بالصور: لـ''السرطان'' وجع.. يخففه هؤلاء
-
عرض 6 صورة
-
عرض 6 صورة
-
عرض 6 صورة
-
عرض 6 صورة
-
عرض 6 صورة
-
عرض 6 صورة
كتبت– يسرا سلامة وإشراق أحمد:
لا يتوقف مرض السرطان عن تآكل خلايا جسد حامليه، غير أن وطأة على الروح تحل بالجسد المنهك بالمرض، الذي لا يهتم صاحبه بيوم عالمي تحيي فيه مؤسسات ذكراه، بتوعية عن الداء الذي يلتهم الملايين، ويأخذ ما يقارب من 100 ألف مصري سنويا، أغلبهم من الفقراء والباحثين عن علاج تخلو جيوبهم من ثمنه، فلا يبقى إلا الروح المستعصي أن يلتهمها ''سرطان''، ومعها رفاق يسيرون طوعا، ما بين أهل وغرباء أكسبهم معايشة الطريق الطويل ود القريب، يقصدون تقليل ثقل الألم على أصحاب الرحلة الشاقة، فيما يجدون أحيانا أن العليل هو من يهون عليهم، يتركون بداخلهم أثر لا يزول. في اليوم العالمي للسرطان يروي رفقاء مرضى السرطان عن بهجة الأمل في شفاء، ودعم نفسي لم يُنس فضله، ووطأة الألم في درب العلاج، وحين الرحيل.
إيمان.. المرض يكشف الأفضل
صلة الدم هي الرفقة الأقرب لمريض السرطان بطبيعة الحال، ينقلب الحال ولا يعود لسابق عهده خاصة عند الفقد، لكن البعض يتمسك بقوته، بابتسامة لم تفارق حديثها، هي ميراث ''إيمان سامي'' عن اخيها ''محمد''، أخذت تسترجع أيام مرافقتها له، طيلة ثلاثة أعوام، منذ 2011 حين تم اكتشاف مرضه، وحين حلت اللحظات الأخيرة. بعد مرضه باتت الفتاة العشرينية أمًا له بعد أن كانت ''تافهة ماليش غير حياتي'' حسب قولها، تغيرت حياة آل ''سامي'' برحيل الابن بعد عام واحد من رحيل والدته جراء المرض ذاته، لكن ظل التفاؤل الموصوف به ''محمد'' وصية بلا كلمات لا يجوز مخالفتها.
''احنا اكتشفنا محمد'' هكذا كان حال ''إيمان'' وأسرتها الصغيرة، مناغشة الأخوة بين المناكفة والعراك لأخذ ''الكمبيوتر'' كان ملخص علاقة الشقيقة الكبرى بأخيها، لكن رفقة المرض مكنتها من رؤية شخص آخر؛ متفائل، محبوب، لا يستسلم ولو لمرض ''كان بيتعامل أنه عنده شوية برد''، ففي المقابل استمدت الأسرة منه الأمل، فتجنبوا التعامل معه بمنطق ''الشفقة'' الرافض بشدة له، حتى في أحلك المواقف التي كان يلح في طلب المسكن بكثرة مما قد يعرضه للخطر، استطاعوا أن يحتووا ألمه ''كنا بنضحك عليه ونديله الجلوكوز مش المسكن وكان بيهدى بعدها''.
أصدقاء وأسرة يداومون على التواجد في المستشفى، يظنون أنهم يهونون على ''محمد''، فيما كان هو مَن يفعل بابتسامته ومزاحه الدائم، وتحديه للمرض بحرصه على المذاكرة وخوض الامتحانات، لتحقيق حلمه في أن يكون بين المختارين لمنحه جامعية للأوائل، كان محمد يدرس اللغة الايطالية ''ومن الاربعة الأوائل في سنة أولى فكان لازم يحافظ على مستواه عشان المنحة''، وبلغت قوته إلى الهروب من المستشفى من أجل التواجد بأحداث محمد محمود، فضلا عن كونه لم يفوت مشاركة بمسرح الجامعة.. يناجي صاحب الـ21 عاما ربه، يحدثه بصوت مسموع ''اللهم لا اعتراض بس أنا يارب غلبان ومأذتش حد''، لكن كحال ''محمد''، الذي لم يكن للحزن أن يتملك منه وهو الرافع شعار ''أنا متفائل''، فسرعان ما تبتسم الأخت الكبرى عملا بالوصية>
''أحمد الشامي''.. كسر اليأس بالبهجة
أكثر من عام ونصف، ومنذ سبتمبر 2013 ، كان ''أحمد الشامي'' طالبا بكلية الحاسبات والمعلومات، حين اتخذ خطوات بطريق التطوع، في فريق يسمى ''تحقيق الأماني''، يوفر الدعم لأطفال مرضى السرطان، بتحقيق أمنياتهم، بألعاب أو زيارات، علها تكتب لهم طريق الشفاء.
فرحة رآها ''الشامي'' على وجوه الأطفال، تحسن بدا في بعض الحالات إزاء ما يقدمه فريق تحقيق الأمنيات، مما جعله يتمسك بالنشاط التطوعي، الأمل الظاهر في عيونهم أعطاه إحساس ''إن إحنا اللي محتاجين العلاج مش هم''.
زيارات دورية لمرضى السرطان يقوم بها الفريق، أربعة مستشفيات بالقاهرة يتركز فيها المرضى وهى مستشفى 57357، الدمرداش، معهد ناصر، معهد الأورام، حوالي ساعة يستعد الفريق بها قبل الزيارة، بكل الأدوات التي يحتاجها الأطفال، سواء كراسات للتلوين أو لعب أو وعرائس ملونة، ''الفكرة مش بس لعب.. إحنا بنحاول نحبب الأطفال في مكان العلاج، وإن المستشفي ترتبط في ذهنه بمكان ممتع مش بالألم بس''.
الدعم النفسي الذي يحصل عليه الأطفال لا يخفف ألم المرض فحسب، وإنما يفتح باب في الشفاء الكامل، من خلال الألعاب والمسرح، فعدد من الحالات قال عنها الأطباء إنها ميؤوس منها تحسنت حالتها بمساعدة الدعم، يتذكر ''أحمد'' الصغيرة ''مريم''، قبل ثلاث سنوات دفع الطبيب بورقها إلى أهلها، بعد أن توقف جسدها عن الاستجابة للعلاج، ليقدم لها فريق تحقيق الأمنيات أقصى دعم ممكن، وتم شفائها وانضمت للفريق كمتطوعة في الاسكندرية، وهى ابنه الثالثة عشر عاما.
''كل الأمنيات ممكن تتحقق للأطفال، إلا أمنية واحدة.. إن ربنا يشفيهم''.. يحكي ابن الفريق بألم عن الرغبة التي تخرج عن إرادتهم وتتردد في عيون الصغار وأحيانا ألسنتهم، فأصعب الأمنيات نجحوا في تحقيقها حال أمنية ذلك الطفل في أن يركب قطار.
12 متطوع دائم وما يقارب 140 آخرين يزيد أو يقل عددهم بكل زيارة هو ما يعتمد عليه فريق ''الأمنيات''، يتمنى المتطوع بالفريق أن يزيد الدعم المادي والمعنوي لعلاج مرضى السرطان، فرغم علاج بعض الحالات على نفقة الدولة، إلا أن الكثير خاصة بالأقاليم يحتاج لهذا الدعم، حيث يصرف فقر أهل المرضى في كثير من الأحيان عن العلاج.
أصدقاء مرضى السرطان بأسيوط.. العلاج والدعم في مستشفى
من الرفقة ما يجمع بين الحسنيين؛ مداواة المرض، والإعانة عليه، وهو ما تطلبه الوضع بصعيد مصر، حيث معهد جنوب مصر للأورام بأسيوط، والذي يستقبل كل أهالي الصعيد، ممن يعانون السرطان، ''أصدقاء مرضى السرطان بأسيوط'' هو الحل الذي وجده عدد من أطباء المستشفى بمشاركة الراغبين في خوض هذا الطريق، لمساعدة غير القادرين على تحمل تكاليف العلاج، محمد أبو المجد؛ رئيس إدارة الجمعية، وهو بالوقت ذاته جراح للأورام، كان أول نائب تخصص في علاج الأورام بعد فتحه في جامعة أسيوط، وعمل بالمعهد المنشأ عام 1998، لم يبرح دياره، ومعاناة أهلها مع المرض، رغم قلة الإمكانيات.
بعدد سنوات عمر المريض مع الداء يرافقه الطبيب ''مدى الحياة'' حتى يتأكد شفاءه التام، الذي يؤكد أستاذ الجراحة أن نسبته كبيرة لو تم اكتشاف المرض مبكرا، الحالة النفسية للمريض العامل الأول الذي يرعاه طبيب الأورام ''لأن مريض السرطان يحتاج معاملة خاصة كأنه طفل.. لا يحتمل زعيق وأوامر كتير'' فكم من حالة شهد تحسنها بفضل ذلك، متذكرا الرجل الذي جاء له قبل 8 سنوات ويعاني جلطة سرطانية وهى من الحالات الصعبة التي تصل لليأس منها، فطالبه الذهاب إلى القاهرة لتوافر الإمكانيات لكنه رفض، وبعد محاولات إقناع وجده بعد ذلك بسنوات، يأتيه عارضا عليه الأشعة وقد تجاوز مرحلة الخطر.
لحظة اكتشاف المرض هي الأصعب خاصة، مع بسطاء القوم من قرى الصعيد، البعيدين عن الأضواء، لذا طبيعة المريض شيء مهم أن يعرفه ''أبو المجد'' من الأهل قبل التصريح بنوع المرض، فمن لديه إيمان قوي وثبات لا خوف عليه، بينما مَن يؤثر عليه الإفصاح بالسلب يخبره الطبيب أن ما يعانيه ''حاجة خفيفة''.
في حدود ما لدى الطبيب من إمكانيات يتعامل، لا سبيل للتوقف حتى وإن فعلت أهم الأجهزة المعاونة في العلاج، حال جهاز الأشعة المتوفر بالمعهد، الذي تعطل بعد 17 عاما من العمل، وكذلك الجهاز المتوفر بمستشفى جامعة أسيوط، ولا يوجد غيره ''وده معناه أن تلت العلاج متوقف'' حسب قول ''أبو المجد''، ومع ذلك خلال عام فقط من بدء الجمعية، يواصل الأطباء والمعاونون لهم تخصيص ما يستطيعون توفيره، ومعاونة المرضى في حدود التبرعات ''الضعيفة''، وعدم توافر ميزانية حكومية تدعم المكان، من دفع تذاكر الكشف، والأدوية، والإشاعات، وما ملكت قدرتهم من شراء أجهزة يحتاجها المعهد، لكن ذلك يأتي مقابل زيادة في عدد المرضي يبلغ 3 آلاف شخص كل عام حسب قول أستاذ جراحة الأورام.
ما بين 30 -50 ألف متردد على معهد جنوب مصر للأورام، يأتون من كافة أرجاء الصعيد، يتابعون علاجهم، ينتظر أفراد الجمعية مريض جديد يقدموا له يد العون، يرافقونه، عزائهم في كلمات مثل ''أحنا بس بنحب نيجي عشان نشوفكم'' كما تقول ''غادة'' المتحدث الإعلامي للجمعية، وذكرى من غادر المستشفى لحظة زيارته لإلقاء التحية، وشفاء يحدث بعد إرادة الله، وعلى يد طبيب ارتبط بمريض فصار كأنه أحد أفراد عائلته، حال الطفلة "ِشيماء'' ذات الـ8 سنوات، التي ما أن تقبل على ''أبو المجد'' حتى يذوب شوقا للقاء، فتلك الصغيرة، التي تلقفها وهي ابنته 8 شهور، ليستأصل عنها ورم خبيث بالكبد، تواصل علاجها، فالدعم والحب مع التكاتف للوقاية من هذا المرض الخبيث هو أمل الطبيب في كل لحظة.
الديب.. عين على المريض وأخرى على المنظومة الصحية
في رحلة العلاج، أثر ''محمد الديب'' أن يكون وسيطا، يضع قدم المريض على بداية الطريق، يحاول بكل ما أوتي من قوة أن يكون ظهرا، فيما يستند هو على عبارة يعض عليها بالنواجذ ''انجو بنفسك تنجو الأمة''؛ هي الحصن الحامي له حين يدب اليأس في نفسه، طيلة قرابة 3 أعوام منذ عودته إلى مصر، وانخراطه بمجال الخدمة المجتمعية خاصة فيما يتعلق برعاية أصحاب الأمراض المستعصية ومن بينها السرطان، وهى ما دفعه لخوض هذا الطريق، في مساعدة المرضى من المحتاجين، أو مَن انهك تكاليف المرض قدرته المالية، لتوفير أماكن العلاج. حالات عديدة تابعها ولازال يفعل الصيدلي المقيم في الإسكندرية مما جعله عين ترى وقلب يحمل شيء من مأسي رفاق رحلة ذلك المرض.
لم يمر الكثير من الوقت ليتأكد ''الديب'' أن المريض ''مسكين'' ليس لظروفه الصحية، لكن لمنظومة الرعاية الصحية المضطر للتعامل معها، والتي يصفها بـ''الضحالة'' لدرجة ''أنها حاجة تكسف'' حسب وصفه، ابتداءً من تحرير الأدوية وأسعارها، والهيكل ذاته، فتواجده بدول الخليج لفترة بلغت 16 عاما، جعلته يطلع على كيان صحي مختلف، من المفترض ألا يكون بعيد عن مصر.
تتكاثر ذكرى الحالات على رفيق المرضى، غير أنه لا يستطيع التوقف عن التفكير بحالة ''محمود'' ذلك الطفل ذو الـ12 عاما، الذي اكتمل العام وهو ''كعب دائر'' بين المستشفيات فقط لإنهاء الإجراءات بسبب الشق التشخيصي المختلف عليه كل من المستشفى الجامعي، والتأمين الصحي لعمل اشعة صبغة، كل منهم يلقى العبء على الأخر ''فقط عشان مين اللي يحاسب''، وفي النهاية الانتظار في طابور طويل، لا ينتج عنه سوى تأخر الحالة.
قناعة ''الديب'' أن المرضى ليسوا من يحتاجون للمساعدة، بل مَن يقوم بذلك هو المحتاج لهم ''عشان أخرتك''، لا يعترف بكلمات الوطنية كسبب لدخوله ذلك المجال، وإن لم ينكرها، كذلك يرفض المثالية التي قد يلتمسها البعض في مبرره وإن تمنى السعي إليها، لكن المؤكد له هو خلل المنظومة الصحية، وأمله في اتخاذ الخطوات لإصلاحها خاصة مع وضوح الثغرات، وتوجسه من فكرة انتشار الأمراض حال السرطان، المنهك للجسد موقنا ''أن لو دب المرض جوه البيت فده مدخل للفقر والجهل وكل شيء غلط''.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: