لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

مصراوي يكشف السر وراء ''المواطن المطحون''

04:42 م الإثنين 29 ديسمبر 2014

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-رنا الجميعي ودعاء الفولي:

نظارات طبية تُعطي انطباع الثقافة، ملامح وجه ممتعضة، ما إن تخرج الكلمات من فم ''علام'' حتى يتبين للقارئ مدى جهله، أمامه يقف شاب هادئ يستمع لترهات الأول بابتسامة، مجادلا إياه دون فائدة، فعلاّم يربح النقاش الساخر دوما ولا يجاريه ''ميدو'' في ''فزلكته''، ''بحّار غبي'' ينتظر أوامر الـ''كابتن غريق''، منفذا إياها ببلاهة، ''المواطن المطحون'' غارقا في هم العيش، يٌد صغيرة تمسك بالكتيب تتنقل بين مغامراتهم، تقلب الصفحات، تتابع العينان قراءة لُغز جديد يبدأ بكلمة ''سر''، حتى تصل إلى نهاية العدد؛ فترى صورة بالخلفية لكاتب شاب اسمه خالد الصفتي، في مكان مختلف يقبع الأخير على لوحة يبتكر مواقف جديدة لشخصياته المعتادة، يعرفه الصغار قبل الكبار، ينتظرونه بلهفة؛ ليهدي إليهم بهجة محببة.

رغم سفره لأعوام إلى قطر، واشتغاله بعيدا عن الرسم؛ فالحب الأولِ لا يُنتزع، تفتحت عينا الطفل خالد على الخطوط والألوان، اعتاد على قراءة مجلة ''تان تان'' ليُصبح من معجبي الفنانين ''هيرجية''، صاحب شخصية ''تان تان''، و''هيرمان''، من هنا بدأت مرحلة المحاكاة، يقوم فيها الصفتي بنسخ مغامرات المجلة في نماذج مصغرة، وهو لم يتعد العاشرة من عمره، لم يغب شغفه بسلسلة ''فلاش''، منذ الانقطاع عنها وحتى عاود نشرها مع بداية العام الحالي.

الظهور الأول للمواطن المطحون

هناك نقاط بدرب الصفتي تحمل وهجا لا يموت، رغم خوفه من ضياع بعض سنوات عمره بالجيش وقت التحاقه به، إلا أن القدر خبأ له خطة أفضل، بحث الرسام عن المجلة التي تصدرها مؤسسة الجيش، غامر بمقابلة رئيس تحريرها، لم يكن العقيد شوقي حامد غايته الإحباط، قَبِل بالعسكري الشاب لموهبته المتنامية، يتحدث الصفتي بفخر عن التجربة التي باءت بالنجاح، كلّفه العقيد بأمر من وزير الدفاع وقتها، برسم 55 شخصية دبلوماسية على ورق البردي، منها رونالد ريجن، ونائب الرئيس ''جورج بوش الأب''، كهدية فريدة، حازت على إعجابهم.

على صفحات مجلة ''النصر'' ظهر ''المواطن المطحون'' بهيئته المعروفة للمرة الأولى، هيكل عظمي يكافح من أجل البقاء، فكر ''الصفتي'' في رسم شخصية تعبر عن المصري ''شريف مش مرتشي''، خشى ألا يتم الموافقة عليها، إلا أن مرونة رئيس التحرير جعلت الموقف يمر ''العقيد مكنش عنده مشكلة إني أنتقد الحكومة''، لتظهر بمجلة النصر التي توزع بشكل كبير بين قطاعات الشعب.

ظل الصفتي بالمجلة عام ونصف بعد انتهاء مدته بالجيش، إلا أنه تعلم وقتها درسه الأول، مع بداية عصر جديد ينمحي القديم، وهكذا بعد انتهاء فترة شوقي حامد جاء رئيس تحرير ثان ولم يعجبه بقاء الرسام.

لم يعتمد الرسام على أحد في تعليمه، كبرت الموهبة داخله دون إرشاد، خطًا مشى عليه ليحقق أحلامه بالرسم، انتمى للمعهد العالي للسنيما قسم الرسوم المتحركة، اجتاز الاختبارات الصعبة بالمعهد، مكث به شهرا، قبل ظهور نتيجة التنسيق تخبره بقبوله لكلية فنون جميلة، أربع أعوام قضاها بقسم الديكور ''بس مستفدتش حاجة''، على حد قوله.

محطات صانع ''فلاش'' كثيرة، وضع غاية الرسم أمام عينيه، أثناء الدراسة عمل داخل مجلة سمير لسبعة أعوام، قوبل فيها بيسر ''روحت قدمت وكانت ماما لبنى في المجلة وقتها وافقت إني أشتغل معاهم وكان المقابل المادي بسيط لكني كنت مبسوط''. في عام 1984 استطاع الفنان صناعة غلاف للمجلة التي أحبها منذ الصغر، ''رسمت شخصية زيكو زكي على الغلاف واختراعه الحصان بريموت كنترول''.

''فلاش''.. الزمن الجميل

جاءت علاقة الصداقة بين ''الصفتي'' ودكتور نبيل فاروق؛ فكانت المدخل للعمل مع المؤسسة العربية الحديثة، التي كان يرأسها حمدي مصطفى في الثمانينات.

حاول الصفتي وفاروق وقتها تقديم نموذج مُختلف من القصص المصوّرة ''كان اسمها عَ فريت''، يقولها الرسّام بسخرية، الاسم فرعوني، لكنها تجربة لم تكتمل ''بعد ما اشتغلنا فيها فترة بدأت تكبر مننا والقصة بقت مش مظبطة فوقفناها''، خيال أخذ الصفتي إلى كتيبات صغيرة، يرسمها ويكتبها للأطفال، تجمع بين التسلية والمعلومات، 300 صفحة كاملة، عكف على نسجها حتى خرجت للنور ''مكناش هنسميها فلاش في الأول''، يطرق مُفكرا حين تمر بعقله تلك الأوقات ''لكن عشان كان جوة فيه باب اسمه فلاشات فحمدي مصطفى قاللي نسميها فلاش''.

ذكريات الرسام الخمسيني مع الأعداد لا تنتهي، بريد القرّاء الذي كان يحمل مشاكل لازال محفور بذهنه، جمهوره الصغير ممن اتصلوا به أو حاولوا مقابلته، أكثر من يتذكره منهم طفل كان في العاشرة من عمره، جاءه مندوبا لإحدى مجلات الأطفال في أواخر الثمانينات ''وصل لمكتبي معرفش إزاي.. وخبط ودخل اتكلم معايا وقاللي إنه عايز يبقى صحفي لما يكبر''؛ فاستقبله الكاتب بحفاوة الشخصيات الهامة.

معرض الكتاب عام 1990، 50 ألف نُسخة رُصت على الرفوف، يشاهدها العامة، يتهافتون عليها، إعلانات في الصحف سبقت التوزيع بفترة جعلت الإقبال أكبر مما تخيل الكاتب البالغ 28 عامًا، صار لشخصيات فلاش جمهور فجأة، ابتدعها الصفتي من الواقع، وجمّلها بالخيال، شخصية ''المواطن المطحون'' أشبه ما تكون بحال المصري ''لدرجة إنه بقى هيكل عظمي''، ''علّام'' مثال للجاهلين ''كانوا موجودين في كل حتة''، غير أنه أضاف للرسم أبعادا جعلته مميزا ''وش علام اللي كان ممطوط كان بيدل على التكبر وإنه مش عايز يتعلم''، أما ''البحّار الغبي'' فقد تأثر فيه بشخصية ''بندق'' الكارتونية ''لكن كنت حاسس إن بندق لازم يبقى أغبى عشان يضحك الناس''، القطة والكلب علاقتهما كانت عكس السائد ''القطة هي المسيطرة والكلب مستكين''، بيده كتب كلمات الأعداد كلها ''كان مُتاح ليا أعمل اللي أنا عايزه'' حسبما أكد.

وزّع كتيب ''فلاش'' في معرض الكتاب للمرة الأولى ما يزيد على 500 ألف نسخة، ثم توالت الأعداد منذ تلك الفترة ''كنت بطلع حوالي 7 أعداد في السنة''، حكايات ''فلاش'' كانت عن غير قصد مُشبعة بانتقاد لأحوال البلد ''كان لازم يبقى فيه رصد لمشاكل.. الواسطة والكذب والإهمال والأخلاقيات المفقودة عندنا بشكل عام''.

رغم أن مدير المؤسسة العربية، لم يمنع الجرأة، إلا أن ''المواطن المطحون'' اختفى لمدة عددين ''أستاذ حمدي قاللي عايزين نخف منه شوية.. وقفناه وأنا رجعته من نفسي بعد كدة ومحدش اعترض''، الشخصيات القديمة في ''فلاش'' هي الأصل، علّمت بشكل أعمق مع القرّاء، صدر من السلسة ثمانون عددًا، آخرهم كان أوائل 2014، استغرق من صانعه ثمانية أعوام ''كنت بوقف وأرجع كل شوية أرسم''، غطت قليلا إصدارات ''فلاش'' على التي تلتها، كـ''سوبر فلاش'' و''سماش''.

طقوس الإبداع

لا يزال الكاتب يذوب في شخصياته، تفاصيل وجهه ذو النظارات الطبية والعينان الفاتح لونهما، كانت تتغير تبعا لملامح ما يرسم ويكتب، تتردد بين حالات الامتعاض، الحزن، السرور، الخوف ''والدتي كانت بتدخل عليا وأنا برسم فلاش فتلاقي وشي غضبان أو فرحان أو غيره.. في الأول كانت بتستغرب وبعدين اتعودت ومبقتش تسأل''.

هناك طقوس لازمت الرسّام منذ بداية الكتيبات، غرفة مُتسعة تلائم ترانيم الإبداع، منضدة مائلة للأمام، فوقها لوحة بيضاء كبيرة، أغاني علي الحجار تنبعث من جهاز تسجيل صغير لا يستطيع العمل دون سماعها ''كنت بقعد أعيد الشريط خمسين مرة ورا بعض ولو الأغاني مشتغلتش بترتيب معين معرفش أشتغل''، رغم أنه لم يستغن عن تلك الطقوس حتى الآن، إلا أن حالة من الإحباط أصابته تجاه الرسم ''جايز مفيش حافز معنوي كافي''، لكنه يأمل العودة لسابق عهده.

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا

 

فيديو قد يعجبك: