صباحي.. من البرلمان وإليه يعود (بروفايل)
كتب - أحمد حجي:
الحلم ظل يراوده حتى أنهك قواه، السياسة طريق وعر صمم على خوضه، بدء السلم من أسفل؛ طالب مفوه، صاحب قضية، ثم صحفي يتحدث عن شريحة أكبر، حتى بلغ الأمر مداه بالدخول في سلك السلطات، وقف أسفل القبة يدافع عن الناس وهمومها كنائب عنهم، ومع اندلاع الثورة، جاءه الحلم يتهادى، همس في أذنه بأن البعيد اقترب، فقرر أن ينهمك في ''العركة''، صاح بأعلى صوته ''أنا الرئيس''، لم يصبه الدور، حاول ثانية، فلم يربح سوى بضع أصوات ''بخس'' في سوق المنافسين، غاب عن المشهد شهور، ثم لبث أن عاد ليشمر عن ذراعيه ويبدأ الكرة من جديد.. ''حمدين صباحي خير من يمثلكم لمجلس الشعب 2015'' هكذا أعلنها.
في اجتماع أحزاب التيار الديمقراطي يوم الخميس الماضي، طالب حمدين صباحي أعضاء تياره الشعبي، بمراجعة موقفهم من عدم المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، وقال إن الطريق الصحيح هو المشاركة البرلمانية ''حتى وإن لم تكن الظروف مواتية''، الأمر كان مختلفًا قبل هذه المطالبة بنحو عشرة أيام فخرج التيار الشعبي -الذي أسسه حمدين- ليعلن مقاطعته للانتخابات البرلمانية احتجاجًا على قانون إجراء الانتخابات بصيغته الحالية.
ليست تلك هي المرة الأولى التي يغير فيها الصحفي والسياسي حمدين صباحي قراراته دون تغير الظروف، ففي مداخلة هاتفية لقناة العربية يوم الرابع من يوليو 2014 أكد أنه لن يترشح للانتخابات الرئاسية إلا بعد توافق القوى السياسية على مرشح واحد، القوى السياسية لم تتفق وترشح حمدين وحصل على المركز الثالث بعد الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي والأصوات الباطلة، واعترف حمدين بهزيمته في انتخابات انتهت بلجان خالية من مندوبيه، بعد الاعتراضات الواسعة من أعضاء حملته الذين أكدوا أنهم تعرضوا لتضييقات من قبل الجهات الأمنية، ومد التصويت ليوم ثالث تذرعًا بضعف الإقبال.
صباحي البرلماني الثائر
بدأ حمدين حياته السياسية مبكرًا حين كان طالبًا في كلية الإعلام جامعة القاهرة ونائبًا لرئيس اتحاد طلاب مصر، وفي لقاء عقده السادات مع طلبة جامعة القاهرة عام 1977، قال مستعرضًا تفشي الفساد بين أصحاب رؤوس الأموال: ''لا يمكن التفريط في مليم يحتاجه الشعب، والانفتاح أعطى فرصة لرؤوس الأموال والطفيليين الحصول على مكتسبات لا يستحقوها''، بهذه الكلمات التي ألقاها على مسامع الرئيس، صار صباحي صوتًا يعبر عن الطبقات الكادحة التي تمثل أغلبية الشعب المصري.
كان لصباحي نصيب كبير من المشاركة في العمل العام خلال أواخر حكم السادات وطوال سنوات حكم مبارك الثلاثين، وكان عضوًا بمجلس نقابة الصحافيين المصريين، إلى أن قرر الترشح لعضوية مجلس الشعب سنة 2000 واستمر في عضوية المجلس حتى سنة 2010، عشر سنوات قدم خلالها صباحي العديد من الاستجوابات لحكومات عاطف عبيد وأحمد نظيف، وكان له العديد من المواقف السياسية المعارضة للحكومة وقتها، فاعترض صباحي على موقف الإدارة المصرية التي ساعدت قوات التحالف الأنجلو-أمريكي إبان غزو العراق عام 2003، وعارض تصدير الغاز لإسرائيل.
كون صباحي شعبية لا بأس بها في الفترة التي كان فيها برلمانيا، فاعتقاله عام 2003 جعل اسم حمدين صباحي يتردد على ألسنة المواطنين باعتباره معارضًا سلميا لنظام مبارك الذي كان قد بدأ يتهاوى في هذا الوقت، الأمر الذي أتاح له الفرصة لأن يكون على رأس المشاركين في الكيانية الاحتجاجية التي مهدت لثورة 25 يناير كحركة كفاية، والجمعية الوطنية للتغيير، ودعمه لحركة 6 إبريل التي كانت وراء الفعاليات الاحتجاجية التي التف حولها الشباب منذ تأسيسها عام 2008، وشارك فيما يسمى بالبرلمان الموازي بعد وقائع التزوير الفج للانتخابات البرلمانية أواخر عام 2010.
حلم الرئيس
رجل ظل عشرات السنين في مصاف معارضي السلطة التي انتقلت من السادات إلى مبارك، أمر طبيعي أن يتقدم صفوف المشاركين في الثورة على الأخير، شارك فيها وبعد نجاحها -كسياسي- أراد أن يفوز بمكتسباتها باعتبارها ثورة من ظل سنين يدافع عن حقوقهم، تحالف حزبه في الانتخابات البرلمانية مع الإخوان الكيان الأكثر تنظيمًا بعد الثورة، البرلمان الذي تم حله بعد 6 أشهر فقط من أولى جلساته.
بتحديد موعد الانتخابات الرئاسية الأولى بعد يناير 2011، رغب صباحي بما هو أبعد من عضوية البرلمان وأعلن ترشحه رسمياً لمنصب رئيس الجمهورية، احتل المركز الثالث وحصل على ثقة ما يقرب من 5 مليون ناخب مصري، فلم يجد بدًا من البقاء على الساحة السياسية ومعارضة الرئيس الأسبق محمد مرسي، فكان من مؤسسي جبهة الإنقاذ ومن الداعين لمظاهرات 30 يونيو 2013، حتى عزل مرسي فأعلن يوم 4 يوليو من نفس العام أنه لن يترشح للانتخابات الرئاسية.
ما بعد الخسارة
بدل حمدين موقفه وقراره أكثر من مرة منذ التاريخ الأخير حتى إجراء الانتخابات الرئاسية في 26 مايو 2014، فتارة يؤكد عدم ترشحه إلا إذا توافقت القوى السياسية على مرشح واحد، وتارة يقول إنه لن يترشح إذا ترشح الفريق -وقتها- عبد الفتاح السيسي، إلى أن أعلن ترشحه في النهاية.
وبعد إقرار قانون الانتخابات الرئاسية الذي اعترض عليه التيار الشعبي، وبعد لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي بالأحزاب، يرى صباحي أن المشاركة البرلمانية طريق صحيح، في حين أكد التيار الشعبي، في بيان أصدره لتوضيح قرار رفض المشاركة البرلمانية، أن ''المناخ السياسي الذي يشهد تضييقا يوما بعد آخر، وتقييدا للحريات العامة والخاصة، ومصادرة للفضاء العام، لا يسمح بمنافسة حقيقية لمن لا يدورون في فلك النظام، ولا ينظم عملية انتخابية عادلة قائمة على مبدأ تكافؤ الفرص، ولا يسمح بالتواصل الفعال مع الجماهير – وهو جوهر الحملات الانتخابية – دون مضايقات، أو تطبيق جائر لقانون التظاهر الذي يقبع المئات من شباب الثورة داخل السجون بتهمة اختراقه''.
مناشدة صباحي أعضاء التيار الشعبي العدول عن موقفهم من المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، بالإضافة إلى تراجع عمرو موسى وكمال الجنزوري عن الترشح، تطرح سؤالًا على الساحة السياسية المصرية، ''هل سيرجع حمدين صباحي إلى موقعه السابق كبرلماني ولكن هذه المرة كرئيس لمجلس النواب؟''.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: