لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

عيون ''حجي'' على الجبهة ... ''الاسكتش'' في حرب الاستنزاف

01:13 م الأحد 05 أكتوبر 2014

محمد حجي رسام صحفي وتشكيلي

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت - رنا الجميعي:

بين الخُذلان والنصر عاش، حالة من التضاد استطاع أن يكون جزء منها، كمواطن مصري أولًا، مجند ثانيًا، ثم مراسل ثالثًا، تحتّم عليه أن يعيش حالة السرية التي خيمت تزامنًا مع حرب الاستنزاف، يكتم حماسه داخله، تلتقط عينه ما يُبهره، فيرسم بالأقلام ''الفلو ماستر'' جندي يستعين ببعض الحجر ليصنع منضدة، وآخر يتمكن من جعل الأسلحة مُعلقة على جدران تحت الأرض، تلك الأفعال الصغيرة هي ما كانت تُبهر ''محمد حجي''، رسام صحفي وتشكيلي، بجانب الاستعدادات الشديدة التي تجعل الجندي حين تغفل عيناه قليلًا تبرق مرة أخرى حينما يسمع الأمر لاستعداده لتدريبات السلاح.

مرارة تسري في الحلق وقلوب خذلها الأمل عاشت ستة أيام سُميت فيما بعد بنكسة 1967، وطيف الهزيمة يهيم بالبلاد كان ''حجي'' قد تم استدعائه قبلها لتسليم نفسه للجيش في الخامس من يونيه في معسكر بالزقازيق، يذهب بالقطار الحربي إلى هناك، وسط عدد من الأطباء القادمين للتطوع، يحكي الرسام الصحفي الموقف بتعجب من هؤلاء القادمين وسط الحرب للتطوع دون أن يكلفهم أحد ''كانوا بيقولوا احنا هنقوم بدورنا على طول، مش محتاجين تدريب زيكو''.

ثلاثة أيام بالمعسكر قضاهم ''حجي''، لم يفعل بهم شيئًا سوى الانتظار، تم إرسالهم لبلدانهم مجددًا حتى الانتهاء من الحرب، في تلك الأوقات تطرق لسمع الناس أخبار الهزيمة التي جاءت متفرقة، حتى ظهر ''عبدالناصر'' ليؤكد على الهزيمة، خاطرة واحدة سرت ببال الجميع، وهي الذهاب إلى القاهرة ''عشان نرجّع عبدالناصر''.

الطريق من بنها إلى القاهرة تسده أجساد الناس والسيارات القادمة، كأن منبه واحد رنّ لاستدعاء ذلك الجمع، يتذكر ''حجي'' الطريق، ظلّ حتى صباح اليوم الذي تلاه بالطريق المسدود، إلى أن استطاع دخول القاهرة، جموع احتشدت بوسط البلد، وفي سيره أمام المعبد اليهودي رفعت سيدة من أحد المباني صوتها بين الناس ''احرقوا المعبد''، ولم ينتبه إليها أحد ''كانت الناس راقية''.

رجع ''عبدالناصر'' وبدأت مصر تستعيد حماسها مجددًا: ''كنا عايشين المعركة بالكامل''، امتلك الجيش السلاح، وحديث عن استعدادات وبعض الاشتباكات تدار بمحافظات القنال، أما ''حجي'' فأصبح مراسل معتمد من مجلة روز اليوسف، ويصير ضمن مراسلي الجبهة مع جلال حمدي، يوسف الشريف، وصالح مرسي ''كنت بروح مع أي تحقيق بيتعمل هناك عشان أرسم''

''الناس عاوزة تعرف''.. تلك الفترة التي ساد فضول الشعب المصري ليعرف كيف يستعد الجيش، ويُصبح ''حجي'' بروز اليوسف عين الناس، يرتدي البدلة العسكرية مع زملائه حتى لا يُلفتوا نظر الجنود عما يفعلونه، وخوذة لاحتمالات الخطر، يُصاحبه ''الاسكتش''، أقلام ''الفلو ماستر'' و''رابيدوجراف'' ''دا حبر بيبقى جاهز للطباعة في الوقت دا''، تلك الرسومات التي تنشرها روزاليوسف لقرائها ''المجلة مكنتش بتنشر صور فوتوغرافية''.

طبيعة عادية من صحراء أو أرض زراعية هي معسكر كتيبة من الجيش المصري، لم يظهر للأعين أو للأقمار الصناعية أن بهذه الأرض حماسًا يشتعل وأوردة تتفجر، تحت الأرض كان مكمنهم ''كانوا عفاريت''، وبينما كان الجنود يتدربون بالسلاح كان ''حجي'' يرسم على الاسكتش، تحت الأرض ''كان يلفت نظري الجندي عايش ازاي''، أو أحيانًا وسط الاشتباكات الدائرة فوق الرؤوس، بضعة أيام تصير أسبوع يقيم فيها الرسام الصحفي على الجبهة ''مصر بتتصنع في المكان دا''، يرصد ما تنبهر بها عيناه ويلتقط تفاصيل صغيرة، وإحساس بالانتصار يراوده حتى الآن.

تحقيق صحفي يصاحبه رسومات ''حجي''، ورقيب عسكري يجب أن يمر العمل الصحفي إليه أولًا قبل النشر ''عشان الأسرار العسكرية''، بضعة رسومات تم منعها ''لو رسم فيه سلاح مثلًا''، إلا أنه لم تكن بالغزارة، فيكون نتيجة المنع ضيق للرسام الذي اجتهد، لكنه يقدر الآن لم كان المنع.

وسط الاشتباكات التي دارت بين مصر وإسرائيل على ضفتي القناة، كانت المنافسة تدور أيضًا بين الصحف، كلٌ يريد السبق له، وأهم ما يلفت الانتباه هي ''الاستعدادات وقصص الشهداء'' الذين يتساقطوا أثناء حرب الاستنزاف.

لم يقتصر دور ''حجي'' على رصد الاستعدادات بالجيش المصري، شهد أيضًا المقاومة الشعبية قبل النكسة، في أوقات خمد فيها دور الجيش، وظهرت حميّة الشعب بالإسماعيلية ''كانت مكونة من سيناويين''، يلقون بأنفسهم وسط مصاعب لكنهم كانوا أدرى بأرض سينا، كما يقول الرسام الصحفي.

كانت حرب الاستنزاف هي المُحاولة التي يستعد من خلالها الجيش للمعركة الكبرى، وشهد ''حجي'' الكثير من أحداثها، فلم يُمحى من ذاكرته هيئة الجندي المستعد والنافرة عروقه ليحمل مدفعًا طوله ما يقرب من العشرين متر للتدريب، تلك المواقف التي لم تطوى مع الأيام جعلت ''حجي'' شديد التأثر بمشاهد حرب أكتوبر فيما بعد التي لم يشهدها بمصر، وحالة من الندم على سفر جاء بغير موعد جعله يرحل قبل المعركة الكبرى.

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك: