صدام حسين.. إبريل الميلاد والسقوط
تقرير – هند بشندي:
اعتاد أن يكون يوم 28 إبريل يوما مميزا، ليس لديه فحسب بل على كافة أنحاء البلاد؛ حيث كان يحتفل ''الشعب العراقي'' بميلاد قائده صدام حسين لمدة أيام متتالية معتبرين هذا اليوم ''ذكرى عطرة'' و''حدث عظيم'' على حد تعبيرهم فيما مضى.
حتى أنه في عام 2002عقد عزة إبراهيم، نائب رئيس مجلس قيادة الثورة اجتماعا في مدينة تكريت حضره عدد من أعضاء قيادة حزب البعث الحاكم وعدد آخر من الوزراء خصص الاجتماع لبحث تفاصيل برنامج الاحتفال بذكرى ميلاد صدام، الاحتفال الذي كان يشمل محافظات العراق وسفاراتها في الخارج، والتي لم تتوقف حتى أثناء الحروب التي شهدها العراق.
ولأن دوام الحال من المحال، تمر السنون ويحتفل صدام بعيد ميلاده الأخير وحيدا في سجنه و لم يكن معه إلا المحقق جورج بيرو ليتذكر عيد ميلاده ويقدم له حلويات لبنانية صنعتها والدته، بحسب رواية رونالد كيسلر في كتابه ''ذا تيروريست واتش''.
لم تكن الفترة التي اعتقل فيها صدام حسين هي الفترة البائسة الأولى في حياته، والتي حرم فيها من الاحتفال بعيد ميلاده، فقد وصفت طفولته بالبؤس والشقاء منذ أن جاء للحياة عام 1937 الذي كان ليجد ان والده الذي كان يعمل حارسا توفي قبل ولادته بثلاثة أشهر، ليمضي سنواته الأولي في بيت خاله خير الله ببغداد ثم مع زوج والدته إبراهيم الحسن، وينتمي صدام لعشيرة بيجات السنية التي كانت معروفة بفقرها وبميلها الى العنف وكان زعماؤها يفاخرون بتصفية اعدائهم لأتفه الاسباب.
التطور السياسي
عام 1957 هو أحد الأعوام الفارقة في حياة ''صدام''؛ حيث قرر في هذا العام الانضمام إلى حزب البعث العربي الاشتراكي، ليُمنى بأول اتهام سياسي له عندما كان في السنة الرابعة بالمدرسة الثانوية في عام 1958 باغتيال شخصية سياسية معروفة تدعى ''سعدون الناصري'' إلا أنه أطلق سراحه بعد ستة أشهر من الاعتقال، وفي العام نفسه قام صدام باغتيال أحد أعمامه (سعدون التكريتي) انتقاما منه لتسببه في إحالة خاله للمعاش بسبب وشاية.
وفي أكتوبر 1959 شارك أربعة من زملائه بحزب البعث بمحاولة اغتيال فاشلة لرئيس الوزراء عبد الكريم قاسم وذلك وفقا لملف صدام حسين من اغتيال عمة لاغتيال الكويت الصادر عن مركز يافا للدراسات.
فر صدام حسين إلى مصر بعد فشل محاولة الاغتيال لكنه عاد إلى العراق بعد أن تسلم حزب البعث السلطة في انقلاب عسكري عام 1963، إلا أنه وضع في السجن بعد تسعة أشهر عندما انقلب العقيد عبد السلام عارف على حزب البعث وأبعده عن السلطة.
تمكن صدام حسين من الهرب من السجن عام 1966 وانتخب عضوا في القيادة القطرية ومساعدا للأمين العام لحزب البعث، الذي تمكن في عام 1968 من السيطرة على الحكم عبر انقلاب عسكري، ليتولى الفريق أحمد حسن البكر السلطة، وليشغل صدام منصب نائب رئيس مجلس قيادة الثورة، ابتداء من 9 نوفمبر 1969.
ويحكي كتاب ''صدام.. الحياة السرية'' لمؤلفه الصحفي البريطاني كون كوكلان، هذا التدرج ويقول ''في السنوات الأولى بعد ''ثورة تموز'' العراقية شغل صدام مكتباً جانبياً صغيراً في القصر الرئاسي، كان يلائم مكانته، ولما تحسنت منزلته في الحزب، تحسن أثاثه، وفي بداية السبعينات انتقل إلى مكتب أكبر في بناية المجلس الوطني، الذي كان يقع في المنطقة نفسها التي يقع فيها القصر الرئاسي''، واستمر في التدرج حتي 16 يوليو 1979 عندما انتخب رئيسا للجمهورية، وأمينا عاما لحزب البعث العراقي، وقائدا لمجلس قيادة الثورة.
حروب.. وإبادات جماعية
تختلف النظرة لصدام فهناك من يعتبره أحد أسوأ الطغاة في تاريخ العالم، وهناك من يرى أنه البطل والقائد الشجاع، لكن الحقيقة الواضحة أن العراق في عهده دخلت في العديد من الحروب والخلافات مع دول الجوار، فبعد شهور من توليه الحكم اندلعت حربه مع إيران لتستمر ثماني سنوات وذلك عندما قرر إلغاء ''اتفاقية الجزائر'' الخاصة بشط العرب التي وقعها بنفسه مع شاه إيران عام 1975.
وبمجرد انتهاء الحرب العراقية-الإيرانية عام 1988، اتهم العراق الكويت بتعويم سوق النفط والتسبب في تدني أسعاره، وفي 2 أغسطس 1990 أمر صدام قواته بغزو الكويت، وضمها إلى العراق بوصفها المحافظة 19.
وفقا لكتاب يحمل عنوان ''الكتاب الأسود لصدام حسين'' والذي أشرف عليه كريس كوتشيرا بمشاركه عدد من الباحثين، فإن عدد ضحايا الرئيس العراقي السابق يصل لنحو مليوني نسمة، ليصفه الكتاب الذي نشر للمرة الأولى عام 2005 بالفرنسية قبل أن يترجم، أن صدام حسين سلاحاً للتدمير الشامل التهم شعبه خلال 35 عاما.
ويستعرض الكتاب ''حملة الانفال'' ضد الاكراد في مطلع 1988 التي اوقعت ما بين 100 و 180 الف قتيل ومفقود حسب كوتشيرا، وكذلك قصف حلبجة بالسلاح الكيميائي التي أسفرت عن مقتل نحو 5 آلاف قتيل، بالإضافة إلى عمليات التهجير والاختفاء والقمع.
ويشير الكتاب ان المقابر الجماعية في عهده لا تعد ولا تحصي، فتقول سينجي كارين ستويكا باحثة آثار المانية شاركت في تنقيب المقابر الجماعية لمدينة الحضر، أنه تم اكتشاف 288 مقبرة جماعية في العراق وعدد المفقودين يقدر بنحو المليون.
لم تقتصر تصفيته على معارضيه بل طالت أقرب المقربين له، وأشهرهم حسين كامل زوج ابنته رغد والملقب بالصندوق الأسود لصدام، وكان كامل مشرفا على البرنامج العسكري والنووي والجرثومي والكيماوي العراقي، لكنه انشق عن صدام وهرب مع عائلته ليظهر صدام على التلفزيون، ويصفه بـ''الخائن'' متوعدا بسحقه، ليعلن بعدها العفو عنه ويعود كامل للعراق، ليقتل في عملية أطلق عليها ''الصولة الجهادية''.
كما نسب اليه من خلال مذكرات جمعها محاميه خليل الدليمي، وصدرت في كتاب ''صدام حسين من الزنزانة الأمريكية: هذا ما حدث'' إنه قرر إعدام ابنه عدي عندما قتل أحد مرافقيه، لكنه تراجع بعد وساطة من ملك الأردن السابق الحسين بن طلال.
السقوط
في 9 أبريل عام 2003 تم إسقاط التمثال البرونزي الكبير لصدام حسين، لتنتهي معه حقبة حكمه، ويعيش أيام بعدها في حفرة سميت بحفرة العنكبوت إلى ان ألقى القبض عليه في 13 ديسمبر 2003، ليحاكم في 19 أكتوبر 2005، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الانسانية لقتله 148 شيعياً في بلدة الدجيل ولكن صدام أصر على نفي التهمة، ثم بدأت محاكمة ثانية له يوم 21 أغسطس 2006 بتهمة ارتكاب جرائم حرب في حملة ''الأنفال'' ضد الأكراد عام 1988.
ويوم 5 نوفمبر 2006 أصدرت المحكمة أدانتها للرئيس السابق بتهم ارتكاب ''جرائم ضد الإنسانية''، لتنهي حياة صدام حسين بالإعدام شنقا في أول أيام عيد الأضحى في 30 ديسمبر 2006، وتبقى عبارته الشهيرة التي قالها قبيل إعدامه ''أنا ستعدمني أمريكا وأنتم ستعدمكم شعوبكم''.
فيديو قد يعجبك: