حسام السكري: نقابة الصحفيين لها وقفات شجاعة.. والسلطة تحتكر كل المنابر (حوار)
حوار- دعاء الفولي:
تصاعدت حالة التوتر بين الصحفيين ووزارة الداخلية، على خلفية اقتحام قوّات الشرطة لنقابة الصحفيين، مساء الأحد الماضي، وكان الاثنين الموافق 25 إبريل قد شهد القبض على العديد من الصحفيين من قبل الأمن، أثناء تغطيتهم وقائع ذكرى تحرير سيناء، ما أجبر النقابة على تقديم بلاغين للنائب العام، ضد وزير الداخلية ومدير أمن القاهرة، وفيما لم تهدأ بعد حدة الأحداث المتلاحقة في قضية الأمن والصحفيين، يطل اليوم العالمي لحرية الصحافة، مُنذرًا بأجواء تجاهد فيها المهنة لتكون حرة، لا سيما مع تصنيف مصر ضمن أسوأ سبع دول عربية على المؤشر الدولي لحرية الصحافة.
مصراوي حاور الكاتب الصحفي، ورئيس بي بي سي العربية سابقًا، حسام السكري، للحديث عمّا تمر به الصحافة المصرية، وتقييمه لأداء نقابة الصحفيين، والحديث عن تبعات هبوط سقف الحريات الصحفية.
كيف ترى ما حدث بالنقابة من اقتحام والقبض على صحفيين؟
تطور خطير لكنه ليس فريدا في نوعه. التجاوزات التي ارتكبتها وترتكبها المنظومة الأمنية بالمخالفة لمواد الدستور ولنصوص القانون واقع نعيشه منذ فترة طويلة، والمحظوظون من ضحاياه هم الذين لا يزالون على قيد الحياة سواء داخل السجون أو خارجها. ما حدث مع الصحفيين حدث مع غيرهم بأشكال عديدة.
المسألة ليست فقط مسألة أمر ضبط وإحضار، ولكن هناك تلفيق تهم، وإصدار بيانات فيها معلومات مغلوطة عن حيازة عمرو بدر ومحمود لقنابل مولوتوف وغيرها، وهي تهم أصبحت بنودا ثابتة في قوائم اتهامات الأبرياء تكاد تتكرر بحذافيرها، ولا يوجد من يُساءل المسئولين عن منظومة الأمن عن إهدار قيم وقواعد العدالة. المنظومة لا تعرف شيئا اسمه شرف المحاسبة، وترى أنها لا ينبغي أن تحاسب على ما ترتكبه من أخطاء وتعبر عن هذا صراحة ونصا. خطة تعامل الداخلية الإعلامي مع الأزمة والتي تم تسريبها خطأ تقول بالنص "لا يمكن التراجع عن هذا الموقف الآن فالتراجع يعنى أنه هناك خطأ قد حدث وبالتالي لو كان هناك خطأ فمن المسئول ومن يجب محاسبته؟"
فكرة الحساب أو المحاسبة غير موجودة، والمسألة لا تخص الصحفيين فحسب، لذا أرى أن تتعامل النقابة مع المحنة التي نمر بها من زاويتها المجتمعية الأوسع وليس فقط من ناحية انتهاك مقر النقابة أو النصوص الدستورية والقانونية المتعلقة بها فحسب.
ما رأيك في أوضاع الصحفيين بمصر الآن، على المستوى المهني، وسقف الحريات المُتاح لهم؟
هناك ظلم كبير يقع على الصحفيين وخاصة من انضموا للمهنة حديثا. هناك إهمال تام لتدريبهم، والمؤسسات لا تهتم ولا ترغب في الاستثمار في تطوير أدائهم المهني. المنضمون حديثا للمهنة يعملون بالسخرة، بأجور زهيدة أو بلا أجور أصلا وكثير ما تتأخر مرتباتهم لمدد تصل إلى ستة شهور هذا لو تم دفعها.
أما فيما يتعلق بالحرية فالمناخ الموجود مناخ الرأي "الوطني" الواحد والفكر الاصطفافي "المسئول"، الذي يقترب بنا من مناخ عاشته الأنظمة الشمولية التي انتهت إلى زوايا التاريخ الملعونة ولا أقول المنسية. هذا ليس مناخا إعلاميا يقدم للمواطن حقه الإنساني في المعرفة، ولا الأدوات الأساسية التي تسهل له أن يكون رأيه فيما يجري حوله، بناء على معلومات محايدة ومتكاملة وصحيحة.
البعض يبرر منع الصحافة من رصد الأخطاء، معتبرين أن الدولة في حالة حرب مع الإرهاب.. كيف ترى ذلك؟
كل الأنظمة الشمولية تتبنى نفس الآليات لتبرير كبت الإعلام وانتهاك حرية الرأي. العالم كله في حرب على الإرهاب ولسنا استثناء من ذلك. آخر ما كتبته من مقالات في صحيفة الشروق أشرت فيه إلى أنني سمعت من مسئولي سوريا منذ نحو عشر سنوات، نفس الحجج التي يتم ترويجها لقمع الصحافة والإعلام وحرية الرأي والتعبير. مصير سوريا الآن هو محصلة عوامل عديدة ساهمت فيه الدكتاتورية وأوهام الحماية بالقمع.
مواجهة العدو تحتاج جبهة داخلية صلبة ولن يتم هذا إلا بالديمقراطية. الديكتاتورية تأكل المجتمعات. رأينا هذا في سوريا والعراق كما رأيناه في الاتحاد السوفيتي السابق ودول أوروبا الشرقية. لن نتمكن من تجنب هذا المصير المؤسف إلا لو فتحنا المجال العام لأداء إعلامي يدعم التعددية السياسية، ومناخ مجتمعي يرحب بالاختلاف والحوار من أجل الوصول إلى صيغ توافقية تحظى بأكبر قدر من القبول.
إذًا ما تبعات هبوط سقف حرية الصحافة في مصر؟
هبوط سقف حرية الصحافة يتبعه انهيار مهني ومجتمعي وسياسي. المسألة أشبه بتسميم بئر الماء العذب الذي يشرب منه مجتمع ما. السلطة لن تستفيد من إعلام أفسدته لأن الناس سيفقدون الثقة وينصرفون عنه، وربما يروون عطشهم للمعرفة بالإقبال على الأقاويل والشائعات. لا يوجد ما هو أسوأ من ذلك لإضعاف أي مجتمع.
عملت رئيسا لبي بي سي العربية من قبل.. ما الذي يمنع من نقل تجربة مثيلة أو مشابهة إلى مصر؟
لا يوجد ما يمنع من إطلاق تنمية ورعاية ودعم مؤسسات إعلامية مستقلة ومنضبطة. هي مسألة إرادة لكن الإرادة السياسية في مصر غائبة تماما. القيادة ليست سياسية ولكنها عسكرية وتعبر بوضوح عن افتقادها للمناخ التعبوي الذي ارتبط بعصر وزمن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. هذا لا يعني فقط عجزا عن فهم التطور الهائل الذي حدث في المجتمع وفي مناخ وتقنيات الإعلام، ولكنه يشي بوجود غياب كامل في الرؤية وعجز تام عن فهم ما يحتاجه المجتمع من إعلامه.
يمكننا أن نبني مؤسسات إعلامية تتمتع بصلابة الطرح التحريري الخاص بهيئة الإعلام البريطانية لو أردنا، وإدارة مناخ إعلامي سليم ومنضبط من هذا النوع، أسهل بمراحل من التعامل مع هذا الجو المرتجل والمسمم، لأنه يستند إلى ضوابط ومعايير معلنة وواضحة.
كيف ترى العلاقة بين حرية الصحافة وسقف الحريات العامة المسموح به، خاصة وأن مصر مرت بعدة أنظمة سياسية متفاوتة؟
لدينا مأساة تتمثل في إصرار السلطة على احتكار كل المنابر، وسعيها لطرح رؤية واحدة مصحوبة بتخوين لكل ما عداها. هذا الاتجاه التخويني لا يختلف كثيرا عن الاتجاه التكفيري الذي يرفض الاختلاف في تفسير العقيدة. السلطة في مصر حولت صيغتها الوطنية الخاصة إلى دين، وتستخدم أبواقها ومنابرها الإعلامية لتكفير المختلفين معها.
المأساة الأكبر هي نجاح السلطة الظاهري على الأقل في ضم قطاعات واسعة في ركاب هذا الدين الوطني الجديد بحيث أصبح المجتمع رافضا للتنوير السياسي، وغير راغب في التعددية. السلطة استخدمت آليات التجهيل والتخويف وتزرعت في قطاعات واسعة.
حالة عداء غير مسبوقة لكل القيم المطلوب تم تعزيزها في المجتمع، بداية من حرية الرأي والتعبير ومرورا بحقوق الإنسان، وفي الوقت نفسه خلقت نوعا من البلادة فيما يتعلق بكل أنواع الانتهاكات بدنية كانت أو قانونية أو دستورية أو أخلاقية. هي للأسف في مجملها ردة إنسانية باسم الوطنية.
في مصر ترتبط "عضوية النقابة" بتصنيف الصحفي كمحترف أو لا. كيف ترى ذلك وهل يتم تطبيقه في الدول الأخرى؟
كانت لي تجربة في الاتحاد الوطني البريطاني للصحفيين ليس فقط كمشترك ولكن كعضو في أحد لجانها المعنية بالصحفيين من خلفيات عرقية مختلفة. وهناك تباين كبير بين مفهوم العمل النقابي الذي مارسته هناك وكيفية رؤية الجماعة الصحفية وممارستها للعمل النقابي هنا.
النقابة في الأساس تجمع مهني وظيفته الدفاع عن حقوق أعضائه في مقابل اشتراك يدفعونه هم، ويمكن أيضا أن تقدم لهم خدمات ومزايا تساعدهم في تطوير مهاراتهم أو تسهيلات يحصل لهم عليها من دور النشر مثلا ولكن كل هذا يمول من الميزانية التي تصنعها اشتراكاتهم. لهذا السبب تسعى النقابات إلى زيادة عدد أعضائها لأن هذا يزيد ميزانيتها. النقابات ليست معنية بإعطاء الصحفيين ترخيصا لمزاولة المهنة، كما أنها لا تمنحهم مزايا عينية أو بدلات.
هذا الوضع يختلف بشكل أساسي عن نقابة تقدم مزايا عينية ومالية، وترفض توسيع دائرة عضويتها بإدراج صحفيي التليفزيون والمواقع الالكترونية.
تقييم الصحفي كـ"محترف" من عدمه يعتمد على جودة ما يقدمه. لو وصل لمستوى معين ستتسابق عليه المنصات الإعلامية. الحصول على "كارنيه النقابة" ليس شهادة خبرة أو صك اعتراف ولا ينبغي له أن يكون.
لو سافر أي صحفي للعمل في بريطانيا، سيتمكن من التقدم لعضوية نقابة الصحفيين هناك في غضون أيام. ولكن ينبغي أن أضيف هنا أنه سيدفع اشتراكا شهريا لن يحصل مقابله إلا على الحماية والتضامن، ولا توجد أية مزايا أو بدلات أو ما غير ذلك.
وما تقييمك لأداء نقابة الصحفيين في التعامل مع الانتهاكات المختلفة؟
هناك وقفات شجاعة أتمنى أن تتكرر وأن تجد دعما من جموع الصحفيين، ليشعر الممثلون النقابيون أن لديهم ظهيرا صحفيا قويا يساندهم في التعبير عن مصالحهم كمجموعة، ومصالح المجتمع بشكل عام.
أيّهما أسوأ؛ الرقابة الذاتية التي يمارسها الصحفي على نفسه أم رقابة السلطة؟
هناك علاقة تراتبية بين الاثنتين خاصة مع تطور آليات القمع والرقابة والتوجيه. السلطة لا تستخدم رقيبا بالمعنى المفهوم ولكنها تستخدم العصا والجزرة في الترهيب والترغيب. من يثبتون "تعاونا" وفهما وإدراكا يكون لهم الحظ والحظوة وينتشرون بأعمدتهم ومناصبهم وبرامجهم أو حتى يظهرون كضيوف في البرامج والإذاعات والصحف. أما من يتمسكون بقواعد المهنية فيتم استبعادهم بتلقائية ودون "شوشرة".
الصحفي "الحدق" سيفهم والمسألة لا تحتاج لشعارات أو خطب. السلطة واضحة فيما تطلبه وترغب فيه و"النابه" يعرف صراحة وحدسا ما ينبغي فعله. في النهاية نحن لسنا أمام أداء "سيء" بالمعنى الأخلاقي أو المهني، لكننا أمام ممارسات تضر بالصالح العام، وتمنع الجمهور من الحصول على حقه الأساسي في المعرفة، وتهبط بنا شيئا فشيئا على درجات سلم الإنسانية.
في أكثر من حدث تخرج عناوين صحف اليوم التالي شبيهة لبعضها لدرجة التماثل.. كيف ترى ذلك؟
فرض تعليمات على الصحف لتخرج بنفس العنوان أو الموضوع الرئيسي مثير للشفقة، ولا أعلم من يضحك بهذا على من.
تذكرني هذه المسألة بقصة أطفال كتبها الدانمركي هانز كريستيان أندرسن، عن إمبراطور خدعه أحدهم وباعه لباسا وهميا، فسار الإمبراطور مزهوا في الطريق بدون ملابس. كان الكل يراه عاريا وهو الوحيد الذي يعتقد أن عورته مستورة.
تم إيقاف عدد من الصحف أبرزها جريدة المصري اليوم والوطن. ما الرد المثالي من المجتمع الصحفي على تلك الحالات؟
المسألة ليست في الرد على حادث أو حادثة. الأهم في رأيي هو تدعيم الممارسة الصحفية المستقلة والمهنية والمتزنة، والارتباط بالمجتمع عن طريق الالتزام بقضاياه الأساسية وطرحها والتعامل معها بحياد وجدية. حينئذ سيصبح وقف صحيفة أو حجبها، اعتداء على مجتمع بكاملة وليس تعديا على جريدة أو رجل الأعمال الذي يقف وراءها.
في مصر يتم ربط إغلاق الصحف بتراجع الحرية، فيما تتجه بعض الصحف الأجنبية العريقة إلى التحول للنسخة الإلكترونية مثل الإندبندنت البريطانية. ما رأيك؟
المشاكل التي تواجهها الطبعات الورقية من الصحف أسبابها لا علاقة لها بالحرية إجمالا ولكن بتراجع التمويل. ما تزال هناك صعوبة في العالم العربي في صياغة نموذج لصحافة مستقلة تعتمد في تمويلها على قارئها، إما من خلال اشتراكات مباشرة، أو من خلال الإقبال الذي سيترجم لقيمة إعلامية أو بمزيج من الاثنين.
من الصعب وجود صحافة تعتمد على جمهورها فقط في التمويل وهو ما يشكل تحديا في عالمنا العربي وخارجه، يفاقمه توفر المعلومات مجانا في وسائط عديدة مثل الإنترنت، وهو ما يتسبب في ضعف إقبال القارئ على مطالعة النسخ الورقية أو شرائها.
اقرأ باقي موضوعات الملف:
حقيقة اغتيال ''مبارك'' والتعذيب.. حين كان السبق الصحفي لـ''مدونة''
في اليوم العالمي للصحافة .. ''مصراوي '' يحاور أحد مؤسسي حملة ''الرقة تُذبح في صمت''
هل يضع الصحفيون في مصر رقابة على أنفسهم؟ (تقرير)
أعمال صحفية غيرت مجتمعاتها.. أثر الإعلام ''يٌرى''
سيرة أول شهيد للصحافة في الثورة.. السلطة الرابعة ''مجابتش حق ولادها''
بالفيديو والصور: إعلاميون بلا ''إعلام''.. كيف يقتل أبناء المهنة المصداقية؟ (تقرير)
وصيفات (صاحبة الجلالة) يروون لـ''مصراوي'' كواليس مغامرات كسرن فيها حاجز الخوف والخطر
مؤمن قيقع.. وقع خطاه بـ ''كرسي متحرك'' يُغضب ''إسرائيل'' (حوار)
فيديو قد يعجبك: