إعلان

''باب الحديد''.. في انتظار ''صَفير'' الفرج

10:13 م الخميس 26 سبتمبر 2013

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت - إشراق أحمد:
تصوير – كريم أحمد:

أقدام تعود أدراجها خائبة الرجاء بعد الوقوف أمام الأبواب المغلقة لمحطة سكك حديد مصر بميدان رمسيس، منها مَن يتقدم خطوات أخرى ليسأل، ومَن يكتفي بعلامة ضيق دافعًا حقيبته، مشيحًا بوجهه عن تلك الأبواب التي اصطف أمامها عربات الأمن المركزي، ويسارع بخطوته، في اتجاه سيارات ''الميكروباص''، التي وقفت خارج سور ساحة المحطة، خوفًا أن يكتمل عدد ركابها فلا يجد له مكان على طريق السفر.

''همَ هيفتحوا المحطة أمتى، عايزين نرجع التذاكر''.. قالتها سيدة سارعت في طريقها؛ فلم تفصح عن اسمها مكتفية بإشارة عدم الرغبة بذلك، وكلمات قليلة أخرى تفسر سابقتها، بأنها سافرت وأسرتها قبل أحداث فض اعتصامي ''رابعة والنهضة'' لمرسى مطروح، وكانت قد حجزت تذاكر قطار العودة إلى القاهرة.

ما يقرب من شهرين والتذاكر بحوزة السيدة التي عادت وأسرتها بسيارة ''ميكروباص'' بدلًا من القطار؛ فلم تجد بد من العودة للمحطة المركزية برمسيس لاسترداد ثمنها، لكن لم يأتيها سوى كلمات أحد العاملين ''بعد العيد وعليكي خير، متقلقيش أنت مش معاكي التذاكر لما المحطة تفتح هتستردي فلوسك''.

هكذا حال ''باب حديد''، الذي شهد توقف تام منذ أكثر من 40 يومًا، كل شيء توقف؛ صفير القطارات، حركة الأقدام داخلها وعلى الأرصفة، لم يعد هناك سوى صدى صوت المارة من العمال وبعض الحيوانات الأليفة، التي أخذت تتجول بالمكان وحيدة بين قطارات توقف مسارها إجباريًا بأمر سيادي بعد أحداث فض اعتصامي ''رابعة والنهضة''، وأصبح آلاف الركاب وآخرون يعيشون على صوت ذلك الصفير، فمع عودته؛ ربما تعود الحياة لديارهم.

 

بملامح سمراء باسمة امسك بمكنسته، مستندًا إلى حائط واجه مدخل المحطة المحكم إغلاقه بقطعة خشبية وُضعت بين المقبض، وجاور قوات الأمن المنتشرة أمام المحطة.

سبعة أعوام يأتي ''سمير'' من منطقة القناطر إلى محطة مصر برمسيس، ليزاول مهنته كعامل نظافة، لم يشهد فيها توقف القطار لهذه المدة الطويلة ''أول مرة يقف كده كان بيوقف أوقات ويشغلوه''.

وكذلك ''محمد'' الذي أقبل نحو غرفة العمال؛ فهم دائمي التواجد في محيطها خاصة مع قلة العمل تلك الأيام، لكن ''سمير'' أقدم من '' محمد'' بالعمل؛ فالأخير يعمل بالمحطة منذ عامين.

''المواصلات''.. هي الكلمة التي يدور في فلكها معاناة عمال نظافة المحطة، خاصة القاطنين خارج القاهرة، فمثلهم ككثير من المسافرين يعتمدون على القطار، في ظل وجود ''كارنيه'' الهيئة الذي يوفر تكلفة الانتقال، غير أن ''الميكروباص'' أصبح وسيلتهم البديلة ''أنا من القناطر في القليوبية بدفع كل يوم تقريبًا 10 جنيه مواصلات''.. قالها ''سمير'' الذي يبلغ راتبه 500 جنيه شهريًا.

لا يوجد تعويض عن تكلفة الانتقال التي يتكبدها العمال جراء وقف القطارات، بل كان الأمر واضحًا من البداية ''على حسابك''.. هكذا قيل لـ''سمير''، توقف حركة القطارات والمحطة لم يعنِ توقف العمال عن الحضور، بل يأتي العمال كل يوم في مواعيد العمل من السابعة صباحًا لكن الانصراف هو ما تغير.

تقليل ساعات العمل، ساعة هو كل ما عاد عليهم جراء التوقف ''طول ما المحطة مفتوحة كده شغالين بنضف التراب''.. حسبما قال '' محمد''، الذي لا يتعرض لمعاناة الانتقال كما سكان المحافظات؛ حيث يسكن بشبرا؛ فالزحام المعتاد عليه هو أكثر معاناته، لكنه أضاف ''في ناس مننا كانت بتسافر كل يوم، دلوقتي مبتقدرش تدفع المواصلات فبتبات في المحطة وتروح كل أسبوع''.

ركاب.. بين الضيق والتسليم بالواقع

في العاشرة صباحًا أواخر الشهر الماضي توجهت ''زينب محمد'' لموقف ''سوق الجملة'' بطنطا، قاصدة القاهرة لزيارة أبنائها، لم تكن تعبأ بعد لتوقف حركة القطارات؛ ففي الغالب عندما لا يسمح الوقت باستقلال القطار تتجه إلى الموقف؛ حيث سيارات ''السوبر جت'' و''الميكروباص''.

الطريق من طنطا إلى القاهرة لا يستغرق أكثر من ساعتين بأقصى تقدير، غير أن '' زينب'' لم تجد ما تركبه حتى الواحدة ظهرًا من شدة الزحام، لم يكن ذلك المعتاد بالنسبة لها؛ فتلك ليست المرة الأولى التي تستقل بها سيارات الأجرة للسفر إلى القاهرة، لكن في النهاية اضطرت السيدة الخمسينية أن تستقل ''ميكروباص'' رغم ''حالته الصعبة''، وأن تدفع أجرة أزيد مما كانت وهي 15 جنيهًا، بدلًا من 10 جنيهات، بالإضافة إلى معاناة الطريق الذي استغرق 3 ساعات بوصولها القاهرة في الرابعة عصرًا، إلى جانب ساعات البحث عن سيارة، لتصبح حصيلة ساعات سفر ''زينب'' 6من طنطا للقاهرة هي ساعات.

وإن لم تجد ''زينب'' المعاناة ذاتها باليوم التالي في رحلة العودة إلى طنطا، لكن فكرة السفر إلى القاهرة بالنسبة لها، أصبحت تستدعي التمهل بل والتراجع عنها بالوقت الحالي.

وقف جوار السيارة المتجهة إلى الإسكندرية؛ حيث مقر تجنيده، متناولًا سيجارة حتى يعلن السائق اكتمال عدد الركاب وينطلق لوجهته، ''وليد'' اضطرته ظروف التجنيد أن يصبح من مرتادي القطارات، لكنه بعد توقف القطارات انتقل من ''القضبان'' إلى طريق ''الأسفلت السريع''؛ غلب على الشاب العشريني هدوء الحال وعدم الضيق من الأمر، رغم العبء المادي الذي تضاعف بعد أن كان سفره بالقطار؛ فهو في نهاية الأمر ''مضطر أسافر عشان ظروف التجنيد''.

بينما انتظر أيضًا ''محمود'' الذي ألف طريق السفر ''عملي بين القاهرة والإسكندرية، أخذ يتناول إفطارًا سريعًا خارج السيارة المنتظر تحركها؛ يسافر الرجل الخمسيني بأقل تقدير مرتين في الأسبوع، والقطار بالنسبة له كان الأفضل في الراحة والماديات، لكن الوضع أصبح تسليم بالأمر الواقع ''هنعمل إيه''؛ فهو على يقين أنه لا يستطيع تحديد مدى خطأ القرار من صحته ''بسبب الحاجات اللي بتحصل''، كما لا يستطيع إخفاء ضيقه ''مقدرش أقول مش متضايق على قد ما أقدرش ألومهم برضو''.

''عفاريت الأسفلت'' في مأزق

''تعالى إسكندرية، إسكندرية يا باشا''.. وقف ''السلاموني'' ينادي على الركاب القادمة باتجاه مخرج ساحة محطة مصر؛ حيث الموقف الذي اعتاده منذ 15 عامًا، يأتي من الإسكندرية موطنه صباح كل يوم ناقلًا قاصدي ''المحروسة'' ويتوقف بالموقف لينقل قاصدي '' عروس البحر المتوسط''.

لا يجد ''السلاموني'' ضيرًا بالطريق على عكس أقرانه ''السكة عشرة على عشرة، السواقين كلها مش زي بعضها، الحال زي الفل الحمد لله''، وكذلك الركاب ''إحنا أساسًا متعاونين مع الناس وهم كمان متعاونين معانا، الأجرة لو بتزيد 5 جنيه، الناس مبتتكلمش خلاص يبقى مش زعلانين''.

وعلى الرغم مما يعتبره الكثير أن توقف حركة القطارات جاء بالخير على ''عفاريت الأسفلت'' إلا أن ''السلاموني'' نفى ذلك ''الناس بتفضل القَطّر، أنا واحد من الناس كنت بعمل دورين في اليوم والقَطّر شغال، النهاردة بعمل دور واحد والقَطّر واقف''.

وفسر ''السلاموني'' ذلك بأن ''الناس خايفة تمشي معانا، بنادي عليهم ومع ذلك في اللي بيروح، واللي بيسيبها على الله يركب معانا، الناس أصلًا بتخاف من سواقين الميكروباص لأن في مننا مش كويسين، لكن سواقين الميكروباص أغلبهم غلابة، بس هما شكلهم كده هيعملوا إيه''.

38 عامًا عمل فيها ''حمدي'' بموقف ''رمسيس'' لنقل المسافرين بسيارته ''التاكسي''، حتى أصبح من حاملي بطاقة رسمية تثبت عمله تبًعا لمحطة مصر؛ ما أن يبدأ الحديث عن توقف القطارات يسارع الرجل الخمسيني بكلماته ''إحنا مش لاقين ناكل، وقف المحطة وقف حالنا، كنت بشتغل 24 ساعة، النهاردة لما المحطة اتقفلت محدش بيشتغل، أقسم بالله بقالي 4 أيام ممش معايا جنيه''، على حد قوله.

لم ينتظر ''حمدي'' مضي الأيام دون سؤال عن سبب استمرار غلق المحطة؛ فكانت الإجابة ''عشان اكتر الناس اللي بتيجي في المظاهرات بتيجي من الأرياف في القطر''، على حد قوله.

وفي هدوء جلس بصحبة سائقي ''الميكروباص''، وبلهجة ساحلية معروفة عن أبناء الإسكندرية تحدث ''محمد'' عن الحال المخالف لما يعتقد الكثير ''بنشوف صُعبات ياما مش زي ما الناس متخيلة، أن أخذ 30 أو 35 جنيه وأطلع، طب ما أنا بدفع مخالفات وهم ياما ورسوم وقوف هنا وهنا''.

150 جنيه في الشهر حصيلة ما يدفعه ''محمد'' للعمل بمواقف القاهرة والإسكندرية أو ما يعرف بـ''الكارتة''، هذا ما يفسر به ''محمد'' زيادة الأجرة التي يمكن أن تحدث ''طيب أنا هطلع بإيه، ما أنا زي الناس دي لازم أكل ولو في كمبيالة لازم أدفعها، وفي مستلزمات العربية كاوتش وزيت وخبطات، وبيوت مفتوحة''.

أما عن الطريق قال الرجل الثلاثيني ''الطريق معروف للناس بحالها بنقف ونتثبت ونتفتش''، وسرد بعض المواقف التي تعرض لها ''حصل معايا مرتين أخدوا مني 1200 جنيه مرة، ومرة تانية من 3 شهور أخدوا 2000 جنيه، وكانوا هياخدوا العربية، لولا قطمت فيها المفتاح، وعملت واحد غيره كلفني 1200 جنيه''، حسب قوله.

لا تخل كلمات ''محمد'' من الهم وشكوى الحال الذي لم يختلف كثيرًا بالنسبة له مع توقف حركة القطارات ''الناس خايفة تسافر من اللي بيحصل؛ فالشغل يعتبر زي ما هو''، فلم يكتف بالحديث عن واقعه بل ''غيري بيتثبت وبيتاخد عربيته وبيدفع آلاف عشان ترجع، يعني إحنا كمان مضرورين وناس منا بتموت بسبب إيه 70 جنيه في جيبه''، على حد زعمه.

إبلاغ الشرطة وعمل محاضر بما يتعرض له السائقين بالنسبة لـ''محمد'' تقليد لابد منه '' بنعمل محاضر مفيش حاجة بتحصل، لما روحنا في سرقة عربية واحد الضابط قالنا دوروا على عربيتكم فين وأنا أجيبها، هيعمل إيه هيطلع يحارب مع ناس بلطجية''.

 

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة واغتنم الفرصة واكسب 10000 جنيه أسبوعيا، للاشتراكاضغط هنا

الثانويه العامه وأخبار التعليم

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان