تجنيد الأطفال - وقود حرب سهل يشتعل لأجيال
برلين (دويتشه فيله)
أرقام مرعبة عن تجنيد الأطفال في سوريا والعراق واليمن، فالأطراف المتحاربة هناك لا تتردد في استعمال كل الوسائل للزج بالبراءة إلى جبهات القتال، هذا ما كشفه خبراء لـ DW، مؤكدين أن المستقبل سيكشف الكارثة المترتبة عن ذلك.
بصوت خافت تنبع منه نبرات الخوف، يسرد عزيز الذي لم يتجاوز عمره 11 ربيعا ما حدث في تلك الليلة، حينما جاء مسلحون إلى قريته الواقعة في نواحي تلعفر، "كانوا على متن شاحنات وبأيديهم أسلحة، كان شعرهم طويلا ولحاهم طويلة"، فيما يقول أخوه خلف، البالغ من العمر 16 عاما، "تملكنا الخوف، وكنا نبكي بشدة"، ويضيف "بعد أن تم اختطافنا أدخلونا مدارس دينية، وفي مركز التدريب بتلعفر تعلمنا طريقة استعمال الأسلحة". هذه بعض الشهادات التي حصلنا عليها حصريا من قبل منظمة اليونيسف التي التقت بأطفال أيزيدين تمكنوا من الإفلات من قبضة داعش بعد أن حاول التنظيم تجنيدهم في صفوفه.
وإن تمكن عزيز وخلف وبعض من أصدقائهما من تجنب التجنيد في صفوف داعش، فإن الآلاف من الأطفال مازالوا تحت رحمة جماعات مسلحة تنشط في المنطقة. ففي تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) ، أكدت المنظمة أن آلاف الأطفال خطفوا في العراق، وأجبروا فيما بعد عنوة على المشاركة في القتال أو تعرضوا للاعتداء الجنسي.
الكل متهم بتجنيد الأطفال
لكن عملية تجنيد الأطفال في مناطق النزاعات خاصة في سوريا والعراق واليمن لا تقتصر على التنظيمات الجهادية فحسب، بل هناك العديد من الأطراف التي تستغل الأطفال كوقود للحروب الدائرة في المنطقة، ففي تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش، صدر اليوم الثلاثاء (30 أغسطس 2016)، نقلت المنظمة عن شهود عيان أن مجموعتين مسلحتين من "الحشد العشائري" (ميليشيات قبلية) جنّدتا ما لا يقل عن 7 أطفال كمقاتلين من مخيم ديبكة في 14 أغسطس 2016 واقتادتهم إلى بلدة قريبة من مدينة الموصل، حيث تستعد قوات الأمن العراقية لشن هجوم على تنظيم "الدولة الإسلامية"، لطرده من المدينة.
أما في سوريا، فقد أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن جميع الأطراف المتحاربة تقوم بتجنيد الأطفال في سوريا، وأكد رامي عبد الرحمن في تصريح لـ DW عربية، "بغض النظر عن الأرقام المحددة والتي تشير إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية هو التنظيم الأكثر استغلال للأطفال في حربة، إلا إن تجنيد الأطفال بات ظاهرة لدى كل الفصائل المقاتلة في سوريا". ويشير عبد الرحمن إلى المعارك التي خاضها تنظيم داعش مع الوحدات الكردية خلال الأسابيع الماضية، حيث يؤكد" مقتل نحو 250 طفلا مما يعرفون بأشبال الخلافة، إضافة إلى معركة الكليات جنوب حلب حيث قتل نحو 150 طفلا كانوا يقاتلون في صفوف الفصائل الإسلامية الأخرى"، ويشير مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان أن فصائل مثل "لواء القدس الفلسطيني وفصائل سورية أخرى تقاتل إلى جانب النظام السوري قامت بتجنيد قصر"، مؤكدا في الوقت ذاته أن "وحدات حماية الشعب الكردية هي الأخرى جندت أطفالا في صفوفها بالرغم من إنكارها ذلك".
وفي اليمن حيت تستعر الحرب بين قوات الرئيس هادي من جهة، وجماعة أنصار الله الحوثية المتحالفة مع قوات تابعة للرئيس السابق على عبد الله صالح من جهة أخرى، فإن أرقام تجنيد الأطفال في تزايد مستمر، إذ كشف محمد الأسعدي، المتحدث باسم منظمة اليونيسيف في اليمن لـ DW عربية أن "الأرقام التي تم التأكد من صحتها تشير إلى تجنيد نحو 1200 طفل منذ اندلاع الصراع، أي بضعف سبع مرات عن الحالات المسجلة في 2014"، مؤكدا أن كل الأطراف المتحاربة، دون استثناء، قد استغلت الأطفال في هذه الحرب، وإن اختلفت النسب وأشكال الاستغلال".
ترغيب وترهيب
ويتفق المراقبون على أن معظم التنظيمات المسلحة في كل من العراق وسوريا واليمن تتبع أسلوب الترهيب والترغيب لتجنيد الأطفال في صفوفها، "فالكل يلعب على الوتر الديني أو الطائفي أو القومي أو العرقي لاستمالة الأطفال إلى صفوفه، هذا إن لم يكن بالإكراه"، يؤكد رامي عبد الرحمن. وكانت منظمة يونيسيف فقد عبرت عن قلقها الشديد من ظاهرة تجنيد الأطفال في سوريا والعراق، قائلة "يفيدُ أطفالٌ بتشجيع أطراف الصراع لهم على الانضمام للحرب وبأنهم يعرضون عليهم هدايا ورواتب تصل إلى 400 دولار شهريا."
هذه الإغراءات لا نجدها في العراق وسوريا فحسب، بل حتى في اليمن الذي يعتبر من أفقر بلدان العالم، فظاهرة تجنيد الأطفال هناك غير مرتبطة فقط بالصراع المسلح القائم الآن، كما يقول محمد الاسعدي من منظمة اليونيسيف، "فطالما استغلت الأطراف المسلحة في اليمن حاجة العائلات الفقيرة للمال لتزج بأطفالهم في الصراعات المسلحة". وإضافة إلى ثقافة انتشار حمل السلاح السائدة في اليمن، والتي ترمز إلى الرجولة، فإن "حالة التجييش العاطفي والديني والوطني وحتى القبلي التي يعيشها اليمن حاليا تدفع باليافعين نحو جبهات القتل"، ويضيف الاسعدي أن "الأطفال خاصة اليافعين منهم عاطفيون جدا، ومن السهل استمالتهم باستعمال الدين لترغيبهم في القتال. إنهم يتأثرون حتى بمجرد رؤية صورة ملونة، فما بالك بتصوير الجنة لهم".
التحدي الأكبر
واعتمادا على أساليب مختلفة تتركز بالأساس على الوازع الديني، فقد "جند تنظيم الدولة الإسلامية نحو أربعة آلاف طفل في سوريا منذ 2014، وقد قتل منهم نحو ألف طفل لحد الآن في مختلف المعارك"، بحسب ما أكده لنا المرصد السوري لحقوق الإنسان. كما بات التنظيم يستغل الأطفال في تنفيذ العمليات الانتحارية على غرار عملية غازي عتاب، حيث رجحت السلطات التركية قيام طفل بتفجير نفسه ما أدى الى مقتل نحو خمسين شخصا. فيما تداولت وسائل إعلام عراقية في 22 أغسطس/آب 2016 لقطات توثق لحظة إلقاء القبض على طفل، قبل محاولته تفجير نفسه في مدينة كركوك شمال العراق.
كما يقوم تنظيم داعش ببث مقاطع فيديو تظهر أطفالا يقومون بتنفيذ عمليات إعدام في سوريا، وهي الصور التي يريد من خلالها التنظيم الإرهابي القول "إن جيلا جديد يتم إعداده وتنشئته ليقوم بالمهمة، في حال تم القضاء على التنظيم عسكريا" كما يؤكد ذالك حسن أبو هنية، الخبير في الجماعات الإسلامية. والذي ذكر في حوار مع DW عربية أن "تنظيم الدولة الإسلامية مازال يسيطر على العديد من المدن التي تضم مئات الآلف من السكان، وبالتالي فإن جيلا جديدا يتم تنشئته على الإيديولوجية التي يقوم عليها هذا التنظيم". ويضيف أبو هنية أن "التحدي الأكبر في حال تم طرد التنظيم من المناطق التي يسيطر عليها الآن سيكون هذا الجيل الذي تشبع بالإيديولوجية القتالية التي يتبناها داعش".
فيديو قد يعجبك: