إعلان

من عبارة السلام إلى قصف غزة.. مصراوي يحاور جراح النفوس المنكسرة

04:29 م الأحد 07 سبتمبر 2014

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- إشراق أحمد وندى سامي:

بإحدى قاعات اتحاد الأطباء العرب يقف خالد خضر محاضرًا لعدد من الشباب، حماسه لا ينقطع، يفسر لهم مفهوم الدعم النفسي، يخبرهم عن هدف ما يتلقون، يذكرهم بميثاق العمل من تقديم يد العون لكل محتاج أيا كان هويته، يوصيهم بجروح الآخرين خيرًا، يدربهم على تضميدها، يشاركهم حلمه الذي تحول من الرغبة في مداوة البدن إلى تطيب جراح النفس في الكوارث والأزمات.

على بعد خطوات من مخدع ''محمود'' الطفل الفلسطيني داخل مستشفى ''معهد ناصر'' يقف ''خضر'' يترقب الصغير وهو واضع ابهامه في فمه، مصدرًا أنين كلما حاول أحد الاقتراب إلى حدوده الصغيرة، يصنف الشاب حالته بـ ''ارتداد لمرحلة سابقة'' والتي تعرض لها بعد قصف منزله واستشهاد أمه وهو في أحضانها، الطفل ذو الأربع سنوات يعيد ذاكرة الشاب إلى ثمانية سنوات ماضية، أول احتكاك له مع المتضررين نفسيًا من الكوارث والأزمات، وكانت البداية ''محمد'' صاحب نفس سنوات العمر، وأحد الناجين من غرق عبارة ''السلام'' شاهد أسماك القرش تلتهم والديه، تشابهت الأعراض واختلفت الكارثة.

في أول عقده الثاني كان أول تدريب عملي له، قام به بصحبة الدكتور الفرنسي ''لويس كروك '' الذى عبر القارات ليقدم الدعم النفسي اللازم إلى الناجين من غرق العبارة، معلمه الأول الذى زرع في وجدانه الاهتمام بالإنسان دون النظر لعرقه أو دينه.

داخل أرجاء قسم علم النفس بكلية الآداب جامعة عين شمس، أدرك الإخصائي الشاب نظريًا مفهوم الدعم النفسي، إذ كان بين أول دفعة تتعلم هذا التخصص، حينما أدخلته أستاذة رأت أنه جزء مهم يتطلب معرفته للدارسين، لكن بعد سفرها توقف دراسة هذا التخصص، غير أن ذلك لم يكن محطة نهاية ''خالد''؛ بل فضل أن يكون مضمارًا له، خاض في دراسته أكثر، يجري حوله الأبحاث، ويتخذه مضمون رسالة الماجستير التي يسعى لاستكمالها في جامعة القاهرة.

الاطمئنان هو أول ما يسعى ''خضر'' لتحقيقه مع المصابين عقب أي حادثة ''أعرفه أني جاي أقف جنبه'' يوضح المعالج النفسي خطوات تعامله التي يرتكز فيها على معرفة الاحتياجات المادية للشخص، ومن ثم تشخيص حالته النفسية، يتضمنها الإلمام ببيئته، وأخيرًا المتابعة، التي لا تعد لـ''خضر'' مجرد حالة مرضية بل علاقة إنسانية يحرص على تكوينها مع من يقابلهم.

من غرق عبارة السلام 98 مرورًا بانهيار صخرة الدويقة وغيرها من الأزمات التي هرع ''خضر'' إلى ضحاياها مع المهتمين بالدعم النفسي، كان الأمر بشكل تطوعي فردي حتى قيام ثورة 25 يناير 2011، الحدث الفاصل في واقع البلاد، وكذلك المختصين في هذا المجال، بدأ المعالج النفسي الشاب يبصر ملامح حلمه على الطريق، اجتمع شمل الإخصائيين ترأسهم ''ليلى رجب'' في كيان اتفقوا تسميته بـ''متضامنون''، ليكون تحت مظلة اتحاد الأطباء العرب، حينها زاد الحماس وبالمقابل تضاعفت المسؤولية خاصة مع تأسيس فرق للدعم النفسي وصلت إلى 4 فرق بالقاهرة، وأخرى بالإسكندرية والبحيرة والزقازيق والشرقية والعريش.

الوقائع تتغير وكذلك موقف الشخص منها، فيتعاطف مع حدث ويقنط على آخر، فيما يظل ''خضر'' ثابت بطريقه ''ميهمنيش اللي حصل بسبب إيه.. المهم إن في إنسان محتاج مساعدة'' يوضح أخصائي العلاج النفسي القاعدة الأساسية في التعامل مع الأحداث، فالمقدمين للدعم النفسي لا يُفترض أن يتأثروا بالوقائع بل ينزوا عن أي شيء يمكن أن يعرقل سير عملهم.

صور للجرحى الفلسطينيين في الحرب الأخيرة على غزة رُصت على حائط إحدى القاعات باتحاد الأطباء العرب، يرمقها بين حين وآخر تعيد لمخيلته نفس المشهد الجلي في عدوان 2008 المرة الأولى التى عايش الغزاويين وداوى جراحهم، ''ياسمين'' الطفلة المصابة بشظايا وحروق في جسدها كانت بين الصور، النظر إليها ذكره بصغيرة أخرى في الحرب السابقة إذ كانت تبني بيتًا من المكعبات وتقوم بهدمه بسيارتها في مشهد لازال عالقًا بمخيلتها عن منزلها الذى اقتلعته جرافات العدو، تلك النماذج التي شاهدها تؤكد له أهمية الدعم النفسي بعد الأزمات ''الدعم النفسي مش رفاهية زي ما كتير بيدعي، والعالم العربي في أمس الحاجة إليه''، يرى ''خضر'' أن مَن عايش الأزمة يحتاج إلى العلاج النفسي وأن ومن يتعرض لها حتى من بعيد يحتاج إلى الدعم ليجتاز تلك التجربة غير المباشرة عليه ولكنها ربما ما تترك أثر في نفسه.

من يفقد أحد آبائه يدعى يتيم ومَن يفقد كلاهما يُسمى لطيم ''واللي بيفقد 24 شخص بيقولو عليه إيه؟''، هذا ما شغل بال المعالج النفسي عندما صادفه في مسيرته العلاجية غزاوي فقد كل أقاربه، مأساة من نوع خاص يعيشها ''خضر'' منذ بداية العدوان على غزة، مع وصول المصابين إلى القاهرة لتلقى العلاج، إصابات مشوهة للأبدان تطيب بعد فترة ولكنها تخلف أثر في النفوس أسماها ''إضرابات ما بعد الصدمة'' أكثرها تأثرًا حالات بتر الأعضاء وخاصة في الإناث ''بيقولوا ياريت كنا استشهدنا أفضل ما نعيش بعجز''.

الخميس من كل أسبوع يوم مميز في حياة ''خضر''، به يصنع متنفسه من ''مخمضة'' الأحداث التي يشارك مآسيها، يحاول أن يبتعد عن مشاهد جسام أبصرها، وروايات أباحت بها النفوس، وأنصبت في جعبة نفسه حتى الامتلاء، ''بتجنن اليوم ده'' بثغر مبتسم يحكي الشاب العشريني عن طقوسه ذلك اليوم فتارة يكتب مذكراته عن من قابلهم، وأخرى يتحدث إلى أستاذ له يبوح له عما يكمن بداخله، وغيرها من هوايات مختلفة يحرص على اكتشافها بهدف عمل ما يسميه ''صيانة نفسية'' تقيه الاستسلام والغوص في حزن المواقف التي يتعرض لها حد الإعاقة عن مواصلة الطريق.

رغم الأحداث المتوالية التي شهدها ''خضر''، واختلاطه بشخوصها المتنوعة في رؤية الأمور كونها محنة أو منحة لكنه يومًا راوده التفكير برفع راية الاستسلام ''بالعكس بتمسك أكتر وبسعى الحلم يكبر.. الدعم النفسي أصبح رسالة بالنسبة لي''.

ينهى ''خضر'' أخصائي العلاج النفسي كلماته إلى فرقة المتطوعين للدعم النفسي، وفيما بُح صوته بعد أسبوع من الحديث، ينتظر آخرين يوليهم اهتمام وخبرة استمدها، وحلم يأمل تحقيقه بهم ''يكون في كل شبر بمصر والوطن العربي فريق للدعم النفسي''.

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا

هذا المحتوى من

Manal el Alem

الثانويه العامه وأخبار التعليم

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان