''جين''.. شاهدة على حُكم ''السادات والعسكر والإخوان''
كتبت - نوريهان سيف الدين:
تميزت بالفخامة والرقي، ويعرفها المقربون بعشقها لـ''الطعمية'' وأغاني ''زكريا الحجاوي''، فتاة مدللة لأب أستاذ في الجامعة وأم إنجليزية، تحدت الجميع لتتزوج بهذا ''الفلاح الأسمر'' الذي يعمل ''ضابطًا صغيرًا'' بالجيش المصري، والتحدي الأكبر لها هو فارق السن وزواجه من سيدة أخرى وإنجابه منها ثلاثة فتيات.
''جيهان صفوت رؤوف''، أو كما اشتهرت بـ''جيهان السادات''، أول سيدة تخرج للأضواء بعد رحيل ملكات مصر ''نازلي و فريدة وناريمان''، وبعد سنوات في الظل عاشتها السيدة ''تحية كاظم'' قرينة الرئيس السابق جمال عبد الناصر، لتأتي ''جين''، كما أحب السادات أن يدللها، وتظهر وهي تفتتح عدة مشروعات خيرية ومجتمعية، وتظهر برفقته في استقبال الوفود الأجنبية الزائرة ''للريس السادات''.
''جيهان'' المولودة في مثل هذا اليوم 29 أغسطس 1933، التقت برفيق عمرها ''محمد أنور السادات'' وهي لا تزال ''صبية'' بعمر الـ15 عامًا، لتقع في حبه وتقرر الارتباط به، ورغم ضيق ذات اليد والمتاعب التي تعرض لها ''أنور'' في بداية حياته، إلا أنها أصرت الصمود معه، لتمر أيامًا عليهما بلا دخل يكفي احتياجهما، وتشاهده وهو يعمل ''في الفاعل'' كما يتعرض للسجن في قضية اغتيال، قبل أن يعود للجيش من جديد، وتقوم ''ثورة 23 يوليو'' ويتغير مثار الأحداث ليصبح ''أنور و رفاقه'' بين عشية وضحاها على سدة الحكم.
''لبنى ونهى وجيهان وجمال'' هم ثمار زواج بدأ عام 29 مايو 1949، واستمر أكثر من 32 عامًا، إلى جانب كون السادات متزوجًا من السيدة ''إقبال ماضي'' وإنجابه لبناته الثلاثة السيدات ''رقية وراوية وكاميليا''، لكن ''جين'' ذات الأصول الإنجليزية قررت أن تغير من سمة السيدة المصرية، ومنحتها الصحافة لقب ''سيدة مصر الأولى''، وظهرت بجانب رؤساء العالم وأشهرهم ''الأمريكي كارتر''.
''مشروع تنظيم الأسرة'' و''جمعية الوفاء والأمل'' هي أبرز ما يتذكره الشعب المصري من إنجازات تلك السيدة لرعاية الأسرة وذوي الاحتياجات الخاصة، وعند ظهورها بعد أحداث ثورة 25 يناير، تشكوا إهمال المسئولين لتلك الجمعية العريقة وتدهور حالها، كما تشكوا تنكر''نظام مبارك'' لها وأن المعاش المخصص للسادات لم يكفيهم، إلا أنها صممت بكبرياء ألا تطلب من أحد أو تطرق أبواب المسئولين، وأن تكتفي بعملها وعمل أبنائها.
''قانون جيهان''.. لا زال الشارع المصري يذكر كيف سعت تلك السيدة لتعديل بعض بنود قانون الأحوال الشخصية الخاص بالمرأة والطلاق، ولعلها كانت الصرخة التي أطلقتها الكاتبة''حسن شاه'' في ذلك الوقت من خطابات ''أريد حلاً'' لسيدات تعذبن أمام ساحات القضاء يطالبن بالطلاق، ليخرج بعدها أيضًا فيلمًا سينمائيًا بنفس العنوان ''أريد حلاً''، ويساهم بشكل كبير في تعديل ذلك القانون.
شهادات أكاديمية عديدة حصلت عليها ''السيدة جيهان السادات''،''بكالوريوس في الأدب العربي'' من جامعة القاهرة عام 1977، و''ماجيستير في الأدب المقارن'' من نفس الجامعة عام 1986، وأشرفت عليها الأديبة والمفكرة الكبيرة ''الدكتورة سهير القلماوي'' أثناء إعدادها رسالة ''الدكتوراة'' لتحصل عليها من ''جامعة القاهرة العريقة''.
وتعمل بعدها عضوة بهيئة التدريس كـ''أستاذ زائر'' ومُحاضرة، قبل أن تنتقل لتحاضر في إحدى الجامعات الأمريكية، وفي طريقها تحصل على شهادات زمالة و''الدكتوراة الفخرية'' لأكثر من 20 مرة من جامعات مصرية وأجنبية، وتحصل أيضًا على عديد من الجوائز و التكريمات في مجال الخدمات العامة والإنسانية للمرأة والطفل، إلى جانب''جائزة المسيح الدولية للسلام'' عام 1993.
كانت هي الشاهد على أحداث عظام مرت بمصر بدءً من ''23 يوليو''، مرورًا بزوال الملكية وسيادة الحكم العسكري لمصر و''أزمة مارس''، وصدام ''عبد الناصر'' أمام ''الإخوان المسلمين''، ثم اتهامه لهم بمحاولة تصفيته في ''ميدان المنشية'' بالإسكندرية وجر أرجل الرئيس السابق ''اللواء نجيب'' لهذا الاتهام.
لينتهي الحال باعتقال وتصفية كوادر الإخوان وتحديد إقامة ''اللواء نجيب'' بعد عزله من منصبه كرئيس للجمهورية، ثم أحداث العدوان الثلاثي والنكسة، ورحيل ''ناصر'' واختيار نائب الرئيس حينها ''زوجها السادات'' ليصبح رئيسًا للجمهورية، وبداية ''حرب الاستنزاف'' تمهيدًا لـ''حرب أكتوبر''.
''الجماعات الإسلامية'' كانت إحدى أدوات ''السادات'' للسيطرة على طيف واسع من أطياف الشارع المصري، بعد أن لمس قوتهم ومدى تأثيرهم داخل الحرم الجامعي، وعقد ''السادات'' معهم صفقة لتصحيح مسار السياسة والعمل الحزبي في مصر بعد ''حرب 1973''، وبناء عليه يخرج كوادر الإخوان، وبعض أفراد الجماعات السلامية من المعتقلات وعلى رأسهم ''المرشد عمر التلمساني''.
إلا أن هذه الوفاق لم يستمر كثيرًا بعد ''معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية''، ليتحالف ''الإخوان و الشيوعيين''، وتبلغ الأحداث ذروتها حتى يضطر ''السادات''، لإصدار قوائم ''اعتقالات سبتمبر 1981''، وتأتي النهاية مع طلقات ''الإسلامبولي والزمر'' أثناء العرض العسكري في احتفالات ذكرى النصر، ويصرع ''السادات'' أمام أعين زوجته، لتنتهي معه صفحة هامة من صفحات تاريخ مصر، تسجلها ''جيهان'' في مذكراتها بعنوان ''سيدة من مصر''.
فيديو قد يعجبك: