شقيق الصحفي رضا هلال.. رحلة فقدان ''الأب والأخ والإنسان''
كتبت – إشراق أحمد ودعاء الفولي:
كان ''أسامة'' الأخ الأصغر طالبًا بجامعة القاهرة، يأتي من المنصورة، ليدرس فيها، يسكن في مدينة الطلاب، عندما تأتي العطلة الأسبوعية ''رضا كان بيرفض إني أقعد في المدينة كان بياخدني أقعد معاه''، ''أب'' هي الكلمة التي تجمع بين الأخ الأكبر وأسامة، رغم أن الصحفي المفقود لم يكن أكبر إخوته ''كان الأوسط''، إلا أن فرق السن _ عشر سنوات _ بينه وبين أسامة جعله كذلك.
يتمسك وكيل المدرسة بتلابيب انتظار عودة الأخ بعد 11 عام ''الأمل في الله موجود ولو حتى بنسبة 1%''، الأخت الكبرى ل''رضا'' لم تستسلم للأمر الواقع، أكثرهم تشبثًا هي بعودته، بينما يتعامل الأخ الأربعيني مع غياب صحفي الأهرام بشيء من العملية ''من ساعة الاختفاء وأنا مبطلتش بحث وفتح في القضية''، بين القاهرة والمنصورة، يتحرك أسامة، يعرف عن طريق أحد المحامين بإغلاق القضية لعدم وجود أدلة جديدة، فيذهب لمكتب النائب العام لُيعاد فتحها ''وهفضل كدة لحد ما أعرف أخويا راح فين''.
يذكر أسامة الأموال التي كان يضعها أخيه بحافظة نقوده ''أصحى الصبح عشان أروح الجامعة ألاقيه سايبهالي جوة المحفظة عشان ميجرحنيش''، وصف إنسان هو ما يطلق على أخيه المختفي، تفاصيل بسيطة، يعتقد ''أسامة'' أنها أكثر ما يفتقد فيه ''مرة كنت نازل الجامعة وجت عربية الشغل بتاعت الأهرام تاخده''، لم يستطع الأخ الأكبر أن يصطحب ''أسامة'' في سيارة المؤسسة ''وقف لي تاكسي وحاسب عليه واعتذر لي بليل لأنه مكنش عايز حد يقول إنه بيستغل عربية الشغل لمصالح شخصية''.
تعليمات الوالد هي ما دفعت ''رضا'' لأن يسلك الاتجاه العلمي في مرحلة الثانوية العامة، بعد حصوله على مجموع مرتفع ''دخل هندسة بناء على رغبة والدي مع إنه كان بيحب الكتابة''، لم يستمر الصحفي فيها كثيرًا ''ولاد عمي أقنعوه يسيبه يختار اللي بيحبه، فدخل سياسة واقتصاد''، سمحت له الكلية بهامش كبير من ممارسة الكتابة ''بعد ما خلص طلبوه يشتغل في السلك الدبلوماسي لأنه كان متفوق بس رفض لأنه كان بيحب الصحافة''، حيث التحق بجريدة الأهرام المصرية عقب العمل بالصحافة العربية.
بين السعادة البالغة بالكتابة كان ''رضا'' يحيا ''مكنش فيه حاجة بتسعده زي إنه يعكف على الكتابة، كنت بحس كدة وأنا عنده في الشقة بشوفه''، ثمة أشياء تُعكر صفو حياته الهادئة وتُزعجه، كعدم احترام المواعيد ''زي المواعيد، كان مظبوط في مواعيده بالدقيقة، ضرب الميعاد أو التأخير كان بيضايقه جدًا''، التلون هو الأمر الآخر الذي كان ينفر منه الصحفي المختفي ''مكنش عنده رمادي، يا أبيض يا أسود''.
الاثنين الموافق 11 أغسطس 2003 يوافق يوم اختفاء الصحفي ''رضا هلال''، قبل ذلك بيوم واحد كان معه أخيه الأصغر ''ومكنش شكله فيه حاجة متغيره ولا متضايق''، حتى أنهما اتفقا على اللقاء يوم الثلاثاء التالي ''كان عندنا فرح في السنبلاوين وكانت الأسرة هتتقابل كلها هناك''، الأربعاء بدأ الإخوة في البحث عن المفقود ''أول حاجة جت في بالي إنه ممكن يكون جاتله أزمة صدرية لأنه كان بيشرب سجاير كتير''، بدأوا البحث داخل المستشفيات، ثم الأقسام دون نتيجة.
الأماكن الزائفة كانت تلاحق أسرة الصحفي حال بحثهم عنه، أرقام مجهولة تتصل لتخبرهم بتواجده في سجن برج العرب، أخرى تحدثهم عن وجوده بمستشفيات الأمراض العقلية ''مسبتش مستشفى إلا لما روحتها''، كان ذلك قبيل الثورة، قال ''أسامة'' عن تلك المكالمات إنها كانت مقصودة ''أمن الدولة كانت بتحاول تتوهنا لأنهم كانوا بيقولوا المكان ويقفلوا''.
''عايزين نعرف بس مصير أخونا ايه''، يصف الأخ الأصغر حال الأسرة بالمكلومة، مع الوقت تحولت المشاعر من انتظار العودة لمحاولة معرفة ما إذا كان حيًا أو ميتًا فقط، كي يقوموا بعمل اللازم ''فيه حالة غريبة من التواطؤ بين أجهزة الدولة كان مفروض يكرسوا الجهود بشكل أكبر لكن دة محصلش''.
الفراغ الضخم الذي تركه ''رضا'' في حياة إخوته، والأخ الأصغر بالأخص، انسحب على كل شيء، حالة ''أسامة'' الصحية التي تدهورت عقب الاختفاء قبل أن يستعيد عافيته مرة أخرى، البكاء الذي لا ينقطع، مما أدى لإشفاق أطفاله عليه ''لما كنت بدور عليه في المستشفيات كنت تعبان أوي، بنتي مريم كانت في 3 ابتدائي وقتها ومنظري صعب عليها''، أخذت الصغيرة تربت على جسد الأب، تواسيه ''معلش يا بابا انت تعبت أوي في التدوير يارب عمو يرجع''، يذكر أبناء الأشقاء عمهم المفقود ''عبد الرحمن ابني لسة فاكر الشقة اللي بتطل على دار الحكمة ورحمة لسة فاكرة هداياه''، المواقف التي جمعت الأخوين لا تُحصى، لجأ له ''أسامة'' عندما احتاج النصيحة ودون أن يحتاجها، لم يطلب منه شيئًا ''لأنه مكنش بيديني فرصة أطلب من الأساس كانت الحاجة بتيجي قبلها''.
عدم وجود زوجة في حياة الصحفي المفقود أمر آخر جعل ''أسامة'' ممتنًا لحد ما ''حاولنا نجوزه، جبناله عرايس من المنصورة وقرايبه وكان بيرفض''، الصحافة واستغراقه بها منعاه الزواج ''كان خايف يظلم اللي هيتجوزها بانشغاله عنها''.
أكثر ما يخافه ''أسامة'' هو تقصيره في البحث عن أخيه ''لو قابلته يوم القيامة وكنت مقصر هيقولي إنت فرطت في دمي وانا مش هقدر أستحمل''، بات الانتظار أقصى ما يستطيع عمله، مع التصبر بسيرته الحسنة وأيامهما سويًا، رغم الأزمة يحمد الأخ الأصغر الله على عدم وجود الأب والأم ''هما ماتوا قبل ما يختفي بس لو كانوا عايشين كانوا ماتوا من الخوف''، والدة الصحفي المختفي عانت عندما غاب شهرًا واحدًا إبان تغطيته لحرب العراق والكويت ''مكنتش بتنام من العياط عليه''.
ولازال الأخ الأصغر يجاهد حتى لا يتحول الصحفي ''رضا هلال'' بسجلات الدولة من مفقود إلى فقيد فالأمل ينقطع مع الثانية بينما يستمر مع الأولى.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: