''المتحف الحربي''.. ''حرملك'' الملك الذي تحول لمرصد التاريخ العسكري
كتبت: دعاء الفولي
داخل قلعة صلاح الدين الأيّوبي، الكائنة بمصر القديمة، بعد خطوات طويلة من السير، بدأت اللافتات في الظهور، ''المتحف الحربي القومي''، ثم بوّابة ضخمة، يدلف منها الناس لدفع تذاكر المتحف، يطلب الموظفون من الزائرين وضع أشياءهم للتفتيش، كبار وصغار كانوا، يتقافز الأبناء ممسكين بأيدي الآباء قبيل الدخول، يبدأ المتحف بساحة مفتوحة ممتلئة على الجانبين بمدافع، بعضها مدافع ساحلية صُنعت في إنجلترا عام 1873، ومنها مدفع تم استخدامه بحرب 1967، ثم حرب 1973، روسي الصنع، لم تخلُ الساحة الرئيسية للمتحف من أدوات حربية أخرى، كالمنجنيق المُستخدم في الفتوحات الإسلامية، حيث كانت الحجارة تُقذف منه.
خطوات يسيرة يتخذها الزائر حتى يصل للساحة الثانية المكشوفة من المتحف، والتي ما إن تظهر، يبدو فيها تمثال ''إبراهيم باشا'' راكبًا جواده، يتوسط الساحة وأسفل التمثال كُتب ''سلام على إبراهيم باشا''، في الخلفية كان المبنى العريض للمتحف يطل، بلونه البُنّي الفاتح، على جانب المبنى كانت أسماء القاعات الرئيسية به موجودة، القاعة الفرعونية، الإسلامية، المعاصرة، ثم القاعة الحديثة، توزعت محتوياتها من أسلحة ونياشين وزي عسكري تاريخي على 365 غرفة بالمتحف، الذي كان قديمًا ''حرملك'' للملك ''محمد علي''، أو مكان لإقامة الزوجات والجواري فيه، وقد أنشأه عام 1826، ثم أصبح مقرًا للحاكم العسكري البريطاني 1882، ثم كمستشفى للقوات البريطانية، وأخيرًا استردته الحكومة المصرية في عهد الملك فاروق الأول عام1946، إذ خضع لوزارة الآثار ثم وزارة الحربية.
أول ما بُدء به المتحف من الداخل، كانت عربة الملك ''توت عنخ آمون''، التي استخدمها في القتال، وقد اكُتشفت عام 1922، وتم تجميعها في 9 أعوام على يد العالمة المصرية ''نادية لقمة''، امتلأت القاعة الأولى بلمحة من أكثر من عصر، فبعد العربة الفرعونية، تراصّت أربع أحصنة من عصور إسلامية مختلفة، وفوقها كان الفرسان وقد تغيرت ملابسهم تبعًا للزمن، وعلى الجهة الأخرى من نفس القاعة، كانت صورة ضخمة تجمع بعض من قادة الجيش المصري الحديث، وفوقها آية ''واعتصموا بحبل الله جميعًا''.
يبدأ القصر الشرقي من المتحف بطُرقة طويلة بها نماذج من ملابس عسكرية، لعساكر مشاة من الجيش المصري في عهد ''محمد علي''، ثم تأتي بعض نماذج للخوذات التي ارتداها الجنود في عهد الفتوحات الإسلامية والفراعنة، بجانبها ثلاث لوحات زُجاجية عُلق بداخل الأولى أمثلة لخوذات الإنجليز، وبالثانية بعض الأوسمة والنياشين العسكرية، أما الثالثة فاحتوت على ''بريهات'' عسكرية، وهي غطاءات الرأس التي يُمثل لون كل واحدة منها سلاح عسكري مختلف، لا تمر خطوات قليلة حتى تأتي لوحة أخرى فيها شرائط الرُتب العسكرية المختلفة، سواء في العصر الحديث، أو عصر الملك فاروق، بعض القاعات كان محظور دخولها على الزوّار، يشاهدها المواطنون من خارج الغرفة فقط، كقاعة دروع القوات المسلحة.
25 ألف متر مربع هي مساحة المتحف، يتكون من الجناح الشرقي، الغربي والأوسط، يتكون من أكثر من 15 قاعة وصالة عرض للأحداث المختلفة، المتحف المبني على الطراز العُثماني لم تتغير رسومات الأسقف فيه منذ بناءه الأصلي، وعقب الرُتب العسكرية، تبدأ طُرقة ممتلئة بأعلام عدة، بداية من تطور العلم المصري للجمهورية، حتى الأعلام الخاصة بالقوات المسلحة.
قاعة المدفعية هي المحطة التالية في المتحف، في لوحة كبيرة كانت صورًا لأبطال المدفعية على مر العهود، وبجانبها نبذة عن تطور المدفعية المصرية، بالإضافة لبعض نماذج من المدافع، منها الألماني ويُسمى ''كروب''، تم إنشاءه عام 1870، ومدفع آخر من عصر الخديوي إسماعيل، وبعض نماذج لمدافع صغيرة.
سلالم عريضة تقتاد إلى البهو الثاني في المتحف، وهي القاعة الإسلامية، احتوت القاعة على أشياء كثيرة، منها خريطة للفتوحات الإسلامية، والغزوات، والفتوحات بإفريقيا، ونموذج لسيف الرسول ''محمد''، كما حوت خناجر مُقلدة من تلك التي استُخدمت قديمًا، هناك أيضًا بالرُكن الآخر من القاعة بعض أسلحة كانت موجودة في عهد ''محمد علي''، مع نبذة تاريخية عن عصره وأسرته، لتنتهي القاعة بطُرقة امتلأت بتماثيل لبعض الشخصيات السياسية، ك''مصطفى رمزي''، الذي لعب دورًا بارزًا في تطوير الجيش المصري، بعهد الخديوي ''إسماعيل''. لم تخلُ الطرقات من تمثال ل''أحمد عرابي''، ونبذة عن نضاله ضد الإحتلال الأجنبي.
توجد غرفة بها بعض من التراث السوداني، من ملابس عسكرية أو مدنية، وبعض التاريخ عن البلد، ساحة أخرى امتلأت بعلومات عن تاريخ مصر وأسلحتها خلال الحرب العالمية الأولى، وعلى الجانب الآخر كان هناك مساحة مخصصة للحديث عن حريق القاهرة عام 1948 وتمثال للبطل أحمد عبد العزيز، وسرد تاريخي عن حرب 1948. وةقبل الدخول للقاعة الخاصة بثورة اليمن، كان هناك عدة لوحات، بعضها به قصاصات من جرائد عن العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وبعضها يرصد صورًا لضحايا المدنيين بسبب العدوان، وأخرى تصور المقاومة الشعبية له، ثم يأتي الحديث عن ثورة اليمن، ودور الجيش المصري فيها 1962، وبعض المعلومات عن حرب 1967 مع تمثال للرئيس ''جمال عبد الناصر''، لتبدأ بانورما حرب 1973 وانتصاراتها.
بمجرد دخول المكان، تقف تماثيل بأحجامها الطبيعية، مصنوعة من الخشب، تصف حال قادة الحرب الذين انكبوا على خريطة أمامهم، من ضمنهم الرئيس ''محمد انور السادات''، يتشاورون بشأن الخطة، في الجانب الأيسر من القاعة توجد لوحة ضخمة رُسم عليها الجنود المصريين أثناء العبور وفوقها آية ''وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله''، لوحة شرفية امتلأت بصور فوتوغرافية لمن شاركوا في الحرب، نماذج لأسلحة استُخدمت وقتها مثل ''رادار'' توجيه النظام – سام 2، وخريطة للمواقع القتالية، بعد انتهاء الساحة تظهر صورة للرئيس ''السادات''، أثناء زارته للقدس، وأخرى أثناء توقيعه معاهدة ''كامب ديفيد''، بالإضافة لبعض صور فوتوغرافية لقادة الحرب.
سلم آخر نزولًا إلى آخر محطة في المتحف، وهي قاعة الشهداء بها جميع الصور لكل الذين قُتلوا في الحروب المُختلفة، تراصت في شكل دائري، على كل لوحة مجموعة صور مختصة بمعركة بعينها وبينها كُتب عدد الشهداء الذين ماتوا في تلك الحرب، بداية من حرب 1948 التي استشهد فيها 230 جندي، مرورًا بحرب 1967 التي قُتل فيها 10300 شخص، ثم حرب الخليج 1991 وقتل فيها 13.
كما بدأ، ينتهي المتحف بساعة مكشوفة، تعرض أسلحة حربية أخرى تم وضعها في صفين متقابلين، بين الطائرة 21 ف 13، التي صنعها الإتحاد السوفيتي، الصاروخ الفاتح المستخدم في حرب الخليج لفتح الثغرات العسكرية، وبعض الدبابات، منها دبابة أمريكية، استولى عليها الجيش المصري من الإسرائيلي في حرب 1973، كما تواجدت الناقلة البرمائية التي قادتها القوات المصرية لنقل المعدات الحربية عبر القناة في حرب أكتوبر.
الوفود التي تتوجه للمتحف يوميًا لم تقل أعدادها، تبعًا لتصريحات أحد الموظفين بالمتحف، والذي رفض ذكر اسمه، مُضيفًا أن أكثر الأيام إقبالًا هو يوم الجمعة، يدلف المتحف يوميًا بين ستة وعشرة آلاف شخص على حد قوله، تذكرة المكان التي لا تزيد عن جنيهين، جعلت الأسر من طبقات مختلفة تذهب إليه، لتقضي اليوم به وباقي المتاحف الموجودة داخل القلعة، أما الأجانب فتوافدهم أقل منذ ثورة 25 يناير، لكنه لم ينقطع بشكل نهائي.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: