بالصور: الانتخابات في التحرير.. يا ثورة ما تمت
كتب- هاجر حسني وإشراق أحمد:
تصوير- علياء عزت:
أجواء عادية، يوم كسابقه، رغم أنه قبل خمس أعوام لم يكن كذلك. كان شارع محمد محمود يوم 23 نوفمبر 2011 يتمزق بين صائدي العيون، والدعاية لأول انتخابات برلمانية تشهدها البلاد، بعد ثورة 25 يناير، لتمر السنوات ومعها أحداث، تخللها استحقاقات انتخابية، وصلت لإعادة تشكيل البرلمان بعد بطلان الأول، وأحوال تغيرت لكنها لم تترك بمنطقة "التحرير"، مع بلوغ المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب، إلا فتور وفقدان أمل بما هو آت، يتنازعه ذكرى مكان هو قلب "ثورة".
حاضرة في قلب والد فقد ابنه على بعد خطوات من مسكنهم، وشاب تمنى وفرة العمل، فوجد العكس، وآخرين كانت لهم عزاء للصبر على معيشتهم، قبل أن يكملوها صفر اليدين، ليجلسوا بأماكنهم، بعيدا عن أعتاب لجان انتخابية توافدوا عليها بالسابق، فيما يغصب أخرون على أنفسهم الذهاب، حتى لا يضيع الأمل بأن "الثورة" قامت لتغيير نظام "مش بس تغيير رئيس".
يجلس في مسكنه المتواضع بالشارع الذي اشتهر باسم ابنه "جيكا"، منذ وفاته في 20 نوفمبر 2012 ، بين أشياءه تتلمس عيناه ذكرى رحيله الثالثة، التي حلت قبل ثلاثة أيام، فيما يطل من الشرفة، ليجد الدعاية الانتخابية لمرشحي برلمان 2015 تمتد بالشارع الرئيسي، المتقاطع مع شارع محمد محمود، يلوح صلاح جابر بوجهه عائدا لغرفة ابنه، تتمتم نفسه "هي نفس الناس مفيش جديد"، ويقطع على نفسه عهدا "مش نازل إلا لما ألاقي الشباب الثوري هو اللي مترشح".
لا زالت صور جيكا متصدرة شارعه، القصي والداني من أهل عابدين يعرف ذلك الشارع، الخالي من الدعاية الانتخابية إلا "بوستر" صغير لأحد المرشحين، موضوع على صندوق كهرباء. حال منزل "الشهيد" كشارعه، ناقم على الأوضاع "القانون ممنعش بتوع الحزب الوطني والإخوان أنهم ينزلوا" يقولها والد "جيكا" بأسى، متمنيا لو أن رئيس الدولة حاسب مَن أخطأ بحق البلاد طيلة تلك السنوات، ذلك الأمل الذي من أجله شارك بالانتخابات الرئاسية، عملا بوصية استكمال هدف ابنه المتمثل في كلماته قبل وفاته "يا رب بلدنا تبقى أحسن" ولهذا صار المنزل ملاذ الأب وسط بهرجة الدعاية الانتخابية.
الوجوم والحزن بدى على والد "جيكا"، لا يجد جديدا يشارك من أجله "أحنا غيرنا رئيس مغيرناش نظام"، يرى أن الخطأ ذاته الواقع بعد 25 يناير يتكرر، دليله على هذا وجوه الحزب الوطني، العائدة بزهو لدائرة عابدين، الممثلة بشكل كبير لمنطقة التحرير، وتلك المصاحبة لرئيس قال إنه مع ثورة الشعب، فيما يسانده ويحكم مَن وصفهم بـ"الأفاقين وسارقين الأرض".
لم يشارك "جيكا" في أي من الانتخابات، توفى قبل أن يتم السن القانوني، فيما أعطته الدولة ذلك الحق بعد رحيله، إذ أدرج اسمه في كشوف الناخبين حسب أبيه، الذي لا يتخيل يوما وجوده في هذه الأيام "عمره ما كان هيبقى موجود كانوا برده هيموتوه".
لافتات معلقة تتصدر أغلب شوارع محمد محمود، وأخرى ملصوقة على الجدران، فيما يسود الهدوء إلا من مروق السيارات، وجلبة حديث المارة، المتواجدين بكافة الأرجاء إلا لجان الانتخاب، وهمهمات الجلوس على المقاهي، البعيدة عن سيرة الحدث الجاري، والذي كان بالسابق أهم ما شهدته البلاد في مثل هذا الشهر وتحديدا في اليوم الثامن والعشرين.
"الناس كانت متحمسة وواقفة بالطوابير" يقولها يحيي عوف، متذكرا أول انتخابات بعد الثورة، بينما كان ينتجب بمدرسة عابدين الواقعة بشارع محمد محمود، أما اليوم فيقف الشاب العشريني بصحبة أصدقاءه يستطلعون الأجواء المحيطة باللجنة الانتخابية، مجبرا جاء بضغط من والده لانتخاب مرشح للحزب الوطني المنحل، لكنه رأى أن يحول الأمر "هروح أدلي بصوتي مش علشان انجح حد لكن نكاية في المرشحين اللي نازلين"، لم يلحظ الشاب أي تغيير في وعود الناخبين، منذ مشاركته بالانتخابات، لذلك أراد أن يكون وسيلة لرفض المشترين للأصوات وأصحاب الخطب الرنانة، بإعطاء صوته للمنافسين أمامهم، موقنا أن التغيير بات أمر بعيد المدى.
يسار مدخل شارع نوبار باشا، تفتح مدرسة عابدين الثانوية بنات أبوابها للناخبين، هي الوحيدة المتاحة للانتخاب بشارع محمد محمود، رغم وجود عدد من المدارس الأخرى، لكن المدرسة المجاورة لوزارة الداخلية، ظلت شاهدة على اقتراع أهالي عابدين، منذ الانتخابات الأولى، التي أجريت بعد أيام من توقف الأحداث بشارع محمد محمود، أواخر تلك الأيام كان محمد سيد بين المتواجدين على الأرض، شاهد حماس الشباب، إخلاصهم في حلم رؤية وضع أفضل، دفعه ذلك لمحاولة امتلاك أحد المحال والعمل، في حضن ذلك المكان الحيوي "حسيت أن في أمل والدنيا هتشتغل"، لكن لم يحدث منذ رفع درجة التأمين بالشارع المؤدي لوزارة الداخلية.
"الزبون مش قادر يدخل خايف من التفتيش" يقولها الشاب الثلاثيني باستياء، معتبرا أن ذلك أحد المظاهر، التي جعلته يعزف عن الانتخاب، على الرغم من أنه من سكان منطقة الجيزة، الركود الذي يعايشه منذ نحو عامين من أعوام ثلاث تواجد بها بالمكان، لم يعد يحفزه للمشاركة فيما يتعلق بالسياسة، أو ما يقال أنه بمصلحة البلد، فالمتاريس الحديدية، ورجال الأمن العالقون بمدخل المركز التجاري، تسببت في غلق الكثير من المحال، لا يعترض الشاب على الحالة الأمنية، لكن لا يجد لتركزها بهذا الشكل ضرورة "في مدخل تاني للمول ومعليهوش حراسة".
لم تؤثر الأحداث الواقعة طيلة خمسة أعوام على مواقف وتفكير الكثير من أهالي عابدين، حال حسن محمد، جار "جيكا، فهو يفصل بين وفاة الشاب "الجدع" كما يصفه، وبقاءه على موقفه باستخدام أي وسيلة يمكنها أن تخدم البلد، ولو بانتخاب مَن توضع الشكوك حولهم، فقد ظل الرجل الخمسيني يتوافد على مقار الانتخابات حتى بدء ظهور رجب حميدة وطلعت القواس حسب قوله، إذ رشح الأول في إحدى الانتخابات، ولم يذهب من حينها إلى قيام الثورة، لكنه يتذكر من قبله مرشحه "السيد شاكر"، المرشح المستقل كما يتذكره، ورغم عدم حدوث تغيير من قبل أي منهم، إلا أنه عل اقتناع بأنه لا يذهب لنفسه، فهو لا حاجة له بالمرشحين لكن "في ناس محتاجة برلماني يساعدها ويعمل لها حاجة"، ولأجل هذا يواصل مسيرة الانتخاب.
وكحاله الميدان في السابق، تحتضن منطقة "التحرير" الجميع من غير أهلها، فإلى السيدة زينب ينتمي طارق عواض، سيرة الانتخابات تعيد له ذكرى ما قبل الثورة، ومرشح دائرة الأشهر "فتحي سرور"، تلك الفترة المؤثرة له، حتى في وقوفه الآن بوجه هادئ خلف ثلاجة حفظ المواد الغذائية داخل محله الخاص بعابدين قائلا "مش هصوت"، ايمانا منه بثبات الفعل والوعود دون نتيجة "البرلماني بيكون في خدمة الشعب وقت الحملة الانتخابية بس، وبعدين محدش بيشوف وشه".
رأي الرجل الخمسيني لم يأت من قلة وعي أو انعزاله عن الأحداث السياسية، فمؤهله العالي وحرصه على متابعة التطورات عن كثب كانا أساس بنى عليه موقفه، فخبرة "عواض" السابقة مع الانتخابات قبل الثورة، ومشاركته مرة بعدها تقول له أن النتيجة واحدة، فقبل أكثر من خمس سنوات حرص على المشاركة، كانت لديه آمال يتمنى تحقيقها "كنت فاكر أنهم فعلا هيخدموا الناس، في نواب عينوا 23 واحد من عيلتي في وظائف حكومية"، ولكن بمرور الوقت اكتشف أن هذه الخدمات كانت لمصالح خاصة وهو ما دفعه للتوقف عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية بعد ذلك، وبمجيء الانتخابات الأولى، والمضي في الثانية، قرر التوقف، مدفوعا بأبس الأشياء "في جنبنا شارع المجاري طافحة فيه بقالها كام يوم ومحدش عمل حاجة، طيب فين بقى المرشحين"
وبين هذا وذاك، يواصل معتز محمد الطرق على قطع الحديد لتشكيلها، دون اكتراث بما يحدث بالجوار "مشاركتش في أي انتخابات خالص" يقول الشاب ذو الثلاثين ربيعا، غير عابئ بما حدث من ثورة رغم تقديره لـ"جيكا" حد وصفه له "كنا صحاب"،، طبيعة عمله بورشة حداده جعلته في موقع تلقي الآراء المختلفة، فعلى قدر طموحاته يقيس الأحوال، فالشاب المتوقف تعليمه عند المرحلة الإعدادية يرى أن "اللي بيحصل زمان هو اللي بيحصل دلوقتي".
وبالجوار كان وافد جديد لمنطقة "التحرير"، قبل خمس أشهر، جاء أشرف مصطفى، ليعمل موظف أمن لحراسة أحد مراكز بيع الكمبيوتر، لم يعبأ للمكان، فقط شاغله الأكبر، هو إيجاد وظيفة أخرى تضيف لدخله جنيهات أخرى فوق الـ700 جنيه، الثورة بالنسبة له كانت مكان "انتظار"، لا يحلم الرجل الأربعيني، رغم ملامحه البادي عليها عمرا أكبر، إلا بمعيشة أفضل، تمنع عنه التنقل بين شقق الإيجار الجديد طيلة 15 عام، والتعب والشقاء بين وظيفتين لا تدر عليه إلا 1500 جنيه، منهم 550 جنيه إيجار للشقة التي يقطنها مع زوجته، وابنائه الاثنين، ومن أجل ذلك كان يشارك بالانتخابات البرلمانية قبل الثورة، في وقت لم يعرف الكثير فيه فكرة الانتخاب".
"لعل وعسى كان يجد جديد" ذلك منطق موظف الأمن، حتى حين مشاركته بانتخابات برلمان 2010، وحتى 2012 "نزلت عشان أدعم حد عارف إنه كويس"، لكن ذلك الشخص المتأكد من حسن نواياه، وسعيه لعمل شيء "للغلابة" لم ينجح حينها، فابتأس الرجل، لتأتي انتخابات 2015، لينضم لزمرة الجالسين بمنطقة "التحرير"، ممارسا فعله المعتاد؛ "الانتظار" لما سيحدث قائلا "لو الدنيا بقت حلوة هتعم على الكل ولو وحشة فأدينا زي ما أحنا".
فيديو قد يعجبك: