هل أهان ''مرسي'' القضاء ؟
تحقيق - محمد أبو ليلة:
حينما ننظر بعين الاعتبار للمشهد السياسي الآن في مصر، ولاسيما أزمة النائب العام المستشار عبد المجيد محمود، فقد تتضح أمامنا عدة أسئلة خاصة بمدي استقلالية السلطة القضائية عن باقي سلطات الدولة من عدمه.
اعتبر بعض القضاة أن ما قام به الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية من إقالة للنائب العام وتعينيه سفيرا لمصر بالفاتيكان، اختراق لقانون السلطة القضائية الذي ينص علي عدم قانونية إقالة النائب، لكن البعض الأخر رأي أن ذلك لا يعد اختراق للقانون فقط؛ بل حملوا رئيس الجمهورية مسئولية ''اهانة'' السلطة القضائية، معتبرين أنها ليست المرة الأولي التي تدخل فيها مرسي في أعمال القضاء.
لكن ''مصراوي'' يطرح تساؤلاً حول هذه الأزمة وهو ''هل أهان مرسي القضاء؟؛ حيث اعتبر المستشار أحمد عبد الفتاح - نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية - أن ما قام به مرسي لا يعد إهانة للقضاء، مضيفا أن النائب العام لم يقال أو يستقيل، قائلا: '' هو تم تعيينه في منصب وهو رفض هذا المنصب حتى لا تقوم القوي السياسية بفعل موضوعات من عدمه، وقد احترم رئيس الجمهورية هذا القرار، ولذلك يجب في الدستور القادم آن يكون تعيين النائب العام بعيد عن السلطة التنفيذية''.
''عبد الفتاح'' توقع أن يحدث صدام أمام مكتب النائب العام لكن انتهت الأمور بهدوء شديد وهذا دليل علي أننا تعلمنا الديمقراطية وبالحوار سنصل إلي مصلحة هذا البلد ولابد أن يعلم الكل أن المزايدات خسارة لهذا البلد والشعب كله يكره المزايدات، علي حد قوله .
لكن رئيس مجلس الدولة الأسبق المستشار محمد حامد الجمل خالفه الرأي قائلا: '' مرسي أهان القضاء بقراره، لأن الدستور المؤقت النافذ حاليا ينص علي استقلال القضاء وعدم جواز التدخل في شئون العدالة وقانون السلطة القضائية ينص علي حصانة القضاة، وأن النائب العمومي غير قابل للعزل مثله في ذلك مثل باقي أعضاء الهيئة القضائية''.
مضيفا :'' إن الهيئة القضائية تفقد طبيعتها لو نزع منها الاستقلال والحصانة لأعضائها بعدم القابلية للعدل وفي هذه الحالة تصبح الهيئة القضائية مجرد إدارة تنفيذية ويتصرف رئيس الدولة فيها من حيث العزل والنقل منفردا دون أي شرط أو اعتبار أخر'' .
أما الدكتور ثروت بدوي - الفقيه الدستوري - أكد أن مرسي لم يهين القضاء قائلاً:'' لا يوجد قضاء في مصر من الأساس، فجزء كبير من القضاة ''فلول'' يخشون من المحاكمات أمثال رئيس نادي القضاة الحالي، وما حدث لم يكن إقالة للنائب العام بل تعيين، كما أن النائب العام الحالي يمكث فى وظيفته منذ 7 سنوات''، مش كفاية عليه هو عاوز يقعد طول العمر في هذا المنصب''، على حد قوله .
وفي سياق الحديث عن هذه الأزمة يعرض ''مصراوي'' بعض قرارات السلطة القضائية التي تدخلت في شئونها السلطة التنفيذية (مؤسسة الرئاسة).
''الرئاسة'' تتدخل في شئون المحكمة الدستورية العليا
في يوم 14 يونيو الماضي أمرت المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشعب بعدما قضت ببطلان عضوية ثلث أعضاء المجلس، لكن بعد أن أصبح مرسي رئيسا للجمهورية، وتحديدا يوم الأحد 8 يوليو الماضي أصدر قرارا جمهوريا يقضي بسحب قرار المجلس العسكري بحل مجلس الشعب (الذي اتخذه بعد قرار المحكمة الدستورية العليا بحل المجلس)، وعودة المجلس المنتخب لعقد جلساته حتى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة.
وبعد هذا القرار بدأت الأزمة ففي 10 يوليو، بعد يومين من قرار مرسي قررت المحكمة الدستورية العليا برئاسة المستشار ماهر البحيري وقف قرار الرئيس محمد مرسى بعودة مجلس الشعب، في جلسة الفصل في الدعاوى المقامة ضد قرار مرسي رقم 11 لسنة 2012 والخاص بعودة مجلس الشعب لممارسة مهامه والقرار المترتب عليه عدم تنفيذ قرار المحكمة الدستورية العليا.
لكن مؤسسة الرئاسة تداركت الخطأ الذي وقعت فيه وأصدرت أصدرت الرئاسة المصرية بيانا بعد يوم من حكم المحكمة الدستورية، تؤكد فيه على بالغ احترامها للدستور والقانون وتقديرها للسلطة القضائية، والتزامها بالأحكام التي تصدر للقضاء المصري وحرصها البالغ لإدارة العلاقة بين سلطات الدولة ومنع أي صدام، وبهذا انتهت الأزمة بين السلطة التنفيذية المتمثلة في رئاسة الجمهورية والسلطة القضائية المتمثلة في المحكمة الدستورية العليا.
''الرئاسة'' تتدخل في أعمال النيابة العامة
اعتبر البعض قرار مرسي بإقالة النائب العام هو تدخل في أعمال النيابة العامة حيث تنص المادة 67 من الفصل الثالث في عدم قابلية القضاء للعزل الخاص بقانون السلطة القضائية علي ''أن رجال القضاء والنيابة العامة عدا معاوني النيابة غير قابلين للعزل ولا يقل مستشارو محكمة النقض إلى محاكم الاستئناف أو النيابة العامة إلا برضائهم''.
كما أن المادة 119من الفص الأول في التعيين والترقية والأقدمية من قانون السلطة القضائية الحالي تنص ''يعين النائب العام بقرار من رئيس الجمهورية من بين نواب رؤساء محاكم الاستئناف أو مستشاري محكمة النقض أو المحامين العاملين الأول على الأقل وللنائب العام أن يطلب عودته إلى العمل بالقضاء وفى هذه الحالة تحدد أقدميته بين زملائه وفق مال كانت علية عند تعيين نائبا عاما مع احتفاظه بمرتباته وبدلات بصفة شخصية، وقد انتهت هذه الأزمة باحترام مؤسسة الرئاسة لقرار النائب العام باستمراره في منصبه.
ثلاث أخطاء قانونية في أزمة النائب العام
يتابع المستشار محمد حامد الجمل رأيه في الأزمة التي حدثت موضحا أن مرسي اتخذ ثلاث قرارات خاطئة في أزمة ''النائب العام'' القرار الأول هو عزله فهو باطل ومعدوم لأنه لا يجوز عزله طبقا للدستور والقانون، والقرار الثاني هو أن يتولى أحد مساعديه منصب النائب العام وأيضا ذلك باطل لا يتم طبقا لقانون السلطة القضائية إلا بترشيح من المجلس الأعلي للقضاء واعتماد هذا الترشيح من رئيس الجمهورية، علي حد قوله.
''الجمل'' قال أنه مرسي اتخذ هذا القرار بعيدا عن رأي المجلس الأعلى للقضاء، وتابع القرار الثالث الخطأ هو تعينيه سفير لمصر في الفاتيكان، حيث أن ذلك مخالف للقانون المنظم للوظائف الدبلوماسية الذي ينص علي أن سن التقاعد لا يتجاوز 60 عام، والنائب العام لديه 66 عام وكان لابد أن يوافق الفاتيكان علي ذلك أولا قبل تعينه سفير للفاتيكان طبقا لقانون الوظائف الدبلوماسية.
وأضاف الجمل ''غير مقبول الأخطاء الجسيمة التي تمت بقرارات الرئيس مرسي منذ قراره بعودة البرلمان الذي أبطلته المحكمة الدستورية العليا والمحكمة الادارية العليا أيضا، وهناك مجموعة من المحاميين المنتمين للتيار الإسلامي يهاجون السلطة القضائية بشد بحجة أن هناك أحكام بالبراءة للمتهمين بقتل المتظاهرين وان المحكمة دبرت مؤامرة مع المجلس العسكري, وهذا غير حقيقي''.
الدستور الجديد يضمن استقلال القضاء
وبعد أن انتهت الجمعية التأسيسية لوضع الدستور من وضع المسودة الأولي للدستور فقد نصت المادة 175 من باب السلطات العامة علي أن ''السلطة القضائية مستقلة، وتتولاها المحاكم علي اختلاف أنواعها ودرجاتها وتصدر أحكامها وفقا للقانون، والتدخل في شئون العدالة، أو القضايا، جريمة يعاقب عليها القانون ولا تسقط بالتقادم''.
كما تنص المادة 176 من الباب نفسه علي ''القضاة مستقلون، وغير قابلين للعزل، ولا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، ولا يجوز ندبهم إلا للأعمال التي يُحددها القانون''.
فيديو قد يعجبك: