'' موراكمي '' .. عندما يبحث الفن عن ذاته
الدوحة – محمد فتحي :
على مقربة من المتحف الفني الإسلامي وتحديدا في قاعة لا تخل من الجمال المعماري كعادة أبنية متاحف الدوحة وهي '' الرواق '' يقبع معرض فني يبحث عن '' الأنا '' يجذبك منذ الوهلة الأولى مجسم ضخم بارتفاع ستة أمتار لرجل آسيوي الملامح يتربع على بساط مزركش بالزهور، يضع كفه اليسرى على ركبته ويمد الكف الأخرى مبسوطة باتجاهك متكئة على ركبته اليسرى.
اقترابك من الرجل وتمعنك في نظرات عينيه وتعابير وجهه وبعض الكدمات الزرقاء على جسده، تجعلك تظن فعليا أنه إنسي حقيقي عملاق، قرر الجلوس هنا.
لا بد أن تدور حول المجسم الضخم تكرارا لتتمعن الدقة والإتقان الشديدين اللذين أنجز بفضلهما هذا العمل الفني، بقصد إثارة الدهشة عند زائر معرض الفنان الياباني تاكاشي موراكامي الذي تستضيفه .
معرض بهيج تطغى عليه الروح الطفولية، وتشكيلات الزهور الربيعية بألوانها الفاقعة، كما أن محتوياته أشبه بقطع صممها الفنان لتكون جزءا من مدينة ترفيهية للأولاد على الطريقة الأميركية، لكن نبضها وروحها وشخصياتها كلها يابانية.
كل شيء يصلح لتصنيعه وتحويله عند موراكامي إلى مادة ترفيهية، بما في ذلك مجسم معدني بملامح طريفة لبوذا المنتصب في المعرض على قاعدة كبيرة مضاءة تجعل من الصعب تصور مكانته الروحانية في شرق آسيا.
في الصالة الشاسعة التي نجد فيها بوذا نرى خيمة كبيرة مثل خيام السيرك بداخلها يتمدد المتفرج على فرش وثيرة مصنوعة من زهور موراكامي المحشوة التي تسمح بالاسترخاء بينما تعرض شاشة مقاطع من الأفلام القصيرة المتحركة لهذا الفنان. موراكامي، كما يكتشف الزائر، يجمع بين الرسم وصناعة المجسمات، وابتكار الأفلام.
الإيجو
تحت عنوان '' الذات '' أو '' الإيغو '' وعلى مساحة 2300 متر مربع، سبعون قطعة فنية تعرض حاليا في الرواق لموراكامي، آتية من أنحاء مختلفة في العالم، وبعضها نفذ خصيصا للمعرض. وهو الأول لهذا الفنان الياباني في العالم العربي بعد أن لقي معرضاه الأخيران في '' متحف الفن المعاصر '' في لوس أنجليس ، وفي '' قصر فرساي '' في فرنسا، صدى واسعا.
موراكامي الولوع بالحداثة، حتى الثمالة، وبالتراث الياباني، حد التخصص ونيل دكتوراه في أسراره وخباياه، نجح في توليف معرض قائم على فكرة الترفيه وفن الرسوم المتحركة المعجونة بشخصيات طالعة من قلب حضارته وتاريخه.
أن يسمي معرضه '' الذات '' أو '' الأنا '' لا يعني أن المعروضات تدور حول شخص موراكامي، وإن كان بعضها يبدو كذلك، فالمزاج الآسيوي ليس فرديا، وحين يقرر موراكامي استبطان «الأنا» تبدو أناه يابانية، شعبية، تعود إلى ذاكرته الجماعية بما فيها من ألوان ومفاهيم وحتى أساطير نائمة.
في إحدى القاعات نلتقي بالشخصيتين '' كاكاي '' و '' كيكي '' إحداهما تمثل الخير، والأخرى الشر الذي لا ينذر بخطر كبير. وهما شخصيتان ابتكرهما واستخدمهما موراكامي في لوحات تبدو أقرب إلى ورق الهدايا، كما نجدهما في أحد أفلامه القصيرة.
شخصيات هذا الفنان الياباني التي ابتكرها كثيرة، أطرفها ربما كلبه '' بوم '' الذي يجسد نفسه معه في إحدى صالات العرض على طريقة أبطال الرسوم المتحركة، المعرض حداثي جدا صناعي ترفيهي، لكن اليابان حاضرة فيه بحيواناتها، وروبوتاتها كما شهوتها العارمة لمعانقة المستقبل دون أن تتخلى عن الماضي.
وربما لهذا فإن بطلة المعرض هي الزهرة التي صنع منها موراكامي عشرات الأشكال بألوان جذابة، وحاكها في كرات، ومساند، وبروشات لتزيين الصدور، كما جعل منها لوحات وستائر وسجادا. اليابانيون يعشقون الطبيعة ويفخرون بأنهم ينسجمون معها، وربما هذا ما أراد أن يقوله موراكامي حتى وهو يرسم لوحات فيها آلاف الجماجم الصغيرة الملونة بألوان الزهور الخصبة.
ويقول موراكامي إنه متأثر برامبرنت وفرنسيس بيكون، وغربيين آخرين، لكنه في الوقت نفسه، يعتبر أن العمل الفردي الصغير لم يكن ليساعده على إنتاج كبير، متعدد وغزير، وأن تأسيس شركة لها فروع في العالم ويعمل بها عشرات المساعدين ساعده على تحقيق الكثير مما يحلم به في وقت قياسي.
وينهي معرض (موراكامي - الذات) الفصل الأخير من سلسلة معارض موراكامي بعد معرضه في متحف الفن المعاصر في مدينة لوس انجيليس الأمريكية وقصر فرساي في فرنسا.
ويعد الفنان تاكاشي موراكامي من أروع الفنانين في الوقت الحاضر. وقد تم اختيار السيد ماسيميلينو جيوني من المتحف الجديد للفن المعاصر في نيويورك ليكون القائم على هذا المعرض، ويشمل المعرض أكثر من ستين عملاً منذ سنة 1997 إلى يومنا هذا وتتضمن أعمالا معارة من مؤسسات دولية رائدة ومجموعات خاصة فضلاً عن العديد من الأعمال الفنية الجديدة المصممة خصيصاً لهذا المعرض.
ويعتبر (موراكامي – الذات) جزءا من سلسة من المبادرات الثقافية المنظمة من قبل هيئة متاحف قطر لتعزيز ودعم المشهد الفني في قطر، وتشجيع الحوار ما بين الفنانين، وبناء جسور المحبة ما بين الشعوب والثقافات.
اقرأ أيضا :
جوجل تعلن انطلاق مشروع الفنون عبر متحفي الفن الإسلامي والحديث بالدوحة
فيديو قد يعجبك: