إعلان

بلاط.. وثيقة تاريخية حية وشاهد على تعاقب الحضارات بالوادي الجديد (صور)

06:16 م الإثنين 03 فبراير 2025

الوادي الجديد - محمد الباريسي:

في قلب صحراء الوادي الجديد، وعلى بعد نحو 35 كيلومترًا من مدينة موط، تقف قرية بلاط شاهدة على تمازج الحضارات عبر العصور، حيث تتداخل الآثار المعمارية الفرعونية والرومانية والإسلامية والعثمانية لتشكل متحفًا مفتوحًا يحكي تاريخ المنطقة وتراثها العريق.

مدينة الربوة العالية

"بلاط الإسلامية بُنيت على ربوة مرتفعة كإجراء وقائي لحمايتها من خطر المياه الجوفية، وهو أمر منحها أيضًا موقعًا دفاعيًا استراتيجيًا ساعد سكانها على مر الزمن"؛ يكشف الخبير الأثري بهجت أبوصديرة، مدير الآثار السابق بالوادي الجديد، أهمية المدينة معماريًا في حديثه لمصراوي، ويضيف أن الأزقة الضيقة والمسقوفة بالأخشاب داخل المدينة لم تصنع بشكل عشوائي، إذ توفر بشكلها هذا نظام تبريد طبيعي يعتمد على "الاتزان البيئي"، الذي يقوم على التهوية الطبيعية والتظليل لتخفيض درجات الحرارة داخل المباني والأزقة، مما يوفر بيئة معيشية مريحة في مناخ الصحراء الحار.

وثيقة تاريخية حية

بينما يشير الخبير الأثري منصور عثمان، مدير الآثار الإسلامية السابق بالوادي الجديد، إلى مكانتها تاريخيًا، فيحكي عن جدران منازلها التي تحوي نقوشًا تاريخية وآيات قرآنية إلى جانب أسماء مُلاكها وتواريخ بنائها، التي يعود أقدمها إلى عام 1163 هجريًا، مما يجعلها وثيقة أثرية قيّمة تسجل تاريخ سكان القرية وأسرهم.

على بعد كيلومتر واحد من القرية، تقع مقابر بلاط الفرعونية التي تعود إلى الأسرة السادسة (حوالي 2420 قبل الميلاد)، حيث تزين جدرانها رسومات حية تجسد تفاصيل الحياة اليومية للمصريين القدماء، والتي يوضح الأثري صبري يوسف أن الدلائل الأثرية بها تشير إلى أن بلاط كانت مركزًا لحكام الواحات خلال الدولتين القديمة والوسطى، وتضم آثارًا بارزة مثل قلاع الضبة وعين الأصيل، إلى جانب مقبرة حاكم الواحات التي يحمل مدخلها نقشًا هيروغليفيًا وصفه بـ"أقوى حكام الصحراء".

مركز حضاري في العصور الإسلامية وتراث متواصل

أما في العصور الإسلامية، فقد تحولت بلاط إلى مركز حضاري هام مع حفاظها على طابعها المعماري المميز، الذي يتمثل في الأزقة الضيقة والزخارف الخشبية على الأبواب.

يقول محسن عبد المنعم، مدير تنشيط السياحة بالوادي الجديد: "لا يزال تقسيم شوارع القرية إلى مناطق خاصة بالعائلات قائمًا حتى اليوم، مما يعكس التنظيم الاجتماعي العريق للمجتمع المحلي".

وبالقرب من بلاط، تقع قرية البشندي التي تضم مقبرة كتيانوس الرومانية المزينة بنقوش تصور مشاهد التحنيط والبعث، بالإضافة إلى ضريح الشيخ البشندي، الذي شُيد باستخدام حجارة معبد فرعوني قديم وتحول لاحقًا إلى مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم.

معالم دينية وتقاليد متوارثة

ويعد مسجد "عين علم" من أبرز المعالم الدينية في بلاط، إذ يعود تاريخه إلى العصر العثماني، ويتميز بمئذنته الشاهقة وساحته الواسعة. كما يحافظ سكان القرية على تقاليدهم الإسلامية المتوارثة، ويتمسكون بالتحدث باللغة العربية الفصحى بطلاقة.

وجهة سياحية واعدة

وتحولت بلاط إلى وجهة سياحية جاذبة للباحثين وعشاق التاريخ، إذ يمثل مزيجها الفريد من العمارة القديمة والتراث الأصيل كنزًا أثريًا ينتظر المزيد من الاكتشافات والدراسات.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان