لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"الوجود الشرفي أم رصاصة الرحمة".. ماذا تنتظر الصحافة الورقية في مصر؟

04:33 م السبت 22 أبريل 2017

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت – مها صلاح الدين:

تواجه الصحافة الورقية فى مصر، محنة، هى الأصعب فى تاريخها الذى بدأ قبل أكثر من 200 عام، إذ تراجعت أعداد توزيع الصحف إلى أقل من 400 ألف نسخة يوميا، بعد أن شهدت صعودا تاريخيا فى عام ثورة 25 يناير 2011، عندما اقتربت وقتها من حاجز المليونى نسخة يوميا، منها 600 ألف تقريبا لصحيفة "المصرى اليوم".

قبل الثورة، كان عدد "أهرام الجمعة" و"أخبار اليوم- السبت" يتجاوز بكثير رقم النصف مليون نسخة، بل إن جريدة "أخبار الحوادث" الأسبوعية المتخصصة، كانت تحقق رقم الـ 400 ألف نسخة.

ومنذ العام 2013، بدأت موجات الهبوط السريع. وحصل "مصراوي" على أرقام التوزيع الحقيقية لأهم الصحف المصرية، وننشرها في الجدول التالي:

لم ينكر مجدي الحفناوي خبير التوزيع، ومدير عام إدارة التوزيع فى "المصري اليوم"، هذا الواقع، حيث أوضح أن 75% من توزيع الصحافة الورقية في مصر تقتصر على "الأهرام والأخبار والمصري اليوم"، والـ 25% الأخرى تتوزع بين بقية الصحف.

ووفقا لقول الحفناوي: "منذ العام 2013.. القارئ مبقاش بيشوف حاجة قوية تهمه".

** جراف مقارنة حجم توزيع الصحف منذ عام 2011 حتى عام 2015 – الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء 

"الخبر بييجي منتهي وميت" هكذا يرى الحفناوي، مبررا انصراف القراء عن الصحف الورقية بعد أن أصبحت تأتيهم الأخبار في التو واللحظة، عبر المواقع الإلكترونية، وبرامج التوك شو قبل صدور الجريدة بـ 10 ساعات، وهو ما يجعل القارئ يتساءل عن جدوى شراء الجريدة التى لم تعد تقدم أي جديد، في ظل توافر خدمة تقدم له الخبر بالمجان.

وهو ما يتفق مع نتيجة استبيان صغير أجراه "مصراوي" عبر الجانبين الإلكتروني والميداني، تتضح نتائجه في الإنفوجرافيك التالي:

يستكمل الحفناوي حديثه قائلا "ناهيك عن غياب المادة القوية، ما جعل الجرائد الورقية تتشابه مع بعضها البعض من حيث غياب المهنية والمصداقية، حتى وإن تغيرت تصنيفاتها، بين القومية والحزبية والخاصة".

"كل الجرايد عايزة تطلع وخلاص مافيش حد بيشتغل علشان المهنة"، هكذا يلقي خبير التوزيع أسباب القصور على الصحف نفسها، التي لا تقدم محتوى مختلفا يهم القارئ، متوقعا الاستمرار الشرفي للصحف الورقية مرجحا بقاء جريدة واحدة حكومية، وجريدة واحدة خاصة بعد بضع سنوات إن استطاعوا الصمود.

ووفقا لآخر إحصائية أجراها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في 2015، يبلغ عدد الدوريات التي تصدرها المؤسسات الصحفية الثمانية المملوكة للدولة، 56 صحيفة، ويبلغ عدد الدوريات المملوكة للقطاع الخاص 84 صحيفة، بينما يبلغ عدد الدوريات المملوكة للأحزاب 3 صحف. وهي الأعداد التي تقلصت الآن.

لم يخالف المدير الفني لجريدة الأخبار، حاتم محمود، "الحفناوي" في الرأى مؤكدا أنه من غير المنطقي أن يشتري أحدهم الجريدة، لكي يقرأ أخبارا قرأها بالأمس على المواقع الإلكترونية، وهو ما جعله يعول على طريقة العرض، التي تستأثر بـ 50% من اهتمام القارئ، وفقا لحساباته، كما تشغل المادة الصحفية المقدمة الـ 50% الأخرى، ما يجعل التفرد في الإخراج الفني للجريدة عاملا مساعدا على المنافسة وسط عشرات الجرائد التي تقدم نفس المادة.

وبالرغم من ثورة الإخراج الصحفي خلال السنوات الأخيرة وفقا لقوله، فإنها لم تنصف الصحف الورقية أمام طرق العرض في المواقع الإلكترونية، فالجيل الورقي شارف على الانقراض.

وتابع "على الرغم من انتمائي إلي الورقي، فإنني أستخدم المواقع الإلكترونية في معرفة الأخبار، ومطالعة النسخ الإلكترونية من الصحف"، وهو ما جعله يتنبأ بالوجود الشرفي للصحافة الورقية خلال عشر سنوات، عبر صدور جريدتين على الأكثر.

ووجه محمود نصيحة للقائمين على الصحف الورقية – إن أرادوا البقاء- بضرورة تنشيط أفكارهم بإنتاج مختلف ومبدع بعيدا عن المحتوى الخبري.

** إنفوجرافيك مقارنة أعداد الصحف الورقية منذ عام 2011:2015 

3

الصحف الحكومية.. مديونة وليست فقيرة

8 مؤسسات صحفية حكومية، تملك أكثر من 52 مطبوعة، ديونها أكثر من 12 مليار جنيه، منها 500 مليون جنيه تأمينات لموظفيها، 100 مليون جنيه حجم أصول المؤسسات الثمانية، 80 ألف عامل منتظم وغير منتظم، حقائق ليست خفية عن الصحافة القومية لابد أن نتوقف أمامها.

يحصر الخبير الإعلامي ياسر عبدالعزيز، مشكلات الصحافة المملوكة للدولة والتى تمثلت فى غياب تأثيرها في ظل المنافسة مع الجرائد الخاصة والمواقع الإلكترونية، وعدم القدرة على التطوير ومواكبة التطورات في مجال الاتصالات، والترهل الوظيفي، وعدم الاعتماد على الكفاءات بسبب تغليب مبدأ الأقدمية والولاء.

** قوائم "الصحافيون والمصورون والرسامون" بالصحف القومية – الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء 

4

وأضاف عبدالعزيز أن الصحف الحكومية تحرص على الصدور دون التجديد في المحتوي بهدف الضغط على الحكومة لتخصيص مخصصات مالية لسد العجز، بالتزامن مع التراجع الكبير في الصحافة المطبوعة في مختلف أنحاء العالم، وصعود مؤشر المحتوى الإعلامي عبر الإنترنت.

وعلى الرغم من ذلك، يقر عبدالعزيز أن الصحف القومية يمكن أن تكون مدينة لكنها ليست فقيرة، لكونها تمتلك أصولا كبيرة، تبدأ من أسمائها البراقة، وتأثيرها التاريخي، وتنتهي عند امتلاكها دوائر الصناعة متكاملة، حيث تمتلك أراضي، ومطابع، وشركات توزيع وإعلان. حتى أن ترهلها الوظيفي من وجهة نظر "عبدالعزيز" ينطوي على بعض الكفاءات التي يمكن أن تعتمد عليهم.

** قوائم الأصول بالصحف القومية – الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء 

الأصول والخصوم 2015

ويلقي الخبير الأعلامي الكرة في ملعب الهيئة الوطنية للصحافة، والمنصوص عليها في المادة 212 من الدستور المصري، التى صدر بشأنها قانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام، رقم 92 لسنة 2016.

ويرهن عبدالعزيز إطالة عمر الصحافة القومية بتوافر الإرادة السياسية لإعادة هيكلة وسائل الإعلام المملوكة للدولة، وإعداد خطة جسورة لترشيد وتنحيف وإدارة المؤسسات الثمانية خلال فترة من سنة إلى 5 سنوات. والاكتفاء بعدد محدود من المطبوعات المؤثرة والناجحة، وتحويل البقية إلى استراتيجية تعتمد على المنتج الإلكتروني.

لم ينكر مصطفى عبيدو الصحفي بجريدة الجمهورية، وصاحب قضية الحد الأدنى لأجور الصحفيين، الأزمة العميقة التي تعانيها الصحف القومية، وشرح لـ "مصراوي" مشكلات التوزيع، التي تكمن في ضعف المحتوى الإعلامي، وهزاله، وتغيير مسار السوق إلي المواقع الإلكترونية، وهو ما يهدد مستقبل الصحافة الورقية بشكل كبير من وجهة نظره.

"مواقع التواصل الاجتماعي غلبت الجرايد فى نقل وتداول الخبر" هكذا يستشرف عبيدو المستقبل غير المبشر للصحافة الورقية، "لابد أن تبحث عبد بديل آخر يحمل جديدا للقارئ، مثل القصص الخبرية، وصحافة المواطن والتحقيق الصحفي، الذي أصبح ضيفا غير مرحبا على صفحات الجرائد القومية، التي ألغت أبوابه".

إلا أن صحيفة الجمهورية تحاول أن تضمد جراحها وفقا لقول عبيدو، عبر ملاحق مراجعات الإمتحانات، والحوادث والرياضة.

"مسكة الجورنال عاطفة لا تنتهي مع مرور الزمن" هكذا يدافع عن الصحافة الورقية على الرغم من إدراكه كافة كبواتها، مؤكدا أن المواقع الإلكترونية لا يمكنها حل محل الجريدة، مبررا ذلك بسير كليهما في مسارين مختلفين تماما، فالتلفزيون لم يستطع إلغاء الصحافة، وفقا لقوله.

** فيديو: سألنا الناس: بتشتروا جرايد

الصحف الخاصة.. خسائر وتسريح عاملين

فى المقابل، فإن وضع الصحف الخاصة مختلف تماما. استغاثات واعتصامات، ووقفات احتجاجية على سلالم نقابة الصحفيين، قرارات اضطرارية وفقا لمجالس إدارات الصحف، تعسفية وفقا لم طالتهم، مشاهد اعتادها الوسط الصحفي، منذ العام 2013، حين بدأ انحدار توزيع الصحف الورقية الخاصة، وبالتالي انخفاض حصيلتها من الإعلانات، ما دفع بعضها للتوقف والغلق، أو تقليص العمالة، أو نقل الملكيات، وآخرها نقل ملكية جريدة الوطن من رجل الأعمال محمد الأمين، إلى شركة D media المالكة لقناة dmc، وفي كل الحالات النتيجة واحدة، وهي تخفيض عدد العاملين، كما هو موضح في التسلسل الزمني التالي.

لم تختلف أسباب تراجع الصحف الخاصة عن القومية من وجهة نظر الخبير الإعلامي ياسر عبدالعزيز، بينما تتفاقم مشكلاتها لكونها تعمل بدون دراسات جدوى، بحسب قوله.

"لا توجد صناعة صحافة.. بدون دراسة جدوى"، مثل إنجليزي لاتعرفه صناعة الصحافة في مصر، فعبد العزيز لا يعرف أي وسيلة إعلام مصرية تعمل وفقا لدراسة جدوى محكمة ومهنية، وهو ما يجعل الاستثمار في مجال الإعلام في مصر، قرارا لا تحكمه عوامل استثمارية بالعادة.

بينما تحكمه إما قرارات دولة للاستخدام كأداة دعائية، أو رجال أعمال أرادوا فرض ارتكازهم في المجال العام والسياسي، أو مال سياسي بغرض التأثير في الوقائع والتطورات والتحولات، وهو ما يشكل مشكلة قومية وصورة ذهنية سيئة للدولة المصرية والمصريين في العالم، وفقا لقول عبدالعزيز.

** الصحف الخاصة 2015 – التعبئة العامة والإحصاء 

يرى عماد الدين حسين، رئيس تحرير جريدة الشروق، أن أزمة الصحف الخاصة في عدم تلقيها دعما من الدولة أو قروض من البنوك مثل الصحف الحكومية، التي ترحل ديونها إلى الأمام ولا يمكننا أن نعرف كيف ستسددها، ما يجعل أزمة القطاع الخاص اقتصادية، بسبب تضاؤل حجم الإعلانات.

وحينما تطرق مصراوي إلى "أزمة المحتوى، وموت الأخبار، وندرة الخاص، وغياب صحافة العمق" بالصحف الورقية، قال حسين، "أسباب حقيقية، لكنها ليست السبب الوحيد، فهي أزمات موجودة منذ انتشار المواقع الإخبارية"، إلا أن الأزمة الأكبر من وجهة نظره هي ارتفاع أسعار الورق، وتقلص الواردات الإعلانية.

"كلما نسد ثقبا.. تخلق عشرات الثقوب" هكذا قال رئيس تحرير جريدة الشروق حينما سألناه عن محاولاته لمجاراة المد الإلكتروني، لكن ذلك مرتبط بالموارد وفقا لقوله، ولم يفصح عن حجم توزيع جريدة الشروق، والذي اعتبره معقولا وسط تراجع توزيع جميع الصحف.

الوفد.. الوجه الأخير للصحف الحزبية

"مش عارف الجرايد دي موجودة ولا لأ" هكذا أجاب، خبير توزيع الصحف مجدي الحفناوي، بتلقائية، حينما سألناه عما إذا كانت الجريدتان الحزبيتان الأهالي والكرامة، مستمرتين في الصدور أم لا برفقة "الوفد"، فعلى الرغم من انغماسه سنوات طويلة في العمل في التوزيع فإنه لم يشهد انحسارا للصحافة الحزبية إلى هذا الحد من قبل.

"كنت أتمنى يبقى لينا منافس، وصحف حزبية كبيرة" هكذت أعرب سيد عبدالعاطي، رئيس تحرير جريدة الوفد، وأطلق العنان لذكرياته قائلا: "منذ 15 عاما، كان هناك عدد كبير من الصحف الحزبية القوية، مثل الأهالي والشعب، والعربي الناصري والأحرار، إلا أنها أغلقت أبوابها بسبب الظروف المالية".

مثلهم كمثل جريدتي الأهالي والكرامة، اللتين تصدران بشكل غير منتظم، كلما سنحت لهما الفرصة، وهو ما يعتبره عبدالعاطي، خسارة كبيرة للصحافة الحزبية في مصر.

** الصحف الحزبية في مصر 2015 – التعبئة العامة والإحصاء 

يقر رئيس تحرير جريدة الوفد بعدم قدرة الصحف الورقية على الصمود أمام المواقع الإلكترونية، إلا أن جريدته تحاول أن تعوض ذلك وفقا لقوله، بإعادة فنون التحليل، والتقرير، والتحقيق والحوار إلى صفحات جريدة الوفد، بالإضافة إلي موقع إلكتروني يقوى على المنافسة.

يعترف عبدالعاطي بالخسائر المالية التي تتكبدها مؤسسته بسبب ارتفاع تكلفة الورق والطباعة، وغياب الإعلانات. إلا أنه يعلق ذلك على شماعة عدم الحصول على دعم من الدولة كما تحصل الصحف القومية، معتبرا ذلك حقا للشعب ولمؤسسته، من أجل حماية الصحافة الحزبية من الفناء.

مصر ليست وحدها

"النهاية الحتمية للإعلام الورقي" ليس حكما قاسيا، بل توقعات مدروسة للكاتب العالمي فيليب ماير يتنبأ فيها بصدور آخر مطبوع ورقي في العالم عام 2043، إلا أن مدير منظمة الملكية الفكرية التابعة للأمم المتحدة فرانسيس جيري، أكد أن الولايات المتحدة الأمريكية ستودع الصحف الورقية عام 2017، بعد الهزات التي ضربت عرشها خلال السنوات الأخيرة، والذي حصر "مصراوي" أهمها على الصعيد العالمي، في الخريطة التفاعلية الآتية.

غير أن خبير التوزيع مجدي الحفناوي، يعلق منفعلا على التنبؤات بموعد انقراض الصحافة الورقية في مصر قائلا: "لما نتكلم في 400 ألف نسخة على 90 مليون، يبقى كدة الصحافة الورقية فعلا انقرضت"، واصفا أيامها الحالية بالأنفاس الأخيرة التي يلتقطها الغريق.

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج