'' ينادي، يفكر بزوجته وأبناءه، يأمل أن يفوتوا اليوم بلا مناغشة تثيرها؛ يتذكر قبلة صغيرته وهي تطلب منه ''تعالى بدري يا بابا.. جيب لي معاك حاجة حلوة''، ويحلم باليوم الذي يكون به ''عش الزوجية''، يحمس نفسه وهو المستجد بالعمل بين زملائه، يتمنى أن ''يكون نفسه'' ويجد شريكته سريعا.

في سلام خرج وعاد، لكن دون شيء، انهارت الأحلام والصور، في لحظات مباغتة، اهتزت الأرض من تحت قدمه، لم يمنع صراخه ''حاسب.. خلي بالك'' من نفاذ القدر، شريط الحياة يمر سريعا، يقسم على ربه بحب محمد أن يحفظ أسرته، ويناديه بحق معجزة خلقه في ''العذراء'' أن يرعى صغيرته كما احتضنت ''مريم'' وليدها ''عيسى''، ثم اغمض عينيه وولى إليه مسالما مستسلما.

تخطت السيارة السور، هشمته، قفزت من فوق الكوبري كالكاره لتلك الحياة، الرخيص الدم بها، بأيد القائدين لها، ومَن صنع طريقها، بغضت أن تترنح قليلا على الاسفلت المارق عليه السيارات كالبرق، بل سطرت النقطة الأخيرة في حياة أغلب مَن بها، واستقرت في الماء، كأنما تريد أن تٌبرد نيران تلك الأفعال المتكررة على الطريق، لكنها حديد، ومن فيها بشر، فكان لها ''الفرجة'' عليها مهشمة على الطريق حتى يأتي دورها، ويُعاد تشكيلها من جديد، وكان له بين رفاقه كفن أبيض، وصندوق خشبي، يعودون به إلى ذويهم، لسان حاله لا شقاء بعد اليوم في داركم، قد آن للجسد أن ينفض هموم دنياكم، لا يعبأ لزحام ''الدائري'' ولا ''المحور'' أو أي طريق كان، فللمرة الأولى يصل سريعا، هنا وفقط علم أن وجهته لم تكن يوما محل ما يريد بل مكان ما يريد الطريق.

 

فيديو قد يعجبك: