لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"زين العابدين" يحكي لـ"مصراوي".. أيام الحرب تبدأ من الجامعة - (حوار)

10:59 م الثلاثاء 06 أكتوبر 2015

زين العابدين فؤاد

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت - رنا الجميعي:

تصوير - محمود بكار :

بخطى ثابتة دخل المكان، المقر الذي لم يُفكر لحظة أن تطأه قدماه، غير أن الأيام دُول، لذا في هذا اليوم، الموافق الخامس عشر من أكتوبر 1973، كان مُقدرًا لذو الاتجاه اليساري أن يدخل مبنى الاتحاد الاشتراكي، الحرب فعلت أفاعيلها، وضمن ما نتج عنها، كانت القصيدة التي ألقاها زين العابدين فؤاد، في زهو قالها بزي الكاكي، لتتفجر النشوة بين الحضور، وأثناء الإلقاء، صرخت ضيفة الصف الأول قائلة فجأة "مفيش جوع"، اتجهت الأنظار إليها هي، ورفع الشاب المُجند عينيه ليجد "جيهان السادات" أمامه، تحتج على ما أنشده "اتفجري يا مصر، اتفجري بالحرب.. ينطلق النار، اتفجري بالحرب.. ضد الجوع.. ضد القهر.. ضد التيار".

unnamed (1)

قبل ذلك بحوالي خمس أعوام اشتعلت الحركة الطلابية، حيث طفح كيل الطلبة، بعد الهزيمة؛ كان لابد من الغضب، فجاءت تظاهرات فبراير ونوفمبر 1968 "كانت أول مظاهرات الناس تنزل فيها من وقت مارس 1954"، ضمن الطلبة كان "زين العابدين فؤاد" بينهم. حيث الاحتجاجات على الأحكام الواهية ضد سلاح الطيران "قبل الأحكام بأسبوع كان عامل إشارة اتحكم عليه بـ 25 سنة بسبب خطأه اللي تسببت بقتل مصريين في تصادم قطر بأتوبيس"، حينها انفعل الناس ضد الأحكام، يستغرب "زين" كيف لعامل تسبب بمقتل هذا العدد فيحصل على هذا الحكم المشدد، في حين الذين تسببوا بـ"استشهاد أمة و100 ألف مصري" يحصلوا على ثلاث وأربعة أعوام. يحكي "زين" عن ازدهار الحركة الطلابية ذلك الوقت، والعنف الصادر من النظام ضدهم، حتى تولي الرئاسة السادات، وإطلاقه على سنة 1970 "عام الحسم"، وبعدها في 71 أسماه "عام النصر"، غير أن الحسم لم يجيء، كذلك النصر، حينها قال "زين" أن النصر الوحيد القادم هو "نصر 128"- ماركة سيارات-، الضباب هو الذي حل ذلك العام حيث ألقى الرئيس بخطابه في 71 أن "محصلش حرب، في نهاية العام، إنه كان ناوي يحصل حرب بس حصل ضباب فوق أفغانستان أو حاجة زي كدا". وقتها دعا الشاعر اليساري إلى تكوين لجان طلابية بالجامعات تُطالب بالحرب، بالفعل حدث انتخاب للطلبة، وتكوين لجان طلابية بكل كلية، وعلى مستوى الجامعات، كانت مجلات الحائط أداة بارزة في أيدي الشباب، احتجت المجلات على تبرير السادات الواهي والاستهانة بالعقول " لأنه ممكن يبقى فيه ظروف تمنع بس ميتقلناش أسباب ضعيفة".

"مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر"

"طول الوقت في الجامعة كان فيه تحضير للحرب" حيث المطالبات بها وبالحريات في نفس المسار، يرى زين أنه لا توجد حرب حقيقية دون حريات، لم يكن ذلك المُتاح والمفهوم لدى النظام، فاعتقلوا من الجامعة في يناير 1972 "اعتقلوا 1500 طالب معتصم"، كتب الشاعر حينها قصيدة "مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر" من داخل سجن القلعة، التي غناها الشيخ إمام"، وأمل دنقل بقصيدته الشهيرة "الكعكة الحجرية" التي جاءت بعد اعتصام الشباب في ميدان التحرير. اللجنة الطلابية في ذلك الوقت كان لها من القوة ما يحميها، بيان من رئيس الجامعة "دكتور حسن اسماعيل" أنها الممثل الشرعي لطلبة جامعة القاهرة، وبعد اعتقالهم وقع الكثير على بيانات للإفراج عنهم حتى أن "نجيب محفوظ، حسين فوزي، فؤاد زكريا، توفيق الحكيم، ولويس عوض" الخمسة الكبار في الأهرام كما يقول زين وقعوا، وبسبب الضغط الشعبي تم الافراج عنهم، غير أنهم ظلوا أعداء للسادات الذي قال بعدها في خطاب له- كما يذكر زين- "اللجنة الطلابية كويسة بس فيه تلاتين عنصر فاسد أنا هعصرهم زي البرتقان".

زين العابدين فؤاد

تخرج زين من آداب القاهرة بأواخر عام 1972، انتقل للتجنيد، ورغم أنه من المعروف حينها أن اليساريين لا يدخلوا الجيش "زي جمال الغيطاني وسيد حجاب ويحي طاهر عبدالله، عشان اعتقلوا فترة في الستينيات"، إلا أن الاتجاه تغير مع زين العابدين، دخل الجيش بمؤهله العالي، لكنه أصبح سائق "ودا للي ميعرفوش يقروا ويكتبوا"، وضعوه كسائق-كما يقول- حتى لا يحتك بأحد خلال عمله، ولا يكون علاقات شخصية جادة، هذا بخلاف أن قرارات نقله تتم كل أسبوعين. لكن الأمر مع القائد الجديد له اختلف، يذكُر زين اسمه الأول فقط، يقول "العميد خيري"، هذه المرة استطاع القائد بثقله في الجيش أن يبقى على الشاعر المجند لأطول فترة، وغض النظر عن قرارات النقل، لم تكن العلاقة بينهما عادية كأي قائد ومجند، شجّع العميد مجنده كثيرًا "كان شايفني مختلف عن باقي المجندين"، لم يجعله سائق، اختصه بالمهمات الإدارية في وحدة الإمداد "كان عاوز حد يكون بيفك الخط"، فمجندي الوحدة لم يعرفوا القراءة والكتابة، وكان يناديه بالأستاذ زين.

unnamed (2)

محو أمية، نادي سينما ومسرح حالة الوحدة تغيرت مع وجود "زين"، مع قرار الفريق الشاذلي بمحو أمية المُجندين، فقام زين بعد سؤال من العميد خيري له، للقيام بمحو أمية للوحدة، أصبح بالوحدة نادي للسينما، أفلام لتوفيق صالح، يوسف شاهين عُرضت هناك "كنت بروح قصر الثقافة أطلب أفلام بجواب من الجيش وأرجع"، حتى ماكينة السينما استعارها زين.

الحرب في طريقها لم تكن الحرب مفاجئة لزين، أحسّ المجند برائحة البارود في الأجواء، وجوده بوحدة الإمداد جعلته يعلم أن الحرب بطريقها للحدوث، لم يعلم تحديدًا زمنها، غير أنها كانت تلوح بالأفق، قبل بداية الحرب بشهرين انشغلت الوحدة في عمل "أكل الطوارئ"، وهو الطعام اللازم للجنود وقت العمليات العسكرية "كنا بنعمل كميات هائلة". مع يوم السادس من أكتوبر، علم زين ببداية الحرب الفعلية، كتب قصيدة في اليوم التالي، تحدّث لصديقه الصحفي بالجمهورية في نفس اليوم لنشرها، وبالفعل كانت على صفحات الجريدة في يوم الثامن، وفي منتصف أكتوبر كُتب اسمه ضمن ضيوف الأمسية بالاتحاد الاشتراكي "كان اسمي مع صلاح عبد الصبور وأحمد عبدالمعطي حجازي"، لمّا قدم العميد خيري لإخباره بموعد الندوة، سخر زين وقال له "انت عارف إن الشرطة العسكرية بتقبض على أي جندي بره وحدته"، غير أن القائد تكفّل بالأمر كله، خطاب من الجيش معه للتصرف، كذلك سيارة لتصل به للاتحاد الاشتراكي، ولم يكن يومها هو السائق. ضجّت القاعة بعد احتجاج جيهان السادات على المقطع الشعري، لم تضج غضبًا ولكن حماسًا "تاني ..تاني"، حتى ألقى زين القصيد لأكثر من عشر مرات، وتركت زوجة الرئيس الندوة.

unnamed (3)

"يا دمنا.. يا دمنا" قضى زين تجنيده لخمسة أعوام حتى سنة 1976، غير أن قصائده ظلّت تعدو ورائه، رغم الحفاوة التي استقبل بها بسبب قصيدته "الحرب لسة في أول السكة"، إلا أنه قبض عليه أيضًا بسبب شعره، كلمات زين انتشرت على ألسنة الناس، وأنشد عمال مصنع حلوان في مظاهرة لهم عام 75 كلمات له، فقُبض عليه من داخل وحدته للتحقيق معه، لم تعرف الشرطة مكانه، فاضطرت لسؤال المُخابرات الحربية، التي أحضرته من الوحدة "المخابرات كمان حققت معايا عشان يعرفوا إني مبعملش حاجة جوا الجيش". كلماته المنتشرة على ألسنة المتظاهرين في الميادين، لم تكن تعرف سبيلها للصحف حينها، بعد قصيدته المحتفى بها، أصدر السادات قرار بمنع أي أشعار له من النشر، أخبره بذلك صديقه في جريدة الجمهورية، حينما رغب بنشر قصيدة أخرى أثناء الحرب، حيث كان قرار الرئاسة نصًا " لن ينشر حرف في مصر طالما أنا على قيد الحياة"، وبالفعل لم ينشر زين حرفًا في مصر منذ ذلك الوقت وحتى وفاته "ديواني التاني نشرته في بيروت، وصلني وأنا في سجن أبو زعبل 78"، كان اسمه "الحلم في السجن"، والذي تحول إلى "مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر"، في طبعته عام 2012 بهيئة الكتاب. كانت القصيدة التي أراد زين نشرها -والتي لم تعرف سبيلها منذ ذلك الحين للورق-، يتذكر منها مقطع "يا دمنا يا دمنا تجرى بحور.. وتعود لنا وتكون لنا قمح وسلاح، وتعود لنا شمس الصباح، تكشف خيانتهم وتفضح كدبهم، ولا يوم تكون يا دمنا.. صورة ونيشان على صدرهم".

فيديو قد يعجبك: