لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

أسرار ''الشاذلي'' السجين يرويها مدير ''السجن الحربي''

03:38 م الأربعاء 15 أكتوبر 2014

أشرف رشاد

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

حوار– أحمد الليثي ويسرا سلامة:

في داخل أحد الكتائب العسكرية لتدريب الجنود، كان المجند في سلاح المشاة ''محمد أشرف راشد'' يقضي فترة تدريبه العسكرية، يتداول مع الأصدقاء سيرة رئيس الأركان الجديد، كانت سيرته تسبقه، هيبة ورهبة، بعدها بما يقارب العشرين عامًا انقلبت الآية، كان ''الشاذلي'' المسجون السياسي على موعد مع ''راشد'' مدير السجن الحربي وقتها، ليقضي فترة عقوبة بسبب محاكمته على إفشاء أسرار عسكرية ظاهريًا، وباطنها التنكيل به عقب معارضته للنظام ورفضه للمسار عقب اتفاقية ''كامب ديفيد''.

القصة فريدة من نوعها، يرويها مدير السجن الحربي اللواء أركان حرب ''أشرف راشد'' لأول مرة، يتحدث عن ذكريات قائد خطة أكتوبر والذي كان ''راشد'' جزءًا منها كجندي، وعن ''الشاذلي'' السجين بين أربع جدران لمدة عام ونصف، ضحكات ودموع انفرطت حال حديثه.

من ''الهايكستب''.. تبدأ الحكاية

بداية القصة انطلقت فور ورود أخبار لـ''راشد'' بقدوم ''الشاذلي'' من خارج مصر، واحتجازه من مطار القاهرة، ورغم أن القضية مرفوعة ضده من الرئيس ''السادات''، إلا أن وفاته لم توقف تنفيذ الحكم في عهد ''مبارك''، ليوضع ''الشاذلي'' في عام 1991 في فيلا بالهرم تابعة للمخابرات المصرية، وتشاركت القيادات ومنها ''راشد'' في البحث عن مكان يليق برئيس أركان سابق يحمل تهمة سياسية.

تداولات من هنا لهناك، بين المخابرات ووزير الدفاع ورئيس الأركان، وزير الدفاع المشير ''حسين طنطاوي'' ورئيس الأركان ''صالح الحلبي'' وقتها كانا يصران على وضع ''الشاذلي'' في مكان لائق به، وأيضَا يتوفر فيه الأمان، وهو ما فعله ''راشد'' بتصوير فيديو كامل للسجن الحربي بالهايكستب من الخارج حتى الغرفة المقصود بها إقامة ''الشاذلي''، وإعطاء الفيديو لـ''طنطاوي''، ليصبح مهيأ لاستقبال رئيس الأركان السابق ''كان بيجيله أثاث مشفتش زيه في السجن قبل كدة، حاجة 7 نجوم''، على حد قول ''راشد''.

التحية العسكرية.. احترام السجان لرئيس الأركان

''التحية العسكرية''.. كانت أول لقاء بين الاثنين، أداها ''راشد'' إلى ''الشاذلي'' السجين ''التحية نوع من الاحترام، مثل صباح الخير بين العسكريين''، لم ينس أنه كان رئيسًا للأركان، بالحديث بينهما تعرف ''الشاذلي'' على موقع ''راشد'' وقت حرب أكتوبر في سلاح المشاة، ليقول له ''راشد'' ''إحنا ما كناش نقدر نعمل حاجة في الحرب إلا بالتوجيه 41'' وهو ما غمر ''الشاذلي'' بالغبطة من مدير سجنه، ليطلب مدير السجن منه عند بداية الحجز أن يلتزم بقوانين السجن، وألا يكون قائد السجن طرفًا في نزاع بين ''الشاذلي'' والسلطة حينها.

انكسر الحاجز بين السجان والسجين عقب تقارب الأثنين، بدأت علاقة صداقة ومودة، وقائد السجن أصبح رفيق عام ونصف لرئيس أركان سابق.

أول لوحة وقعت عليها عين ''الشاذلي'' فور حبسه هي ''تنظيم السجن الحربي''؛ ليطمئن للمكان الذي فيه، حيث بدأ يتعامل مع موقعه بالسجن وكأنه ساحة حرب، قرر تنظيم كل شيء؛ الاستيقاظ في الخامسة والنصف فجرًا، اللعب على عجلة رياضية بعداد لتنشيط جسده، إفطار وغذاء وعشاء في موعد محدد لم يخالفه منذ الدخول إلى السجن، الخضار المسلوق وقطعة لحم لا يزيد وزنها عن 60 جرام، لا يتناول الفول إلا مرة واحدة، ثمرة خيار وطماطم في الثالثة كان انعكاس لدقة ''الشاذلي'' في طعامه، الإفطار في العاشرة والغذاء 3 عصرًا والعشاء 8 مساءا.

الخلاف مع ''السادات'' كان حكاية رواها المسجون للسجان، كان سببه في البداية الثغرة العسكرية التي حدثت في غرب القناة، حتى اشتعل الخلاف إلى ذروته عقب ''كامب ديفيد''، ليطلب بعدها ''الشاذلي'' تصريحات تنشرها صحيفة كويتية بعنوان ''رئيس الأركان يُحمل رئيس الجمهورية مسؤولية الثغرة''، سبب المانشيت أزمة حلها الكاتب الصحفي ''موسى صبري'' بإيعاز من ''السادات''، وذلك من خلال تصريح صحفي على لسان ''الشاذلي'' رفضه للتصريحات على الرغم من عدم رغبة الفريق في نفيها ''صبري دخل عليا برزمة ورق وقعد يكتب قالي إحنا لازم نحل المشكلة''، والتقى ''الشاذلي'' عقبها بـ''السادات'' في استراحة القناطر، وعقب ''المانشيت الأزمة، عرف خبر إقالته من السفارة من الجرائد، قائلا ''السادات قعدني في البيت''.

حكاية أكتوبر.. ''الشاذلي'' مولع بالتفاصيل

لـ''الشاذلي'' حكاية في ذهن مدير سجنه قبل اللقاء، فـ''الشاذلي'' هو صاحب خُطة حرب أكتوبر، مستعينًا بخبرة 50 قائد من قيادات الجيش، منطقة البحر الأحمر كانت التحدي الأول الذي تولى ''الشاذلي'' مهمته، دأب رئيس الأركان على دراسة تفاصيل المعركة، رأى جنود ستعبر بسلاح ثقيل، فأمر بتصميم عربة لتحريك صناديق السلاح على الساتر الترابي المنيع، وتصميم سترة مناسبة للجنود ليحملوا جميع أدواتهم من سلاح وطعام.

كل تفاصيل الحرب والعبور في أكتوبر جمعها ''الشاذلي'' في كتاب كبير الحجم، يعرفه العسكريون بالتوجيه 41، جاء عقب سلسلة توجيهات عسكرية كانت بمثابة ''فتوى'' من رئيس الأركان لجنوده، كان ''41'' الأكثر تفصيلًا وتحديدًا، به حركة الجنود ومواقعهم بترتيب الرواتب العسكرية في الجيش المصري.

التفاصيل مثلت الجزء الأهم في حياة الشاذلي، طوال فترة توليه منصب رئاسة الأركان وداخل السجن، له قصة مع ''توجيه الفراخ''، لا تزال ترسم الضحك على ثغر ''راشد''، فالمطابخ العسكرية الموجودة في الصحراء كانت تجذب أنغام العرب، فأمر رئيس الأركان بأن تربي المطابخ فراخ، فتعجب الجنود، إلا أنهم علموا أن المطابخ العسكرية لابد أن يبقى مكانها سريًا دون علم العرب، بالإضافة إلى أن الأفراد في المطابخ لا يقومون بأي تدريبات عسكرية، والدجاج سيتكفل الباقي من فضلات الطعام.

دقة ''الشاذلي'' وصلت لاهتمامه بماسورة سلاح الجندي، آمرا أن تنظف جيدًا من الحبيبات الرملية؛ لأنها مع إطلاق النار المتكرر قد تنتفخ، وبالتالي يجب استبدالها، وهو ما يكلف عبء مادي على الدولة التي كانت تحتاج لكل قطعة سلاح في الحرب ''كان قائد عسكري بيهتم ويضغط، عشان الاهتمام يوصل لكل الرتب''.

الدقة كانت سمت ''الشاذلي''، زرعتها البذة العسكرية فيه، تفقد للكتائب على الجبهة قبل الحرب، اطلاعه على سجنه من الخارج للتأمين؛ الموقفان مرا على أعين ''راشد''، فآمن أنه عنيد، صارم وذو عاطفة مكتومة لكنه يطوي من الحب لمصر يكفي لكي لا يغضب عقب التنكيل به وسجنه، يحمل الشوكولاتة في ثلاجة سجنه لزواره، ويحمل بداخله إيمان أن للحقيقة لحظة ستأتي حتما.

اهتمامه بالتفاصيل وصل للمياه المعدنية، فأحد المساعدين في السجن كان يوفر المياه لـ''الشاذلي''، وفي أحد أيام الخميس ورد لمدير السجن أن ''الشاذلي'' هائجًا في غرفته بسبب عدم وجود زجاجات مياه، ليؤكد المساعد أن لدى ''الشاذلي'' عدد كاف منها ليومي الجمعة والسبت، صعد ''راشد'' ''بعد الإجازة لـ''الشاذلي'' ليوضح ''أنا عندي زجاجات كافية للمياه، لكن أنا بعمل احتياطي قبل أن تمنعوها عنى''، ليتابع ''راشد'' أن ذلك أسلوب اتبعه ''الشاذلي'' كثيرًا من أجل وضع جميع الاحتمالات لحياته بداخل السجن.

''طنطاوي'' و''مبارك'' و''الشاذلي''

كان ''الشاذلي'' قائدَا على كلا من ''حسني مبارك'' و''حسين طنطاوي''، أما في فترة السجن اختلف الأمر، فذات مرة طلب ''طنطاوي'' من قائد السجن إخلاء المستشفى العسكري – محل إقامة الشاذلي- ليرى ''الشاذلي'' أن ذلك ''نوع من أنواع الحبس الانفرادي''، وليقول ''مبارك'' عنه ''هو ده سعد الشاذلي مش هيتغير أبدَا''، كان ذلك عقب واقعة تعنت من ''الشاذلي'' لإصلاح طربوش أسنانه، بدعوى ''أنا مش زي أي مسجون''، وتصميمه لأن يتم علاجه بالمركز الطبي العالمي.

قانون ''الشاذلي''

ذاق ''الشاذلي'' نتيجة قرار اتخذه وهو رئيس للأركان، فالسجين كان يود لقاء محاميه، ليعطيه مدير السجن الحربي نسخة ممهورة بتوقيعه من القانون العسكري توضح الشروط للقاء أي متهم بمحاميه، وضرورة موافقة وزير الدفاع على تلك الزيارة، لكن تلك لم تكن قسوة من المدير، فحين يتعلق الأمر بقرار لانتقال ''الشاذلي'' إلى غرفة واحدة بدلًا من غرفتين ''كان الموضوع صعب نفسيًا عليا إنى أعمل كدة في الشاذلي.. فعملت خدعة بسيطة مع مفتش السجن أن يغضب من الوضع عند الزيارة أمام الشاذلي وكأني لا أعلم بالأمر.. وقتها الشاذلي أخلى الغرفة بنفسه، ليبقى في غرفة واحدة''.

ظل القرآن الكريم رفيقًا لـ''الشاذلي'' طوال فترة محبسه للقراءة به عقب الفجر، ثم عقب الإفطار، وكان كتابه الوحيد الذي يقرأ فيه بداخل السجن، ومنه كان يكتب بعض الآيات في مسودات ظنًا أنه سيحتاجها عقب ذلك في كتابات شخصية أو مؤلفات، وختم القرآن ثلاث مرات بقراءة متمعنة للتفسير والفهم، كما وضع رسومات لمركز طبي ومسجد لبلده في الغربية والذي نفذه عقب خروجه.

العفو الرئاسي

رفض ''الشاذلي'' أن يكتب عفو لخروجه من السجن ''لن تخط يدي أي عفو رئاسي''، هكذا قال لمدير السجن، في جلسة طويلة يقول ''راشد'' إنها استمرت حتى ساعات الفجر الأولى للجدال عن العفو، ليقول ''الشاذلي'' حينها ''حسنى مبارك يعلم من هو سعد الشاذلي، ويعلم إني ما بكدبش''، غير أن ''الشاذلي'' فكر في الأمر وكتب في صباح اليوم التالي طلب إلى رئيس الجمهورية وليس التماس أو إعادة نظر في القضية ولا عفو رئاسي بصيغة ''إلى السيد رئيس الجمهورية الأعلى من الضابط المصدق على الحكم، حُكمت في قضية رقم كذا سنة كذا، وحيث إنني لم ارتكب هذه الجريمة، أطلب الإفراج عني فورًا''.

يوم الإفراج عن ''الشاذلي'' كان في ذكرى 6 أكتوبر 1993، يذكر ''راشد'' أنه حتى صباح اليوم لم يصل له ورقة رسمية للإفراج عنه ليعلم تليفونيًا ويبلغ ''الشاذلي'' بعد تهنئته بعيد 6 أكتوبر، ليصمم ''الشاذلي'' للسؤال عن قرار الإفراج قبل التعبير عن فرحته بالخروج ''هو عفو خاص ولا عفو عام لكل المساجين''، ليقول ''راشد'' ''أنا مقدرش اقعدك عندي ساعة بعد قرار العفو، لما يجي الطلب من دار القضاء هتعرف نوع العفو''، يعتب ''راشد'' على تصريحات لـ''الشاذلي'' أنه كان يُعذب بالسجن ''قال إنهم كانوا بيسيبونى من أغير ما أمرن أحبالي الصوتية فبقرأ قرآن عشان ـلأجرى صوتى''.. وفي لقاء بين ''الشاذلي'' مع ''راشد'' عقب خروجه من السجن وجه له نفس العتاب ليقول ''الشاذلي'' بدعابة ''يا راجل ما تخدش على الكلام ده''.

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك: