إعلان

''آل حمدون''.. 60 عامًا وسط المقابر ''إحنا ولِّفنا على الحياة هنا''

11:36 ص الثلاثاء 26 نوفمبر 2013

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت - دعاء الفولي ويسرا سلامة:

لم يكن يفصلها عن ازدحام القاهرة شيئًا سوى أن قدسية الموت تحلق حولها؛ فبعد خطوات قليلة من السير داخل منطقة مقابر السيدة نفيسة تظهر أمارات الحياة وإن كانت قليلة، طفل يلعب، سيدتان تسيران بتؤدة تتبادلان الأحاديث، رجل يجلس على حافة ''مصطبة'' بجانب بيته، أو للدقة ''الحوش'' الذي يسكن به.

جلباب رمادي اللون وعمامة على الرأس، لغة صعيدية لا تخطئها أذن، ترحيب يبدأ بمجرد دخول باب ''الحوش''، ''محمد حمدون'' ذو السبعين عامًا، يقطن مع زوجته وابنته ''أم زياد'' بمنطقة المقابر، دستوره في الحياة هو العمل ثم يأتي أي شيء عقب ذلك.

تعتبر سوهاج مسقط رأس ''حمدون''؛ فيها ولد وعاش بضعة أعوام قبل انتقاله لصخب القاهرة وسكنه مع أسرته ''إحنا هنا من أيام جمال عبد الناصر، وقبله، وأنا صغير شُفت الموكب بتاع الملك فاروق كان معدي قريب من هنا ناحية السيدة زينب''.

تفاصيل منطقة المقابر؛ حيث يسكن ''حمدون'' لم تتغير كثيرًا، ولكن ما تغير من وجهة نظره ''أخلاق الناس، كان فيه احترام''؛ حيث يرى أن السياسة هي ما أفسدت الأخلاق ''اللي بيقتل واحد ده يقتل ليه، حسني مبارك ومرسي مشيوا مش مشكلة، بس إحنا ذنبنا إيه نموت في الوسط''.

''تبّاع'' على سيارة لنقل الطوب والأسمنت وحارس عقار وعامل بالأجرة، ومهن أخرى عمل بها الرجل السبعيني لا يتذكرها ''المهم يكونفي شغل وخلاص''، السعي على الرزق هو ما يشغله كل يوم ''السياسة مش هتأكل عيالنا''، على حد قوله.

رغم توافر متطلبات الحياة داخل سكن ''حمدون'' من مياه وكهرباء، إلا أن المنطقة لا تخلُ من أعمال البلطجة، وإن لم تكن كثيرة ''مفيش حتة مفيهاش بلطجية في البلد، حتى الصعيد كان زمان مفيهوش حاجة، دلوقتي مليان بلطجة وخطف''.

تعاقب الحكومات والرؤساء لم يغير معيشة ''حمدون'' في شيء، التسهيلات التي وعد بها مرشحي مجلس الشعب، ومرشحي الرئاسة لسكان المقابر لم تحدث، ولم يشعر بها الرجل السبعيني ''من يوم ثورة يوليو وإحنا هنا، حكومات تيجي وحكومات تروح وإحنا زي ما إحنا''، وهذا ما جعله يعمل يومًا بيوم حتى الآن ''عشان أربي كوم اللحم اللي ورايا''.

في نفس ''الحوش'' كانت ''أم زياد'' ابنة ''حمدون'' تنشغل بإعداد طعام الغذاء لأولادها، تدبر أمرها كأي سيدة مصرية، وسط لهو ثلاثة أطفال بعمر البراعم ''زياد ومراد وإسراء''؛ يلهون حولها بعد انتهاء يومهم الدراسي، لا يجدون وسائل للتسلية إلا في الرمال وأدوات المنزل البسيطة.

''أم زياد''، لم يتجاوز عمرها الثلاثين عامًا، تعيش مع زوجها وأطفالها الثلاثة فى غرفة بمنطقة المدابغ بعين الصيرة، لكنها تفضل أن تقضى أغلب وقتها فى النهار مع والدها المسن بمنطقة مقابر السيدة نفسية ''ريحة المدابغ صعب جدًا استحملها أنا والعيال''.

''إحنا ولِّفنا على الحياة هنا''، بتلك الكلمات وصفت ''أم زياد'' حياتها وسط الأموات، فقد ولدت في ذات المكان وعاشت به حتى بعد زواجها مع والدها ووالدتها وشقيقها بين غرفتين مجاورتين لـ''حوش'' كبير بأحد المدافن.

كانت السيدة الثلاثينية في صغرها تخشى الدخول إلى حوش القبور الملحق بمنزلهم، ومع الاعتياد لم تعد تخشى المكوث بين جنبات المقابر، لا تعبأ ''أم زياد'' كثيرًا بتفاصيل السياسة، لا يشغل بالها مواد الدستور التي تناقش على شاشات التليفزيون، رغم متابعتها بعض برامج السياسة واهتمامها بالأوضاع ''عشان البلد تهدى''.

''للأسف كل واحد بيجي، بيجيب اللي تبعه عشان يخدم مصالحهم''، هكذا عبرت ''أم زياد'' عن رأيها في السلطة؛ فعدم إكمالها التعليم لم يبعدها عما يحدث في الشارع لكنها؛ فهي تحزن لكل هذا العدد الذي يموت من المصريين، متمنية أن ''كل واحد يعمل اللي عليه''، لأنها لم تشاهد أي مسؤول سياسي أو حكومي طوال مكوثها بالمقابر، للسؤال عن احتياجاتهم أو مطالبهم.

قضت ''أم زياد'' العيد هذا العام مثل سابقه، وسط أولادها وأهلها، دون ملابس عيد أو نزهة؛ فضيق ذات اليد قيدها هي وزوجها ''الأرزقي'' الذي يبيع الدجاج لسد حاجة بيتها، لا تتمنى ''أم زياد'' سوى تربية أولادها وتعليمهم ليكونوا صالحين.

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان