وانجاري ماثاي.. حنين الى ثقافة ولدت فيها
بيروت (رويترز) - تقول الكاتبة والبرلمانية الكينية السابقة وانجاري ماثاي إن معتقدات الحداثة غير كافية لتوفير توجيه أخلاقي لحياة الأفارقة وانها بدأت في الإشتياق لثقافتها الماضية التي حجبت طويلا.
كانت وانجاري ماثاي تتحدث في كتابها الذي حمل عنوانا هو (افريقيا والتحدي) وصدر بالعربية مترجما بقلم الكاتب المصري أشرف محمد كيلاني في 291 صفحة متوسطة القطع عن (المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب) في الكويت في نطاق سلسلة (عالم المعرفة).
والمؤلفة الحاصلة على جائزة نوبل التي توفيت سنة 2011 والتي تولت منصب نائب وزير البيئة وإنتخبت للبرلمان هي مؤسسة حركة الحزام الاخضر التي قامت عبر شبكة من النساء الريفيات بزرع ما يزيد على 30 مليون شجرة في أنحاء كينيا.
وفي فصل بعنوان (الثقافة.. الحلقة المفقودة؟) تحدثت وانجاري عن
أعمالها وأبحاثها في مجال التراث الافريقي فقالت "وقد قادني بحثي في هذا التراث الذي اشترك فيه مع ملايين غيري في افريقيا وأماكن اخرى الى اقتناع بان معتقدات الحداثة -إيمانها بان البضائع المادية والتكنولوجيا والابتكار بأي ثمن سوف يحل كل مشكلاتنا ويفي بكل احتياجاتنا- غير كافية لتوفير توجه أخلاقي لحياتنا.
"وفي النهاية بدأت في قبول وحتى الاشتياق الى ذلك الجزء مني الذي حجب طويلا الجزء الموجود في الثقافة التي ولدت بداخلها ونشأت بداخلها جزئيا والتي كانت بانتظاري بصبر نافذ لاستكشافها وفهمها وأشك في ان تكون هذه خبرة يشترك فيها الأفارقة عبر القارة وفي الشتات وكثيرون غيرهم تعرضت ثقافاتهم للتهديد بالانذثار."
وقالت "لا تزال أهمية التراث الثقافي للافارقة بالنسبة الى احساسهم بهويتهم غير مفهومة بشكل كاف من قبلهم ومن قبل الآخرين. والثقافة هي الوسيلة التي يعبر بها الناس عن أنفسهم من خلال اللغة والحكمة المتوارثة والسياسة والدين والعمارة والموسيقى والأدوات والتحيات والرموز والاحتفالات والأخلاق والقيم والهوية الجماعية. الزراعة وأنظمة الحكم والتراث وعلم البيئة جميعها أبعاد ووظائف للثقافة..."
أضافت تقول "والثقافة تمنح شعبا ما هوية ذاتية وشخصية تعيد له التوافق مع البيئة المادية والروحية لتشكيل الأساس لشعوره بالاشباع الذاتي والطمأنينة الشخصية... ويمكن رؤية مثال لتدمير الثقافات الافريقية بفعل فرض الحدود الاستعمارية الاستبدادية. في الحقيقة التي تفيد بأنه في الوقت الذي يعرف فيه معظمنا ما قد يشكل ثقافة فرنسية أو روسية أو صينية أو يابانية أو هندية فمن المستحيل التحدث على نحو ذي معنى عن ثقافة جنوب افريقية أو كونجولية أو كينية أو زامبية. لقد كانت محاولتي الطويلة لفهم تأثير تدمير الثقافة في التحديات الحالية لافريقيا رحلة شخصية جزئيا لاستكشاف من أكون حقا..."
وقالت "لقد استوعبت مجموعةٍ معبأة سلفا من المعتقدات بقصد تلقين مجتمعي وإعداده لحكم استعماري طويل من دون مقاومة فبمجرد قبولنا -كأفارقة لوضعنا في المرتبة الثانية سنكون آمنين نحظى بالرعاية- عبيدا سعداء في أرضنا.
"ولم يبدأ اهتمامي بجذوري الثقافية حتى ذهابي الى الولايات المتحدة في عام 1960 لبدء تعليمي الجامعي. وعندما تذكرت ما رواه لي جدودي عن تاريخ مجتمعنا بدأت أدرك ان الكثير مما حدث في افريقيا قبل الاستعمار كان خيرا على عكس ما علموني... كان القادة مسؤولين أمام شعبهم الذي كان قادرا على إطعام وكسوة وأسكان نفسه.
"وقد حمل الشعب ممارساته الثقافية وقصصه وإحساسه بالعالم من حوله في موروثاته الشفهية التي كانت ثرية وذات معنى وعاشوا في توافق مع الأنواع الأخرى والبيئة الطبيعية واضطلعوا بحماية ذلك العالم.
"وقاس جدودي وآخرون من جيلهم سعادتهم ورفاهيتهم المادية والروحية بطرق مختلفة الى حد بعيد عن اليوم. وكانت وسيلة التبادل لديهم الماعز. واضطلعوا بتربية الحيوانات المستأنسة التي استخدموها بعناية للبقاء وعاملوها بطريقة انسانية. وزرعوا مجموعة متنوعة من المحاصيل الغذائية في أراصيهم ونظرا الى ان معظم احتياجاتهم الاساسية قد تم الوفاء بها فلم يعتبروا أنفسهمم فقراء.
"وعاشوا داخل مجتمع حافل بالطقوس والشعائر والمراسم ووسائل التعبير عن إرتباطهم بالارض وبثقافتهم ولم يشعروا بالاغتراب أو بانهم بلا هدف في عالم مادي بلا مغزى يحدد القيمة بالدولارات والسنتات فقط لان عالمهم كان يحيا بروح الله وأخذوا ما يحتاجون اليه لتوفير حياة جيدة لكنهم لم يكدسوا ويهدموا أثناء هذه العملية - وفعلوا كل هذا حتى يتاح للاجيال المقبلة البقاء والازدهار."
أضافت تقول "ولكن عندما توفيت والدتي في العام 2000 كان يمكن التضحية بكل شيء من أجل المال : الغابات والارض والماعز والقيم وحتى البشر. وفي اقتصاد نقدي أصبح من الضروري تدمير البيئة وامتلاك جزء منها وإنكار حق الغير في استخدامها - بما في ذلك اولئك الذين عاشت أسرهم بها لأجيال..."
من جورج جحا
(إعداد جورج جحا للنشرة العربية - تحرير محمد هميمي)
فيديو قد يعجبك: