مصراوي يقتحم عالم "الخبيطة": رقص وموسيقى ومخدرات تحولك لـ"زومبي"
فتيات وشباب ينتشون بـ"هرمون السعادة" وموسيقي "التكنوهاوس"
كتبت- مي محمد:
مع دقات الساعة الثانية صباحًا، بدأ عشرات الشباب والفتيات التوافد على ملهى ليلي بمنطقة وسط البلد بالقاهرة، جُهزت قاعته لتبدو تماما كـ"وكر مصاصي الدماء" في الأفلام الأمريكية، ظلام دامس لا يقطعه سوى ضوء خافت يثير الرعب في النفوس أكثر مما يكشف من معالم المكان. وفجأة، علت أصوات موسيقى غريبة، وتوجهت شابة ترتدي نظارة سوداء، بخطوات متثاقلة إلى مكبرات الصوت الخاصة بـ"الدي جي"، طوقتها بذراعيها، وألصقت أذنها بها، وأغمضت عينيها وغاصت في عالمها الخاص.
شيري: سعر البيلا (الحبوب المخدرة) 700 جنيه جوا الحفلة وبرا بـ250 جنيها
"موسيقى التكنوهاوس"، هي ما كان يسمعه الشباب بشغف لدرجة أنهم يحتضنون مكبرات الصوت، بعضهم كان يكتفي بالسماع ويقول إنه ينتشي بذلك وهؤلاء يطلق عليهم "الخبيطة"، فيما كانت الأغلبية تتعاطى حبوب الـ"بيلات، أو الإكستاسي (هرمون السعادة)، أو الإستروكس"، لمساعدتهم على الاندماج مع الموسيقى ومن ثم الانتشاء، وهؤلاء يطلقون عليهم "البليعة".
الدخول بـ"الفيس بوك"
لحضور حفلات "الخبيطة والبليعة" أو "الزومبي" - كما يسمون أنفسهم-، شرط وحيد، وهو الحجز عبر صفحتك الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك".
وعبر صفحات معينة على "فيس بوك وإنستجرام"، يعلن منسقو الحفلات عن مكان وموعد فعالياتهم الجديدة، لتبدأ تحركات الشباب للاشتراك بواسطة صفحاتهم على "الفيس"، ويحدد المسئول عن التنظيم ما إذا كان صاحب الطلب يرتقي لمستوي الحفلة أم لا؟ وفور التأكد من هوية صاحب الحساب الالكتروني، يرحبون بك في "عالم الزومبي".
حفلة الزومبي
في الساعة الـ11 مساء، وصلت محررة مصراوي إلى مكان الحفلة، لتمر عبر تفتيش أولي من قبل حارس (بودي جارد) للتأكد من عدم وجود مشروبات أو مأكولات، للسماح لنا بالدخول لاستقبال الملهى.
في الاستقبال، تأكد موظفو الملهى من هويتنا واشتراكنا في الحفلة عبر الاطلاع على الأسماء، وبعدها طلب منا تسديد 350 جنيها قيمة الاشتراك.
تقول "مي"، مرافقة معتادة على حضور هذه الحفلات: هذا أقل سعر للدخول، فالسعر يصل أحيانا لـ1500 جنيه، وفي مناسبات مثل الكريسماس يرتفع لـ3 آلاف.
بمجرد تسديد الاشتراك، بادر العاملون في الملهى بدق أختام على يدنا، لتصبح بمثابة تذكرة الدخول.
مع دقة الساعة الثانية صباحا، بدأت الحفلة الصاخبة في قاعة الملهى الليلي، والتي تستمر في العادة حتى الخامسة والنصف صباحا. وهو حفل "بداية السهرة" وربما لا يكتفي البعض به.
تتعالى نغمات موسيقى "الهاوس" التي يديرها في العادة مجموعة معروفة من الـ"دي جي" يتناوبون على الحفلات التي تتم الدعوة لها بناء على أسمائهم. يتمايل الراقصون تماما كما يفعل الزومبي (الموتى الأحياء في الأفلام الأمريكية)، يصرخون كالغرقى في بحر الموسيقى والمخدرات.
ظلام دامس في القاعة، وإضاءة خافتة تكفي بالكاد لتتلمس طريقك بين عشرات الأجساد المنتشية بالمخدرات والموسيقى الصاخبة. وبدا واضحا أن هناك نمط مميز لزيهم، حيث يرتدي الشباب الكابات والباندات وأقنعة بيضاء، حتى أن بعضهم يضع قناعين أمامي وخلفي لتحتار في معرفة أيهما وجهه أو ظهره. فيما تحرص الفتيات على ارتداء جوانتي فسفوري أو نضارة فسفورية أو حمل مروحة بلون مميز. يقول مصطفى، أحد الشباب: "لكل خبيط بصمة خاصة في زيه، ليسهل التعرف عليه في الظلام، شاهيناز مثلا معرفة بماسك الوجه البرتقالي".
"مونيكا"، فتاة تعشق موسيقى "الهاوس"، ولا تتناول أي مخدر أو حتى خمور، تقول: استمتع بها وأرقص عليها، مضيفة "البليعة بيشربوا كل حاجة إلا الحشيش بالنسبة لهم زي الشمس لمصاصي الدماء يفصلهم عن الدماغ اللي عاملينها".
مونيكا: "البليعة بيشربوا كل حاجة إلا الحشيش بالنسبة لهم زي الشمس لمصاصي الدماء يفصلهم عن الدماغ اللي عاملينها"
"الكارثه مش في البيلات بس، ده في اختراعات تانيه زي الكيتامين" تقولها مونيكا، مضيفة: "أصحابي لما بيشربوا بينسوني، وبيبقوا مش عارفين هم مين ولا فين، وبنسمي البليع زومبي، لأنه أثناء الرقص يدخل في غيبوبة، وبعد 10 دقائق يستيقظ مرة أخرى ويكمل الرقص".
يفرق "مهند" بين الخبيطة والبليعة قائلا: "معظم البليعة بيضربوا كل حاجه لأنهم بيحبوا يجربوا الجديد، أغلبهم في سن المراهقة ومندفعين في تصرفاتهم، أعمارهم لا تتجاوز 23 عامًا، وقليل منهم يتخطون الـ 35 عاما.
يقول الشاب إنه في عقده الثالث ويكره المخدرات، والموسيقي وحدها تجعله يصل إلى أعلى درجات السعادة "أنا بعمل دماغ مزيكا".
ومخدر "الإكستاسي"، أو هرمون السعادة كما يسمونه، هو أحد أهم "البيلات" التي يتعاطونها، وهو يجعل متعاطيه في نشاط مستمر لـ10 ساعات متواصلة، ويمده بطاقة كبيرة.
وكشفت تقارير صادرة عن منظمة الأمم المتحدة في الأعوام العشرة الماضية أن أقراص "الإكستاسى"، انتشرت بنسبة كبيرة في المجتمعات العربية، ويدمنه الشباب لأنه يسبب نشاط هستيري، ونشوة، ويمنحهم شعورا باليقظة والتنبه ويثير مشاعر الفرحة والسعادة، لكنه يسبب اضطرابات قلبية وتشنجات وارتفاعا في درجة الحرارة وتجلط في الدم وجفاف، وقد يؤدي إلى سكتة قلبية لمتعاطيه.
كما يؤدي إلى تغيرات خطيرة في كيمياء المخ والهلاوس السمعية والبصرية والحسية، ويتسبب في تدمير خلايا المخ، وخلل في الذاكرة والتسمم، إلا أنه ينزع النزوات العدوانية من متعاطيه.
ساعة الشيطان
الـ3 صباحًا، أو "ساعة الشيطان" وفق تعبير فتاة من الخبيطة، هي وقت الذروة، ترتفع حدة نغمات الموسيقي، وتزداد نشوة الراقصين.
"حضن الشباب للسماعات" ليس أمرا غريبا في هذا المكان، فكل دقيقة يقترب أحدهم منها ويضع أذنه عليها وهو يتمايل بنشوة. إلا أن الاهتمام سرعان ما انصرف عن السماعات الصاخبة، عندما دخل شاب يرتدي بنطالا مقطعا يكشف عن ساقيه، ويضع نضارة سوداء، و"بندانة" متعددة الألوان، تجمع حوله الشباب الذين بدا واضحا أنه يعرفهم بالاسم.
همست "شيري"، إحدى الفتيات في إذني: "ده ديلر لهرمون السعادة ولكل حاجة"، مضيفة: هو معروف هنا، الناس اللي بتبلع عارفة تجيب منين، وسعر البيلا (حبوب مخدرة للبلع مثل اكستاسي) 700 جنيه جوا الحفلة برا بـ250 جنيها، وأخر حاجه في الـ"ال سي دي" بتوصل لـ1000 جنيه او اكتر وبنسميها "البابا".
وحذرتنا من تجربة شراء حبوب منه، "مش هايرضي يبعهالك هتحصل مشكلة متروحيش"، مؤكدة أن "الخبيطة والبليعة" يعرفون بعضهم ولا يبيعون المخدرات للغريب عن عالمهم المظلم.
"في خبيطة بيبلعوا هرمون السعادة لأنه بيخليهم يعيشوا في عالم تاني خالص هم والمزيكا بيحسوا كأنهم طايرين"، قالتها "شيري"، مضيفة: "بنبلع مخدر "إلاكستاسي" (هرمون السعادة)، في مناسبات محددة مثل حفلات الرقص التي نقيمها في الملاهي الليلية، لأنه يمنحنا طاقة خارقة".
وتابعت الفتاة: "الحفلة بتبقي 5 ساعات وفي حفلات بتقعد 12 ساعة، والدي جي دول إحنا بنحبهم، لازم نبلع عشان نقدر نكمل ومنقعش في النص".
ويطلق "البليعة" على من يصل منهم لمنطقة النشوة اسم "ايفوريا هايبر"، ويعني أنه المتعاطي وصل لأعلى درجة من درجات الطاقة في الرقص وبذل مجهودًا لا يمكن فعله بدون التعاطي، مثل أن يواصل الرقص لأكثر من 12 ساعة.
طبقًا للتقرير السنوي 2017 لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة التابع لمنظمة الأمم المتحدة الذي يقدر عدد الوفيات المتصلة بالمخدرات في عام 2014 بـ 207400 حالة وفاة، أي ما يعادل 43,5 حالة وفاة لكل مليون شخص ممن تتراوح أعمارهم بين 15 و64 عامًا.
غرفة الإفاقة
"ضربنا البيلات يلا نلبس النضارات وندخل جوا السمعات".. صرخ شاب عشريني يرتدي قناعا أبيض، لتتعالى بعدها صرخات الراقصين ليتحول المكان فجأة إلى "عالم الزومبي".
ساعة كاملة من الرقص المتواصل، تمايلوا وصرخوا، قبل أن يتوقف شابان وفتاتان فجأة لتناول سيجارتين من مخدر الإستروكس، لم يتعدى حجم الواحدة عقلتي الأصبع، تناوبوا على تعاطيها حتى سقطت فتاة منهم على الأرض، دون أن يلتفت إليها أصدقاؤها لشدة نشوتهم وغيابهم عن الوعي.
"أصحابي لما بيشربوا بينسوني.. وبنسمي البليع زومبي لأنه يدخل في غيبوبة وبعد 10 دقائق يستيقظ ويكمل الرقص"
حمل شابان آخران، الفتاه التي لم تبلغ الـ20 عاما، ووضعاها في غرفة يطلقون عليها "غرفة الإفاقة"، وهي "زاوية في مدخل الملهى" يمر بها كل من يريد الدخول أو الخروج.
افترش 10 شباب وفتيات أرضية "غرفة الإفاقة"، لم يستطع أي منهم رفع رأسه، منهم من يهذي ومنهم من يضحك ومن فقد وعيه، تعثرت بجسد أحدهم دون أن أراه بسبب الظلام، ورغم ضغطي على قدمه إلا أنه لم يشعر بأي ألم.
"نور" تنضم لقطيع الزومبي
"نور"، فتاة لم تبلغ الحادية والعشرين من عمرها، حضرت الحفلة للمرة الأولى، "قررت انضم لقطيع الزومبي وأجرب البيلا".
الفتاة صاحبة البنيان الضعيف تحدثت لنا بصعوبة بالغة، وهي تجاهد لالتقاط أنفاسها لتعاطيها حبة كاملة من "الإكستاسي". كانت تجز على أسنانها بقوة، وتكاد تسقط في كل خطوة تمشيها، فيما سندها صديقها الذي أدخلها هذا العالم المظلم، وهو شاب يكبرها بـ10 أعوام على الأقل.
وصلت نور أخيرًا إلى بوابة الخروج ومنها للطريق العام بالحي العتيق، اتكأت على سيارة فارهة في محاولة لاستعادة التحكم في جسدها الضعيف، "مش قادرة، فكي بيوجعني جدًا ومش عارفة أمسك نفسي".
نصحها صديقها بمحاولة الاسترخاء قدر المستطاع، لتتساقط جفونها رغما عنها، وهي تتمتم: "بلعت بيلا أخدت نص معملش حاجه فأخدت نص تاني ودي أول مرة أبلع، وحاسة إن عنيا بتحول"، قاطعها صديقها وهو يناولها الماء "هي كده البيلات ودي أعراضها ولازم تلبسي نضارة". وبدأ يمط شفتيه لا إراديًا ليحاول ابتلاع ريقه بشق الأنفس.
علق مهاب، شاب ثلاثيني، على حالة الفتاة "كان لازم تاخدي نص بس، واحدة أول مرة كتير". فيما جلست صديقته سارة تضحك متذكرة أول مرة تناولت فيها مخدر "الاستروكس": "كانت السنة اللي فاتت وكان عندي 21 سنة، رحت في عالم آخر لمدة ربع ساعة، وكأني على جزيرة يطاردني أشباح". وأضافت: "كنت حاسة إني بموت من الرعب".
"حفلة الأفترة"
في الخامسة والنصف صباحا، تنتهي حفلة الملهى الليلي، لكن هذا لا يعني انتهاء السهرة للبعض، فسرعان ما يُجمع الشباب بعضهم للبدء في حفلة جديدة.
تقول ندى، وهي "خبيطة": "إحنا في طريقنا إلى فيلا خاصة لنكمل السهرة، ودي اسمها "حفلة الأفترة" وتنتهي في الـ12 ظهرًا.
وبحسب الفتاة العشرينية، بعد انتهاء حفلة الملهى تجمع كل شلة نفسها وتتوجه إلى فيلا خاصة بأحدهم، في مناطق التجمع والمعادي.
تبرر "ندى" اندماجها في عالم الزومبي قائلة: "إحنا بنخبط مزيكا ومش بنبلع وده فرق كبير"، مرجعة سبب تسميتهم إلى هذا الاسم لطبيعة الموسيقي التي يعشقونها، "بنحس إنها بتخبط في دماغنا وبنخبط عليها بأجسامنا".
تقول الفتاة: في حفلة الأفترة، نرقص على نغمات "الهاوس" حتى نسقط في النوم، مضيفة أن "البليعة" يواصلون تعاطي "الإكستاسي"، و"الكيتامين"، مشيرة إلى أنهم يضعون "الكيتامين" السائل في إناء، ويوقدون النار عليه حتى يتحول إلى بدرة فيشمونها على طريقة الهروين.
المشهد الختامي.. السقوط في النوم
عادةً ما تنتهي "حفلة الأفترة"، بمشهد واحد، "الكل بيسقط في النوم، بينام في أي مكان على (البول) حمام السباحة، أو الأرض"، وفق "ندى"، التي أكدت أن بعضهم يستيقظ لبدء الدورة نفسها من جديد، بالذهاب لحفلة الملهى ثم "الأفترة".
وقالت إن هؤلاء يستخدمون مخدر الإستروكس كـ"تدوينة"، أي وسيلة مساعدة لتحفيز المخدرات الأخرى التي يتعاطونها مثل "الإكستاسي والكيتامين".
وأرجع دكتور جمال فرويز، أستاذ الطب النفسي وأمراض المخ والأعصاب، السبب وراء هذه الظاهرة إلى الفراغ الوقتي والعاطفي ووجود فجوة بينهم وبين آبائهم في التفكير".
وأكد: "عندي حالات كتير لشباب يتعاطى هذه الأنواع من المخدرات لأنها بتجعلهم أجرأ وأعنف"، مضيفًا: "أحد هؤلاء الشباب قالي أنا عارف إني هاموت بسبب المخدرات، يا إما هاموت بسبب اللي بعمله وأنا شارب".
فيديو قد يعجبك: