''أحمد وعلي ومحمود''.. أطفال لا يعرفون ''طعّم الدِراسة''
كتبت - دعاء الفولي ويسرا سلامة:
وسط الهرج الذي لا يستقر والزحام الذي لا يكاد يهدأ حتى المساء، وأمام سلة كبيرة من ''الجوافة'' وقف ''أحمد'' وصديقه ''علي''، يناديان عليها بـ''الـ3 كيلو بعشرة يا جوافة''؛ أعوامهما الصغيرة لم تمنعهما من العمل في سوق كبير بمنطقة العتبة؛ فهم وإن كانا ''ولاد سوق'' لكن يظلان طفلان يبيعان الفاكهة في الوقت الذي يذهب نظرائهم إلى المدرسة.
''قنا'' و''بني سويف'' هما البلدتان اللتان جاء منهما ''أحمد'' و''علي''؛ أما ''علي''؛ فكلامه القليل وابتسامته التي خرجت على استحياء لم تمنعه من مناوشة الزبائن من حين لآخر على سعر الجوافة ''دوقوها ولو معجبتكوش متشتروش''، عمره لم يتجاوز الحادية عشر ورغم ذلك؛ فهو لا يعود لبني سويف إلا قليلاً في الأعياد وغيرها، وما عدا ذلك فهو يتنقل في ضواحي القاهرة مع أبناء عمه سعيًا وراء الرزق.
رزق ''علي'' لا يتعدى بيع الفواكه الموسمية كالجوافة والبلح وغيرها، ولعل في وجوده بالقاهرة تسلية له عما سيلاقيه عندما يعود لبلدته؛ فهو ''أنا كنت في المدرسة وخرجت، مبحبش أروح''.
المدرسة ليست مكانًا يتمناه ''علي''؛ فضرب المدرسين له ولزملائه، على حد قوله، مرارًا وتكرارًا جعل عدم ذهابه أمرًا محتومًا وليس حال إخوته مختلفًا عنه؛ فهم عدة أشقاء لم يكملوا تعليمهم جميعًا.
حال ''أحمد'' لا يختلف كثيرًا، لكن حبه للسوق أكثر رغم احتفاظه باللهجة الصعيدية ''أنا عندي 14 سنة، وداخل أولى إعدادي، بس أنا شكلي صغير''، كما أنه لا يحب المدرسة أيضًا ولا يرغب في الذهاب؛ فالعودة تعني التعنت معه في التعامل بالإضافة لكونه ''مبتعلمش حاجة في المدرسة''، ورغم هذا فرغبة والده مختلفة عنه؛ حيث يريده أن يكمل تعليمه ولذلك عليه أن يعود لها في عيد الأضحى مرغمًا، على حد قوله، وما يهون عليه الوضع هو ''لما أرجع قنا هشتغل في القصب مع أبويا''.
''الأساتذة بيشرحوا بس أنا السنة اللي فاتت جبت مُلحق''.. قالها ''أحمد'' عن مدرسته، مؤكدًا أن الحال في المنزل يتلخص في أن ''مفيش حد بيراجع معايا حاجة''، لأن إخوته السبعة لم يتعلم منهم أحد.
''معنديش أحلام، عايز ألاقي صنعة بس''.. هي الجملة التي قالها ''أحمد'' إذا ما سألته عما يريد أن يصبح عليه عندما يكبر، وإذا ما ضغطت عليه ستكون الإجابة ''عايز أبقى لعيب كورة زي أبو تريكة وعماد متعب''.
أما ''محمود''، بائع الذرة؛ فأوقات المساء تمر عليه فى تقليب الفحم الساخن لبيع الذرة، لا يعبأ ببداية أول يوم دراسي، لم يدخل المدرسة لأن والده فضل أن يكون له ''صنعة'' يتعلم منها ''لقمة عيش''.
لـ''محمود'' ثمانية أشقاء من البنات والبنين، ثلاثة من الفتيات فقط ملتحقين بالمدارس، وأغلبهم يعمل بالفلاحة مع والده، لا يملك ''محمود'' أحلام كثيرة، لا يحلم بأن يكون لاعب كرة قدم أو نجم سينمائي، فقط الاستمرار في صنعة أفضل؛ فمواسم عمله في السنة تنتقل من الذرة إلى البطاطا إلى ''التين الشوكي''، حسب رزق العام، من بينها يتكسب رزقه ورزق أهله.
يعيش ''محمود'' مع أقاربه من محافظة ''قنا'' بين جنبات القاهرة الكبرى، لا يزعجه سوى مضايقات النهار من بعض رجال الشرطة داخل المربع الصغير الذى يقف فيه بمنطقة العتبة بوسط البلد، يمر يوم ''محمود'' في سحب ''أجولة'' الذرة على قفص خشبي صغير، مع أدوات العمل من ''قفص وفحم وخلافه''.
''نفسي البلد تهدى''.. كانت تلك أمنية ''محمود'' المتعلقة بالسياسة، تمناها منذ أن كان يبيع الذرة المشوي بـ''الاتحادية''، وقت مطالبات المتظاهرين هناك برحيل ''محمد مرسي''؛ إذ كان حينها يكسب الكثير من بيع الذرة في المظاهرات ''كوز الذرة كان بـ3 جنيه''.
''أخويا اتصل بيه وقالي سيب بيع الذرة وتعالى نسافر ليبيا''.. هذا هو المصير الذي ينتظر ''محمود''، وعلى رغم صعوبة مصيره، إلا أنه يعتقد أنه أفضل من الاستمرار في الذرة المشوية ومن الاستمرار في البلد.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة واغتنم الفرصة واكسب 10000 جنيه أسبوعيا، للاشتراك اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: