إعلان

غسان كنفاني.. ''أفكار ضد الرصاص''

12:24 م الخميس 03 يوليو 2014

غسان كنفاني.. ''أفكار ضد الرصاص''

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب - حازم دياب:

"أتعرفين ما الوطن يا صفية؟".. جل ما تداولت الجملة، للسخرية في معظم الأوقات، لكن ربما لا يعرف أغلب الساخرين، أنها لغسان كنفاني، كتبها في روايته "عائد إلى حيفا" بقلم الموجوع حين أردف "الوطن ألا يحدث ذلك كله".. في حياته العابرة ذاق غسان مرارة الغربة والهجران، ظل يبحث عن الوطن والحلم والذكريات والأرض، لكن بلا وصول، كان الوطن بالنسبة إليه ألا يكون لاجئا طوال حياته، وأن تجتمع الأسرة في الأعياد يحتسون الشاي الدافئ في ليلة باردة.

في روايته "رجال في الشمس" عبّر عن واقع الفلسطينيين في وصفهم "كانت السيارة الضخمة تشق الطريق بهم وبأحلامهم وعائلاتهم ومطامحهم وآمالهم وبؤسهم وبأسهم وقوتهم وضعفهم وماضيهم ومستقبلهم.. كما لو أنها آخذة في نطح باب جبار لقدر مجهول". أبطال روايته الذين ماتوا لصمتهم، لأنهم "لم يدقوا جدران الخزان" الموجود في السيارة وقبعوا محبوسين بداخله، بدا كأنه يقول إن فلسطين ماتت حين غاب عنها الصوت، عندما تحول حلم الأهل من ترسيخ جذور الوطن، إلى البحث عن لقمة عيش وكسب أفضل في دول الخليج، كما كان يحاول أبطال الرواية.

كانت شخصيات أعماله القصصية مستوحاة من الحقيقة، حيث كان يمر بين مخيمات اللاجئين ملتقطا أطراف الأحاديث، يحاول ألا يفقد الفلسطينيون الحكاية، كما فقدوا الأرض.

يشكل الكاتب أحياناً خطراً أقوى على الأنظمة من المعارضة المسلحة، لذا يلجئون مباشرة إلى تصفيته، في فيلم V for Vendetta، الذي كان بمثابة الفيلم الأيقونة لكل من يرغب في الثورة، جملة مفادها إن الكلمات هي الأقوى من الرصاص، وكتب محمود عوض قبل الفيلم بسنوات كتابه "أفكار ضد الرصاص"، ليضع الفكرة في عقل الكاتب في مواجهة رصاص النظام، سواء كان محتلاً، أو فاشياً.

واحد من هؤلاء الذين تسلحوا بالفكرة، غسان كنفاني، الفلسطيني ذو الملامح الهادئة، الذي مات وهو بعد في السادسة والثلاثين من عمره، قبل أن تكتمل لديه صورة الأشياء التي كان يسعى لرؤيتها بوضوح، كان ذلك في الثامن من يوليو لعام 1972، على أيدي الموساد الإسرائيلي. عاش غسان في مثلث الشام: فلسطين، ودمشق ولبنان، نشأ على رائحة دم الأقارب، ترعرع بين أصوات الرصاص الطائش، لم يعرف طعم الخوف، رسّخ ذلك في أعماقه معنى أن يكون رجلاً. عمل مدرسا في الكويت وصحفياً، وكان ناطقا رسميا باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بعد انخراطه في حركة القوميين العربيين، لكنه كان حلقة ضمن سلسلة مناضلين حملوا فلسطين كأدباء، مع مريد البرغوثي ومحمود درويش وناجي العلي، وآخرين.

"سأظل أناضل لاسترجاع الوطن لأنه حقي وماضيّ ومستقبلي الوحيد لأن لي فيه شجرة وغيمة وظل وشمس تتوقد وغيوم تمطر الخصب وجذور تستعصي على القلع". كلمات نشرتها غادة السمان، الأديبة السورية، وكانت ضمن رسائل الحب التي كان يرسلها إليها الأديب الفلسطيني المولود في عكا، والمقتول في بيروت، حب لم يكلل بالزواج، لكن رسائل غسان إلى غادة حملت شخصيته بكل جوانبها، حيث يصل لمنتهى الهيام بها فيقول "مأساتي و مأساتُك أنني أحبك بصورة أكبر من أن أخفيها وأعمق من أن تطمريها" بينما يصل أحياناً إلى اليأس "ولكن قولي لي: ماذا يستحق أن نخسره في هذه الحياة العابرة؟ تدركين ما أعني.. إننا في نهاية المطاف سنموت".

حياة غسان الشخصية كانت هادئة نوعاً، كان يحب زوجته الدانماركية "آن" وأسعد أوقاته تلك التي قضاها مع أبنائه فايز وليلى، فاجئه تنغيص صحي بإصابة مبكرة بمرض "السكري"، كل شيء جاء إلى غسان مبكرا، بما فيه الموت.

في سنوات عمره القليلة صنع غسان دراسة جادة عن الأدب الصهيوني، ونشرتها مؤسسة الأبحاث بعنوان "في الأدب الصهيوني"، كما عبر عن الأطفال في قصصه التي نشرها بعنوان "أطفال غسان كنفاني" حيث رأى فيهم المستقبل، لكن القدر لم يمهله أن يشاهد انتفاضتهم بالحجارة، وكتب في فن المسرح مثل مسرحيته جسر إلى الأبد، من أعماله القصصية "موت سرير رقم 12" ورواية "أم سعد"، وكان مهتماً أثناء تجواله أن يجمع كل ما كُتب من شعر المقاومة، مؤمنا بقدرة هذا الشعر على إشعال حماسة كل بعيد عن الوطن.

لماذا تغتال إسرائيل غسان؟.. لأنه أجاد التعبير عن القضية، عرّف العالم معنى الوطن وقيمة فلسطين، والأهم مساعدته بني وطنه في التمسك بأرضهم. في وقت حالك من أوقات كثيرة مرت على فلسطين، قرر الكيان الصهيوني أن يصادر أملاك اللاجئين، حتى الغائب منهم، حينها قرر شاعر فلسطيني يدعى راشد حسين أن يكتب قصيدة اسمها "الغائب" مطلعها:
"الله أصبح لاجئا يا سيدي
صادر إذا حتى بساط المسجد
وبع الكنيسة فهي من أملاكه
وبع المؤذن في المزاد الأسود
وأطفئ ذبالات النجوم فإنها، ستضيئ درب التائه المتشرد"

ربما لا يعرف كثيرين من هو الشاعر راشد حسين، لكن العدو حينما قرأ كلمات كهذه، خرج السلاح ليتم تصفيته، كما قام بنفس الفعلة مع غسان كنفاني، ليضافا إلى قوس مفتوح بلا نهاية، لكُتاّب قرروا أن يحملوا أمانة الكلمة التي قال عنها عبد الرحمن الشرقاوي في مسرحيته الحسين ثائرا-شهيدا: "
الكلمة زلزلت الظالم
الكلمة حصن الحرية
إن الكلمة مسؤولية
إن الرجل هو كلمة
شرف الله هو الكلمة".

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان