إعلان

جبل الطير.. كنز تاريخي في قلب الواحات

12:15 م الخميس 16 يناير 2025

الوادي الجديد – محمد الباريسي:

في واحة الخارجة بمحافظة الوادي الجديد، يقع جبل الطير، أحد المواقع الأثرية الفريدة التي تجمع بين حقب تاريخية متعددة تمتد من العصر الفرعوني حتى الفترات المسيحية. يشتهر الجبل بنقوشه الصخرية التي تصور الإنسان والحيوانات، حيث تعود أقدم هذه النقوش إلى الفترة بين 4500 و3000 قبل الميلاد، بينما تحمل مغارة العذراء في الجبل رسومات مسيحية تعود إلى القرن الرابع الميلادي.

لماذا سُمِّي جبل الطير؟

يبعد جبل الطير حوالي 8 كيلومترات شمال مدينة الخارجة، ويصل ارتفاعه إلى 120 مترًا، اكتسب الجبل اسمه من أسراب الطيور، وخاصة الحمام الجبلي، التي اتخذت شقوق الجبال مسكنًا لها بعيدًا عن الحيوانات المفترسة، وما يميّز هذه الشقوق أنها ضيقة بحيث تسمح فقط بمرور الطيور، مما جعلها ملاذًا آمنًا لصغارها.

شواهد قبطية ودلالات مسيحية

يؤكد الخبير الأثري منصور عثمان، مدير الآثار القبطية والإسلامية بالوادي الجديد السابق، إن جبل الطير يضم آثارًا قبطية تعكس فترة زمن الاضطهاد الروماني للمسيحيين، حيث احتمى الأقباط بالجبل لممارسة عباداتهم بعيدًا عن بطش الرومان فيما يعد كهف مريم أبرز معالم الجبل، ويقع على ارتفاع 200 متر، يزخر الكهف بنقوش مسيحية ورسومات للصليب، إضافة إلى كتابات منقوشة على الصخور، أبرزها عبارات لراهب يُدعى أرسنيوس يقول فيها: "أتيت لهذا المكان لأتفرغ لعبادة ربي وأرى العالم الصغير من موقعي".

وأضاف منصور، أنه كما توجد آثار أخرى تُظهر أساليب معيشة الأقباط في تلك الفترة، رغم وعورة المنطقة وشحّ المياه، ما يُثير تساؤلات العلماء حول كيفية تأقلمهم مع هذه الظروف القاسية.

موقع أثري مهم

تحتل منطقة جبل الطير مساحة 4.5 فدان، وتضم تلالًا وكهوفًا صخرية، وهي مفتوحة للسياح من مختلف الجنسيات، ولكن وعورة المنطقة وتشابك الجبال تستوجب وجود مرشد سياحي.

يقول محمد محسن، مرشد سياحي بالوادي الجديد، إن كهف مريم يُعد من أبرز المزارات بالمنطقة، إذ يحتوي على رسومات وكتابات تمثل تعاليم المسيحية، لكنه يعاني من إهمال الجهات المسؤولة.

أشار محمد، إلى أن جبل الطير يحتوي على نقوش تمتد إلى عصور ما قبل التاريخ، إضافة إلى نقوش قبطية تعود إلى القرون الرابع، الخامس، والعاشر الميلادي.

وأضاف أن الأقباط الذين عاشوا في المنطقة نحتوا كتاباتهم على الصخور ورسموا الصليب بجوارها، معبّرين عن إيمانهم وصلواتهم.

إمكانات سياحية مهدرة

رغم القيمة التاريخية والدينية لجبل الطير، إلا أنه يعاني من إهمال واضح، يقول الأثري جابر حسن: "إن تجاهل هذه المنطقة يُعد خسارة كبيرة للسياحة، إذ يمكن استغلالها في تنشيط السياحة وتوفير فرص عمل للشباب".

ويضيف أن المنطقة تحتوي على نقوش وكتابات تُوثق رحلة الأقباط ومعاناتهم، لكنها معرضة للتلف بسبب الإهمال.

علاقة جبل الطير بالبجوات

يقع جبل الطير بالقرب من مدينة البجوات القديمة، التي تضم ثاني أقدم كنيسة مصرية ومقابر تاريخية تُعرف بـ"مدينة الموتى" أو "مدينة الخلود".

ويقول الآثري محمد إبراهيم، مدير آثار الوادي الجديد، إن هذه المقابر كانت تُستخدم قبل دخول المسيحية إلى الواحات، ومع انتشارها أصبحت مكانًا لدفن الأقباط، تحتوي الجبانة على 263 مزارًا، من أبرزها مزاري "الخروج" و"السلام" اللذين يسردان قصص الأنبياء.

سر المغارات والنقوش المطموسة

يؤكد مدير آثار الوادي الجديد، أنه يمتد جبل الطير على هيئة تلال متشابكة ذات كهوف طبيعية، تضم هذه الكهوف رسومات ونقوشًا تعود لآلاف السنين قبل الميلاد.

ويشير محسن عبد المنعم، مدير فرع الهيئة العامة المصرية لتنشيط السياحة بالوادي الجديد، إلى أن الجبل كان يقع على طريق درب الأربعين التجاري، الذي يربط مصر بالسودان، مما أكسبه أهمية تجارية وتاريخية كبيرة، لكن، ورغم هذه الأهمية، تعرضت النقوش لتلف كبير بسبب الإهمال والزيارات غير الرسمية التي تُجرى دون رقابة.

يقول محسن: "هناك مخربشات على الجدران طمستها يد الإهمال، ومع ذلك يبقى الجبل شاهدًا حيًا على حقب تاريخية عظيمة".

مطالب بتطوير المنطقة

يطالب العديد من المرشدين السياحين بالمحافظة وأبناء واحة الخارجة، بضرورة إدراج جبل الطير ضمن خطط وزارة السياحة والآثار للتطوير والحماية.

يؤكد محمد صلاح، من أبناء الخارجة، أن المنطقة بحاجة إلى ترميم عاجل وتحسين الخدمات السياحية، مع تعزيز التوعية بأهميتها. كما دعا إلى فتح المنطقة أمام الباحثين لدراسة نقوشها ورسوماتها قبل أن تفقد إلى الأبد.

رؤية من القمة

من أعلى جبل الطير، يُمكن رؤية مدينة الخارجة القديمة بالكامل، بما فيها حقول النخيل والمباني التاريخية. يتيح الموقع فرصة للاستمتاع بالطبيعة الساحرة والتعرف على تاريخ المنطقة، لكنه في الوقت نفسه يُظهر الإهمال الذي يعانيه هذا الموقع الفريد.

ختامًا

يبقى جبل الطير كنزًا أثريًا بانتظار من ينقذه من الإهمال، فهو ليس مجرد موقع أثري، بل شاهد على تعاقب حضارات مختلفة تركت بصماتها على صخوره وكهوفه.

إن تسليط الضوء على هذا الموقع وتطويره يُمكن أن يُسهم في تحقيق نهضة سياحية كبيرة لمحافظة الوادي الجديد، ويمنح المنطقة المكانة التي تستحقها في خريطة السياحة المصرية.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان