لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

بالصور- مصراوي في العدوة: قرية المستنقعات والناموس.. هنا الملاريا

11:12 ص الخميس 05 يونيو 2014

كتب- محمد منصور وأحمد الليثي:

من أعلى كوبري إدفو تظهر قرية العدوة بهية، كقطعة من الجنة، يهيمن اللون الأخضر عليها بفعل الأشجار والنخيل، ويحفها جبل يعطي جلالًا للمشهد، وتصنع السماء فوقها خلفية كلوحة رُسمت باقتدار، غير أنه مع الاقتراب على حدود القرية رويدا رويدا، تتضح الصورة عن قرب، فتكتشف أن الأشجار تتخللها ''برك ومستنقعات'' تسكنها الحشائش والحشرات الضارة، والجبل يُستخدم كمكان لإلقاء النفايات وبقايا الصرف الصحي، أما السماء الصافية فتضحي سوادا في المساء، بفعل الدخان الذي يحاول أهل العدوة استخدامه كسلاح ضد الناموس القاتل.

الوحدة الصحية: المبنى موجود والطبيب ''غايب''

مبنى بسيط مكون من طابقين، أصفر اللون لا يسر الناظرين، تشير لافتته إلى كونه وحدة الرعاية الصحية بقرية العدوة شرق، معلق على جميع أبوابه وطرقاته منشورات تحمل تعريفًا لمرض الملاريا، فيما غاب عنه الطبيب المسئول، الطرقات محملة بالفراغ، فيما يقطع أزير ''مروحة السقف'' الصمت المخيم على المكان، حجرات واسعة خالية على عروشها، غير أن الحمام لم يكن خاليًا، فثمة ''بُرص'' يعبث فى المكان، داخل أخر حجرة بالمركز تقبع سيدة فى العقد الخامس من عمرها أمام طاولة يتناثر عليها علب أدوية فارغة، تُجيب حين تُسأل عن الطبيب المختص بقولها ''راح يغير ويأكل لقمه وجاي'' مؤكده أن الوحدة الصحية ليست خالية، فـ''فني التحاليل موجود وبقيت الناس زمانها جايه بس تعبوا من اللف على البيوت طول اليوم''.. ثوان قليلة ويدخل طفل فى الخامس عشر من العمر، بقسمات انهكها المرض وخطوات يقطعها بصعوبة مستندًا على والده يُبادر الأب بالسؤال عن الطبيب بملامح خيم عليها ذَل الفقر والمرض ، فتأتي الإجابة بـ''مش موجود''، يقلب الرجل كفًا بكف، فولده ''حسين مصطفي'' يتألم منذ الصباح، وتتشابه أعراضه مع المصابين من قريته '' يعني ممكن يبقي عنده ملاريا ومش لاقيين حد يكشف عليه''، حالة الطوارئ المسيطرة على المنطقة ''كذب'' فالوحدة الصحية الخالية على عروشها تشير إلى القصور والإهمال رغم حالة الطوارئ التي تعيشها القرية، على حد قول الطفل ''حسين'' الذي يؤكد قدومه إلى الوحدة فى الصباح الباكر وبالتزامن مع بداية مرضه ''خدوا مني عينة دم ومردوش عليا.. حتي محدش قاس لي درجة الحرارة''.

داخل مبنى أخر للرعاية الصحية فى غرب العدوة، يجلس الدكتور ''كمال النبوي'' على مكتب مهترئ، 4 سنوات قضاها الطبيب القاهري فى ذلك المكان ''الموحش''، لتغدو قاعدته ''ما باليد حيلة''، فالرعاية الصحية للمواطنين تستجوب وجود خدمات وأدوات غير متوفرة فى المكان النائي، فالمعمل الموجود خالي من المواد الكيميائية الضرورية لعمل الفحوصات الطبية، وأدوية الصحة غير فعالة ''بروح أشتري أدوية على حسابي وأديها للمرضي عشان يخفوا''.. يؤكد الطبيب أن قرية العدوة غرب لم تظهر فيها حتي الآن حالات ملاريا، مشيرًا إلى أنه حتي في حالة حدوث ذلك، لن تتمكن وحدته الصغيرة من السيطرة على الأمر ''أحنا هنا موجودين عشان الحالات البسيطة، حد عنده صداع، برد، لكن غير كده لازم يروح على المستشفي''، يشير ''النبوي'' إلى أن مهمته ''التشخيص فقط'' وتحويل الأشخاص إلى مستشفي حميات إدفو حال وجود ''أشتباه''، فالوحدة الصحية ''مش مؤهله للتعامل مع حالات الملاريا''، ويشير الطبيب إلى أن وزارة الصحة أرسلت عددًا من الفرق الطبية لمنازل ''العدوة'' لجمع عينات من الدم وتحاليها بالمستشفيات المركزية للتأكد من سلبية أو إيجابية الإصابة بالمرض.

السودانيين تحت مجهر الصحة

على أبواب المكان مرا، تشع نظراتهما ترقبا، فيما ترمقهم الأعين بحذر، لا يستطيع الوافد التفريق بين سمتهما وشكل أهل القرية، تتخبط خطاهما ويتلفتان طيلة السير، 2 من السودانيين قدما قبل يومين إلى قرية العدوة في مهمة عمل داخل المحاجر، ظنا أن الأمر لن يتخطى حدود ''الشقا والعرق''، لكن الأمر بدا ألما بدنيا ونفسيا؛ ''الناس بتقول إحنا اللي جبنا الملاريا'' بلغة تحاول مجاراة العامية بدأ ''نور دفع الله'' حديثه، ملقيا اللوم على بعض الأهالي الذين يحاوطونه ورافقه بالاتهامات، يؤكد ''نور'' الذي يعمل في تكسير أحجار الذهب أن دخوله لأسوان تم من خلال أوراق رسمية، فيما يلتقط ''مجاهد السر'' صديقه الذي يصغره بستة أعوام، أطراف الحديث مشيرا إلى أنهما لم يسمعا بوجود مرض الملاريا في مستقر عملهما الجديد قبل المجئ من مدينة ''سناري'' السودانية، قبل أن يشرح عمليات الفحص التي تلقونها على متن المركب القادم من حلفا حتى أسوان ''خدوا مننا فصيلة دم وأسمائنا الرباعية وبعدين قالولنا معندكمش حاجة''.

مع بداية كل أسبوع يأتي موعد قدوم المركب السوداني إلى أسوان، مبحرا من ''حلفا''، حاملا عددا من الوافدين، فيما تغادر مركب آخر في نهاية الأسبوع، الأمر الذي صار محتاجا لفحوص طبية من نوع خاص؛ عقب شيوع مرض الملاريا مؤخرا ''مع كل مركب بيطلع بيكون في فريق لفحص 10% من الركاب كعينة عشوائية'' يشرح بها ''حمدي محمد'' –مساعد معمل الوحدة الصحية المشارك في فحص السودانيين- خطوات الكشف على الوافدين، مشيرا إلى أنه في حال اكتشاف مصاب بالملاريا يتم إبلاغ الحجر الصحي وتسليمه لحميات أسوان لأخذ العلاج المناسب.

''الأزمة فى المهاجرين غير الشرعيين، مش بنكشف عليهم وممكن جدًا يبقوا حاملين للمرضو ناقلين له'' تقول طبيبة رفضت ذكر اسمها، فوزارة الصحة تحاول الكشف على القادمين بالطريق الشرعي إلا أنها تفشل فى الوصول إلى المهاجرين القادمين عن طريق الجبال ''ساكنين الجبل وبيحفروا فيه وبيشتغلوا فى الذهب'' تقول الطبيبة مشيرة إلى أن معظمهم ''مسلحين'' وهو الأمر الذي يستحيل معه التواصل معهم ''مش هقتحم الجبل عشان أكشف علي حد، أحنا دكاتره مش فرقة من القوات الخاصة''، ترى الطبيبة ضرورة مؤازرة وزارة الداخلية والجيش لوزارة الصحة للكشف على السودانيين المُهربين عبر الحدود والقاطنين في الجبال، فالصحة، فربما يكون لهم يد في نقل العدوي لداخل الحدود المصرية.

قرية الفقر والجهل والملاريا

الشمس على وشك المغيب، الظلام آخذ فى الانتشار، والتحذيرات تبدأ فى التصاعد، فمع غروب الشمس تبدأ جحافل الناموس فى الهجوم على القرية البائسة التي تدعي ''العدوة شرق''، أزيز اقترابها يصم الآذان، والقدرة على مقاومتها محفوفة بضيق الحال والعوز يمنعهم من مجرد التفكير فى شراء وسيلة المكافحة، فـ''علبة البيرسول بـ8 جنيه وأحنا ناس أرزقيه''، يقول محمد عفيفي أحد سكان القرية، والذي يؤكد أن الطريقة الوحيدة التي يحاول بها سكان القرية صد هجمات البعوض هي ''إشعال النار وتوليد الدخان''.

وبحسب عفيفي، يجمع الآهالي كل ما يتيسر حرقه يوميًا، يشعلون النيران مع بداية الغروب ليستمر دخانها فى التصاعد طيلة الليل وحتى ساعات الصباح المبكرة، وهكذا يصبح أطفال القرية محاصرين بين مطرقة الناموس أو سندان الدخان ''يعني لو عيالنا نجوا من الملاريا مش هينجوا من تبع الصدر''، منذ 30 عامًا، هي عمر ''محمد عفيفي''، لم تأتي سيارات الرش التابعة للمحافظة سوي مرة واحدة ''يوم ما الوزير جه عربية الرش جت معاه، وساعة ما مشي مشيت معاه''.. يحكي ''عفيفي'' عن يوم زيارة وزير الصحة، ويتذكر ''جيش'' المسئولين الذي جاء معه، وقتها، حاول بعض من أهالي القرية الوصول إلى الوزير إلا أن الأمن منعهم، ولم ينجح فى الحديث مع ''البيه''، حسب وصفه، سوي ''عفيفي'' الذي أكد له أن جميع حاشيته ستغادر المكان فور مغادرته له، وبحسب عفيفي، أبتسم الوزير قائلا ''أطمن.. أنا مش همشي.. أنا قاعد معاكم''، بعدها بساعات، غادر الوزير المحافظة، لتتحقق نبوءة الشاب ''كلهم مشيوا طبعًا وراه.. مشفناش عربية الرش من ساعتها''، يرى الرجل أن الحكومة تهمل المنطقة منذ سنوات فأهالي العدوة ''مش زي مخاليق ربنا''.

ثلاث أمتار، هي المسافة التي تفصل أهالي ''العدوة'' عن صد هجمات البعوض الحامل لمرض الملاريا الذي قد يكون قاتلاَ: فى بعض الأحيان، تلك الأمتار هي عمق المستنقعات التي يُريد الأهالي ردمها ''زمان كانوا بيجيوا ياخدوا الرمله من المحجر، أول ما طلعت الميه الجوفية سابوه، بدأت الهيشه تطلع وتلم علينا الناموس'' يقول أحمد سعيد أحد ساكني قرية ''العدوة''، وبحسب بيانات منظمة الصحة العالمية، فإن تطهير المجاري المائية من البعوض ورش المستنقعات وردمها هي إحدي وسائل التخلص من مرض الملاريا - التي تهدد ما يزيد عن 3.5 مليار شخص حول العالم وتتسبب فى وفاة ما يناهز عن مليون شخص سنويًا-، وهو الأمر الذي لا يحدث في قرية ''العدوة'' أحد أكبر قري مركز ''إدفو'' الأسواني، والتي يسكنها قرابة الخمسين ألف شخص، حسب ''سعيد'' الذي يؤكد أن عدد مستنقعات القرية ست مستنقعات، يري الرجل الثلاثيني أن الحل السريع يمكن فى تطهير تلك المستنقعات، فعمليات الردم تحتاج إلى معدات وتكاليف ربما لا تستطيع المحافظة توفيرها فى الوقت الراهن ''يبدأوا فى الرش وبعد تلت أربع شهور يردموا المستنقعات، إحنا راضيين بأي حاجة بس الحكومة تتحرك''، منذ سنوات، ومع اشتداد هجمات الناموس، قرر ''سعيد'' مناشدة مسئولي الطب الوقائي، ذهب إلى مبني المحافظة الذي يُبعد عن قريته بنحو 120 كيلومتر، خاطب الطبيب المسئول عن الطب الوقائي، وأخبره بضرورة توفير سيارة رش لقريتهم، فكانت إجابة الطبيب صادمة إذ قال له ''إنسي''، بعد سنوات، وقبل أيام، جاء ذات الطبيب بصحبة وزير الصحة، وأخبر الأهالي بتوفير سيارة رش المبيدات ''لكن كان الموضوع فات، اتحركوا بعد فوات الآوان، وياريت العربية كمان جت''.

في أرذل العمر يسير الحاج ''عيد أحمد'' بتؤدة، يحاول بصره أن يدرك الأشياء، يلتحف بأبنائه، يشير إلى حفيده كي لا يقع في البركة المغطاة بالحشائش، سيرة الملاريا تربكه وتثير في نفسه الرعب بعد اجتياحها لأجساد الصغار والكبار قبل أيام، يضحك فيظهر فمه خاليا من الأسنان، قبل أن يحكي عن معلوماته عن ذلك المرض اللعين ''هي جت لأهالينا وإحنا صغار وكانوا بياخدوا ليها برشامة صفرا.. عشنا لحد ما الملاريا جت لعيالنا وعيال عيالنا.. ربنا يحمي الجميع''، لم يكن اهتمام وزير الصحة والحكومة بأهالي العدوة عقب ظهور المرض بينهم، بالأمر المفرح، فقد استنكروا التفات الدولة لهم مع وقوع الكوارث، علاوة على رجوع الأمور كما كانت عقب مغادرة الوزير.. لا تتخطى أحلام الأستاذ محمد نجيب المحاسب بشركة السبايك حدود كوب ماء نظيف وصرف صحي يقيه شر المرض ''إحنا مش عايزين نوادي وترفيه ولا حمامات سباحة''، يشير الرجل الأربعيني إلى الطرق الترابية غير الممهدة، وأعمدة الإنارة الخربة، فيما يلهو الصبية الصغار أسفل أعمدة الضغط العالي المتراصة بين المنازل الصغيرة، والتي تُغذي محطات رفع المياه للأراضي الزراعية، الأمر الذي يسبب الذعر لـ''عبد الفتاح طه''، المزارع، الأب لخمسة أولاد يخشى عليهم الوقوع في براثن المرض ''هنلاقيها من الملاريا ولا المياه ولا عمدان الكهرباء اللي بيقولوا إنها بتأثر ع المخ''، ''طه'' الذي يقول برأس منخفض إن رزقه يأتي يوما ويتأخر أيام ينفق أكثر من نصف دخله على المبيدات الحشرية لمقاومة الناموس في الليل ''من ساعة ما سمعنا عن الملاريا ومراتي والعيال بيموتوا من الرعب.. كل ما حد يسخن نقول ده عليه السلام''.

مكتشف المرض

على طريق غير ممهد، مملوء بالمطبات، لا يجاوز عرضه المترين، تمرق منه السيارة بالكاد، يقع منزل الحاج دياب محمد، ذلك الرجل الذي عُرفت من خلاله ''العدوة''؛ بفضل الملاريا التي داهمت ما يقارب العشرين من عائلته، يجلس على دكة خشبية أمام المسجد يبسمل ويحمد الله على بلاؤه، يروي القصة من البداية وقت أن ضربت السخونة جسد حفيديه جمعة وعبد العزيز، أسبوع كامل ظل جسدا الصغيرين يغلي دون حل، ومع كل طبيب يأتي الرد ''دور برد شديد''، 4 أيام قضاها ''جمعة'' داخل مستشفى حميات إدفو دون تقدم، تبعها بـ4 أيام أخرى في مستشفى حميات أسوان، بدأ طحال ''عبد العزيز'' يأخذ في التضخم دون جديد، قبل أن يقرر الجد قطع 400 كيلو كاملة مع صغيريه حتى وصلوا إلى حميات أسيوط ''قلت مبدهاش العيال بتضيع مني''، عندها جاء الخبر اليقين بإصابتهما بالملاريا، وحين شاع الخبر ''العدوة'' بدأ الجميع الانتباه أن ذلك الوباء الذي ضرب أجساد البعض دون شفاء ما هو إلا ''الملاريا''، حينها فقط انتبهت الدولة، يقول الحاج ''دياب'' بأسى أن الحكومة في صغره كانت ترسل من يفحص الترع والبرك ومطاردة الديدان داخلها ''وكانوا بيرشوا المدارس والبيوت''، فيما اختفى ذلك الأمر قبل 40 عاما كاملة.

بجلاليب بيضاء تشع بهجة، وضحكة تنبئ عن طفولة بريئة، ووجوه سمراء تزاحمها النقاء، كانوا يلعبون، يركضون خلف بعضهم في مرح، جمعة وعبد العزيز وفارس، ثلاثتهم ضربه المرض، كادوا على وشك الرحيل –حسب تعبيرهم- قبل أيام، يحاول كلا منهم أن يشرح المرض، صاروا خبراء فيه بفعل أسبوع كامل داخل المستشفى، لا تقارب أذنهم خلاله سوى كلمة واحدة ''ملاريا''، يضحك ''جمعة'' بصوت مجلجل، حين يقول ''فارس'': ''مكنتش خايف خالص.. العمر واحد''، قبل أن يرد ''جمعة'': ''ده أنت كنت مرعوب من شكة المحلول''، يفضل ''عبد العزيز'' الصمت، قبل أن يبدأ فارس في سرد معلوماته عن المرض ''بيقولوا بيجي من السودانيين والناموس بس الغريبة إن الناموس والسودانيين عشرة مش حاجة جديدة يعني''.

على بعد خطوات كان مظهر وجهه الشاحب لافتا، يبتلع ريقه بصعوبه وتظهر عليه علامات الإعياء، تبدو عينيه على وشك الخروج من مقلتيها، ''إبراهيم دياب'' أحد أبناء الرجل المسن، والذي ضربته الملاريا قبل أسبوعين، فيما نالته العناية الإلهية بالشفاء قبل أيام، سخونة شديدة وآلام في الظهر، صداع مدمر، ونبض قوي في الطحال، لون داكن للبول وارتعاش يتصاعد، كانت الأعراض التي انتابت جسد ''إبراهيم''، حصل على علاج، انخفضت الحرارة، وبعد ساعات ضربته الأعراض من جديد ولكن بصورة أشد، ومع خبر الصغيرين، كان على يقين بأن ''الملاريا'' قد تمكنت منه هو أيضا ''تاللي جه في بالي إن الملاريا دي بتيجي للواحد تموته في ساعتها''، هاجس خايله، فيما أخذ يطمئن نفسه بالدعاء مرددا ''كل نفس ذائقة الموت''، أسبوع كامل ظل خلاله الرجل الأربعيني طريح الفراش ''مكنش عندي شهية للأكل وعايش على المسكنات والمحاليل''، قبل أن يعاود منزله، غير أنه لم يستطع بعد مداومة العمل ''همدان ولسه مش عارف أصلب طولي''، فيما تحاول الابتسامة تأكيد أن الصحة في عودتها لاحتلال جسده العليل.

على ركن منزوي يجلس ''محمد جمال''، طفل لم تتجاوز سنين عمره الـ14، تُداعب عصاته التراب، يضحك للجميع، بجلباب أبيض مهترئ يعبر عن حال أهل القرية، لا يحلم بأوضاع تضاهي رفاقه في العاصمة، يتمنى فقط بواقع يُماثل ''إدفو'' إحدى مراكز أسوان ''نفسي بلدنا تبقى حلوة من غير ناموس''، لا ينسى ''جمال'' لحظات انتفاض صديق طفولته ''ماهر منصور'' لحظة أن هاجمته الملاريا ''كان بيترعش بشكل غريب ووشه اتغير''، زاره الصغير في المستشفى قبل أيام متمنيا له الشفاء فيما سالأه المريض عن حال القرية والناموس فيها.

في العدوة- يبقى الحال على ماهو عليه

مع مطلع كل شمس، تغدو رائحة البيوت لا تُطاق، فـ''طرنشات الصرف'' ممتلئة عن أخرها، والسيارات لم تأت بعد، ساعات وتظهر 6 سيارات تحمل مضخات هائلة، تشفط مخلفات ساكني القرية من ''طرانشتهم'' المُحيطة بالبيوت وتقذفها على حدودها لتُزيد الطين بله، ففي تلك القرية التي تبعد عن القاهرة زهاء الألف كيلومتر، لا مجال للحديث عن الصرف الصحي، ولا عن كوب مياه صحي وسليم، هنا، تمر أعمدة كهرباء الضغط العالي وسط المنازل البدائية، وتحيط بالقرية مستنقعات وبرك إحاطة السوار بالمعصم، في قرية ''العدوة'' التي تحفها الصحراء الشرقية من الشرق، ويقطعها النيل من الغرب لا وجود لخدمات الدولة، إهمال استمر لسنوات طويلة، استيقظت بعده الدولة على كارثة الملاريا، زيارة وزير ومحافظ وعدت الأهالي بالحل، مُعدات ثقيلة تنتشر بين شوارع القرية المُتربة لتتحول إلى شواهد قصور الجانب الحكومي، فيما ينتظر الأهالي يومًا بعد يوم يد القدر، التى قد تتحرك لتأخذ أرواحهم قبل أن تدور مُحركات تلك المُعدات.

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان