''الدفترخانة'' (بروفايل)
كتبت-منى قطيم:
الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق أو ''الدفترخانة'' كما أطلق عليها محمد علي ولي مصر منذ حوالي 185 عام، عندما قرر تخصيص مكان لحفظ السجلات الرسمية للدولة وتجميع نتاج أنشطة أجهزة الدولة وحفظها لتتخذ ''الدفترخانة'' من القلعة مكاناُ لها ويتولى راغب أفندي منصب أول رئيس لها، ويقوم الخواجة يوحنا ''كاتب المصروفات'' بوضع لائحتها الداخلية.
وبها أصبحت مصر ثالث دولة تقوم بعمل أرشيف قومي لها بعد فرنسا ولندن، وقبل الولايات المتحدة الأمريكية، واستمر ''الدفترخانة'' في أداء مهمته المنوط بها، إلى أن ضاق مقرها بالقلعة بما به من سجلات ومحتويات، فقرر محمد علي أنشاء فروع للدفتر خانة بالمصالح الحكومية والأقاليم، ليأتي الخديوي إسماعيل ويقرر إلغاء تلك الفروع وإعادة السجلات بالقلعة مرة أخرى.
وتغير اسم الدفتر خانة بعد ذلك في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني، ويصبح ''دار المحفوظات العمومية''، ليأتي بعد ذلك التطوير على يد الملك فؤاد الأول، عندما عهد لمستشرق فرنسي بمهمة فحص الوثائق التركية تمهيداً لوضعها بين يدي الباحثين، نظراً لأن الدار لم تكن قبل معنية بنشر الوثائق، كما أنشأ قسم المحفوظات التاريخية بقصر عابدين.
وما انت انتهت حقبة الملكية وأسرة محمد علي، حتى جاءت ثورة يوليو 1952، لتصبح محفوظات عابدين لا تحقق ما ينشده رجال الثورة، خاصة فيما يخص أسرة محمد علي، التي كانت موضوعاً رئيسياً في محفوظات قصر عابدين، وبات من الضروري إعادة كتابة تاريخ هذه الأسرة. فكان هذا هو الدافع من وراء إنشاء ''دار الوثائق القومية'' حيث أنشأت بموجب القانون 356 لسنة 1954، والتي حدد القانون وظيفتها في جمع وحفظ الوثائق.
ثم انتقلت دار الوثائق من قصر عابدين إلى مبنى خصص لها بالقلعة بالقاهرة في عام 1969، وفى عام 1990 نقلت دار الوثائق إلى موقعها الحالي بكورنيش النيل. ثم صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 176 لسنة 1993 بشأن إنشاء هيئة مستقلة تضم دار الكتب والوثائق القومية وفصلهما عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، نقلاُ عن موقع الهيئة العامة للاستعلامات.
وعلى مر هذه السنوات استطاعت دار الوثائق من جمع أكثر من 90 مليون وثيقة لتصبح من أكبر الدور على مستوى العالم من حيث عدد الوثائق التي تمتلكها، حيث تضم أكثر من 60 ألف مخطوطة إسلامية غير موجودة في الدول العربية والإسلامية كافة، إضافة إلى أربعة آلاف حافظة تتناول جميع الوثائق الوطنية، فضلا عن وثائق المخابرات المصرية والوثائق التاريخية المهمة، وحوالى 100 مليون وثيقة نادرة، ووثائق باللغات العربية والتركية والإنجليزية والفرنسية والألمانية، فضلا عن عدد من الوثائق باللغة الأمهرية. وتغطي هذه المجموعات الفترة من العصور الفاطمي والأيوبي والمملوكي، مرورا بالعصر العثماني، ووصولا إلى القرنين التاسع عشر والعشرين.
ولا ينكر أحد أهمية تلك الوثائق فمن ينسى أن 61 في المئة من الأدلة المادية التي قدمتها مصر في قضية التحكيم الدولي لاستعادة طابا كانت وثائق تقر بأحقية مصر بها، إلى جانب عدد أخر من الوثائق السيادية الموجودة في الدار مثل وثائق ترسيم الحدود المصرية ووثائق الأملاك اليهودية والوثائق الخاصة بتاريخ جماعة الإخوان المسلمين منذ تأسيسها والرسومات الهندسية الخاصة بالمباني الأثرية المصرية، كما تضم وثائق ترسيم الحدود بين البلدان العربية وبعضها، و خرائط خاصة بحلايب وشلاتين، وخرائط خاصة بالسعودية واليمن.
ومن هنا أتى ذلك الخوف على تلك التراث الوثائقي العظيم، الذي دفع المثقفون في مصر في ظل ذلك الارتباك الذي يسود مصر الآن والحرب الدائرة بينهم وبين وزير الثقافة، لطلب تشكيل لجنة متخصصة محايدة للإشراف على دار الكتب والوثائق.
فيديو قد يعجبك: