إسكندرية غارقة في الوحل.. "النوّة" بكاميرا مصور حر
كتبت-دعاء الفولي:
تصوير-مصطفى النوبي:
في الشتاء تبدو إسكندرية بديعة، ألوانها برّاقة، لمعان الأمطار فوق أراضيها يجعل مصطفى النوبي، المصور الحُر، عاكفًا على تصويرها، لا يركز فيها على الجانب السيء، ولا يلتقط مشهدًا يؤذي العين، لكنه أمس فقط قرر تغيير النمط، وأصبحت مجموعة الصور التي التقطها أشبه بالرثاء على شوارع المدينة وضواحيها، جمعها على صفحته بموقع فيسبوك وأسماها "عروس الوحل الأسود المتوسط".
حين علم "النوبي" أن الأمطار تغزو الإسكندرية اصطحب الكاميرا في طريقه للعمل "رايح وفي دماغي أصور إسكندرية الحلوة"، وصل المصور الشاب إلى منطقة المنشية وكان المشهد مُفزعًا "راكب جوة الميكروباص ولقيت المياه مغرقة الدنيا.. فضلت متحاصر ربع ساعة مش عارف انزل ولا أروّح"، في محيط نظره كان المواطنون قد خلعوا أحذيتهم ليستطيعوا التحرك، فيما هو يحمل حقيبة بها الكاميرا "قلت خلاص مبدّهاش.. شمّرت البنطلون ونزلت".
الكاميرا في يد "النوبي" كانت دائمًا تُهمة، تدفع الناس للنظر إليه باستياء أو سؤاله "إنت بتصور إيه؟"، إلا أنهم أمس كانوا يلفتون نظره إلى الخسارة كي يوثّقها "اللي يقولي شوف المحل بتاعي بضاعة غرقت بـ50 ألف جنيه واللي يدعي على المحافظ"، الغضب اعترى الجميع، وعلى رأسهم المصور "هما كانوا الحافز الرئيسي إني أصور المناظر دي"، الذي كان متأخرًا بالفعل عن عمله "كان بيفصلني شارع واحد بيني وبين الشغل ومش عارف أعديه عشان كأنه بحر".
رغم أن عمل "النوبي" بعيد عن التصوير لكنه شغفه الأول، وهو مُحاضر بمادة التصوير الفوتوغرافي بالأكاديمية العربية للعوم والتكنولوجيا، "النوّة" هو اسم ألبوم كان الشاب يجمع فيه الصور من المحافظة كل عام "بتيجي كل سنة وببقى مستعد أصوّرها.. بس عمر الموضوع ما كان بالسوء دة"، بالكاد وصل "النوبي" عمله في العاشرة والنصف، أصدقائه غلبهم الضحك حين رأوه "كنت نازل من البيت كويس.. وروحت الشغل حفيان وماسك الجزمة والحاجات في إيدي"، سريعًا ألقى ما بيده، ومعهم الحذاء، وخرج للشارع حافيًا يجول لالتقاط المزيد من الصور، دار بين المشاهد المختلفة، من المنشية وحتى الرمل "كان منظري عادي عشان كل الناس زيي".
47 صورة اختارها "مصطفى" لينشرها على صفحته "فيه صور تانية معرضتهاش عشان صحابها"، سيارة تغرق حتى السقف، سيدة تمر بالكاد رافعة طرف فستانها، فتاة شمّرت البنطال كما يفعل الرجال، ثلاث قطط صغيرة على مقعد ينتظروا النجاة من العواصف، أصحاب المحال ينظرون بحزن إلى بضاعتهم الغارقة؛ مشاهد متنوعة، أسوأها كان ازدحام رآه "مصطفى" في ميدان المنشية ولم يعرف السبب إلا عندما اقترب.
"فيه راجل مات"، هكذا أخره المحيطون في المكان، صعقته كهرباء أحد أعمدة النور بينما يحاول العبور، انتظر الشاهدون حتى يمر "ونش"؛ فحملوه عليه "قلبي اتوجع على المنظر"، لم يلتقط صورًا للواقعة لكنه وثّق بالكاميرا لحظة بكاء سيدة مارّة على الرجل الغريب.
في الواحدة ظهرًا توقف "النوبي" عن التصوير، رغم المآسي إلا أن البعض كانوا يتعاملون مع وجود المياه بالسخرية، أما هو فكان يحاول الحذر كي لا يسقط في فخاخ الأرض "المياه واصلة فوق ركبتي"، يخاف على الكاميرا أيضًا، تطوّع البعض بإخباره عن مواطن الخلل في الأرض بينما هو يسير، ورغم الإرهاق البدني غير أنه ما شعر بالوقت وسط هول الموقف وبصُحبة عينه الثانية التي التقطت القبح بالإسكندرية للمرة الأولى.
تابع باقي موضوعات الملف:
مشاهد على هامش "النوّة" (ملف خاص)
1 كارثة الإسكندرية.. بالصور: قصة "البطولة والموت" في محرم بك
2 بالصور - مصراوي داخل غرفة "رجل التلاجة" بالإسكندرية
4 قصة صورة.. حين سخر "الفيسبوك" من ضابط مرور الإسكندرية
5 كوميديا سوداء يرويها محمد.. "لما إسكندرية تغرق في شبر ميه"
فيديو قد يعجبك: