العالم ''رهينة'' اللاإنسانية (بروفايل)
كتبت-دعاء الفولي:
ظلت تفكر بأطفالها القابعين في المنزل، يتهدج صوت أحدهم متسائلًا عن ''ماما''، يداها التصقتا بالزجاج، رأسها مطأطئ، لا تقدم على أي أفعال شجاعة، كي تعود إليهم عقب انتهاء الكابوس، بل تخضع لطلب محتجزها برفع علم أسود على زجاج مقهى ''لينت شوكولا'' بمدينة سيدني الأسترالية، لم تعرف السيدة أنها ستبقى تحت جناح الرعب كرهينة لشخص مسلح في 15 ديسمبر الجاري، لمدة 16 ساعة، ليست هي فقط الرهينة في ذلك المشهد؛ هناك الشخص الذي احتجزها مساوما الشرطة على الموجودين بالمقهى، فـ''الأخ'' –كما يحب أن يناديه الرهائن- الذي ارتدى شارة كُتب عليها إشارة التوحيد، ساقه فكره لاحتجاز مسالمين، التعصب يأخذ بناصيته، حتى يصبح رهينة في يد الحماقات التي ارتكبها باسم الدين، وحين يتعلق الوضع بالحيوات؛ فالجميع رهينة بيد الوقت، على رأسهم السلطة التي يقع الاحتجاز فوق أرضها.
العالم ليس مكانا سعيدا؛ فيه يتم الزج بالعُزل داخل صراعات سياسية، قد يحدث الضغط بين الأطراف باحتجاز رهائن يدوم لشهور، كما حدث في إيران 1979 عندما تم احتجاز موظفين أمريكيين لمدة 444 يومًا، للضغط على الولايات المتحدة، من قبل مؤيدين لآية الله الخميني. لا يؤثر الأمر بأحد كما الرهينة، اللحظات الأكثر إهانة في العمر تبقى، لا تسامح الرهينة من احتجزها، ولا من ورّطها في ذلك الموقف.
على الجانب الآخر من العالم؛ مدينة بيشاور، شمال غرب باكستان؛ عقب حادثة سيدني بساعات، ثمة صغار لم يعنيهم من الحسابات السياسية بين الجيش الباكستاني وحركة طالبان شيئًا سوى العودة إلى ألعاب الفيديو، مقاعدهم الوثيرة والمشاجرات مع الإخوة الأصغر، فيما بعد ربما سيحكي الآباء لمن بقي منهم على قيد الحياة عن سبب دخول مسلحين لحرم المدرسة أثناء يوم دراسي عادي، وترويع الطلاب والمدرسين قبل أن يقوموا بتفجير أنفسهم، وقتل 140 طالب وأستاذ، معظمهم أطفال.
أباح المعتدون لأنفسهم القتل لأن ''المدرسة يدرس فيها أبناء ضباط بالجيش الباكستاني''، الجيش الذي يحارب طالبان بضراوة، ذلك لن يمنع ''كرب ما بعد الصدمة'' الذي سيلاحق التلاميذ، وإن كان الأطفال قد ظلوا رهينة لبضع ساعات بالمدرسة، فعقولهم ستبقى رهينة لتفاصيل الوقت الذي قضوه وجها بوجه أمام المدججين بالكراهية المطلقة.
على مر التاريخ كانت السياسة مجرم لا يقل ذنبه عن منفذ العملية؛ مثلما حدث مع احتجاز مجموعة من الإرهابيين عام 1991 طائرة تابعة للخطوط الجوية السنغافورية وأخذت ركابها رهائن، مطالبين بأشياء معينة؛ إذ طلبت الجماعة، التي أطلقت على نفسها “الجيش الشعبي الباكستاني”، إطلاق سراح بعض السياسيين المحبوسين في باكستان، وحوادث أخرى عديدة. تتغير الظروف، والثابت أن دائرة اللاإنسانية تتسع، طالما يغذيها البعض باعتقاده أن حياة المواطنين مرهونة بالحسابات السياسية.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: