سماني وزغلول وحياني.. موسم البلح في البحيرة "عيد" (صور)
البحيرة – أحمد نصرة:
كما لو كانت أقراطًا مرصعة بالأحجار الكريمة، زينت وجوه نساء حسناوات، فزادتهن حسنًا وبهاء، أثمرت سباطات البلح فوق رؤوس أشجار النخيل، حبيبات صفراء فاقع لونها تسر الناظرين، وأخرى حمراء قانية تشتهيها الأنفس وتعشقها العين، لوحة فنية رائعة من إبداع الخالق يتمتع بها أهالي البحيرة مع بداية كل خريف وموعد جني ثمار البلح.
تتميز مدينتي إدكو ورشيد، بمحافظة البحيرة بانتشار زراعة النخيل خاصة أصناف البلح "الطري" الذي تجود به المناطق الشمالية من مصر، ويتحول موسم جني ثمار البلح في هاتين المدينتين الساحليتين إلى ما يشبه العيد لقطاع كبير من المزارعين وأصحاب المهن المرتبطة بتلك الزراعة، والأهالي الذين يستقبلون هذا الموسم بفرحة شديدة لارتباط البلح بالعديد من الذكريات والطقوس المتوارثة، واستخدامه في العديد من الأطعمة التراثية.
يقول محمود الحشاش، أحد مزارعي البلح: "يتميز نخيل رشيد وإدكو بجماله وخضرته الشديدة، وملاءمته لأنواع التربة المختلفة خاصة الرملية إلى جانب إنتاجها المرتفع من البلح، وتتميز الفسائل بقدرتها على الإنتاج السريع، وهناك 11 نوعًا من البـلح في هذه المنطقة في مقدمتها الزغلول الذي يتميز بلونه الأحمر القاني، وحلاوة الطعم وتنتج النخلة 150 كيلو جرامًا في العام، والسماني الأصفر وحجمه كبير وتنتج منه النخلة 300 كيلو جرام في السنة، وبنت عيشة وهو أحمر صغير ويؤكل رطبًا وتنتج النخلة منه 150 كيلو جرامًا، والحياني فلونه أحمر ويتحول للون الأسود عندما يرطب وينتج 200 كيلو، وهناك أيضًا العرابي، وأم الفراخ، والحلويات، والبدارة، والأمهات، ونصرالدين، وأصابع زينب، والأنواع الأربعة الأخيرة تكاد تكون اندثرت واختفت بأيدي مزارعيها لقلة إنتاجها وعــدم إنتاج فسائل جديده منها".
"الأمر ليس سهلًا لكي ينتج النخل البلح فهو يمر على مدار السنة بمراحل متعددة شاقة ومكلفة يشرحها محمد مونس – مزارع، قائلًا: "أول مرحلة في العناية بالنخلة هى الحلاقة، ثم تأتي مرحلة الدكار أو التلقيح، ثم تركيب الأكياس، ثم ربط السباطات لكي لا تقع من أعلى الجريد، ثم مرحلة رش المبيدات لمكافحة الآفات مثل السوسة والنمل، وآخر مرحلة هى الجمع أو القطع، وتصل يومية الحزام إللي بيطلع النخل 170 جنيهًا، ويومية الرجل الذي يقوم بتعبئة البلح في الكراتين 110 جنيهات من بعد الفجر حتى الظهر، حتى الكراتين أسعارها زادت وأقل كرتونة 3 جنيهات، غير أجرة المواصلات" .
ويضيف مونس: "البلح المقصر بيبوظ السوق على البلح النضيف، للأسف هناك بعض مزارعي النخيل يفسدون السوق بسبب قطع البلح في أوان مبكر وهو أخضر قبل اكتمال نضجه وده بيتسبب في هبوط الأسعار نظرًا لتدني الجودة".
ويتفنن أهالي إدكو في صناعة الوجبات الغذائية من البلح بطرق مختلفة ومن أغرب هذه الطرق البلح المغلي، يقول السيد البنا: "البلح المغلي هو في الأصل بلح مشوي يتم شيه في الفرن بعد أن ينضج ثم، يغمر في ماء وحلبة ويوضع على النار حتى ينضج ويتحول لون الماء إلى البني الغامق، وله طعم لذيذ".
وبرعت نساء إدكو في صناعة العجوة يقول أبوعمار: "كانت جدتي وأمي رحمهما الله مثلهن مثل جميع الإدكاويات ماهرات في هذا العمل كن يقطعن البلح ويخرجن منه النواة، ثم يضعنه ليأخذ حظه الوافر من آشعة الشمس وبعد هذه المرحلة يطلق عليه اسم الفرافر ثم بعد ذلك يضعنه في ماكينة البسكويت والتي تقوم، ثم بعد ذلك يقمن بعلك المفروم وتشكيله بما يسمى زموط العجوة ثم يضعونه مرة أخرى في آشعة الشمس ليتم في النهاية تخزينها وإخراجها في الشتاء لتكون مصدر السعرات الحرارية العالية، في ليالي الشتاء الباردة.
ويقول عصام قاسم – مؤرخ إدكاوي: "هناك العديد من المهن المرتبطة بالنخيل منها حلاق النخل.
ويضيف: "مهنة حلاق النخل مهنة صعبة تتطلب قوة البنيان وحالق النخيل يحلق النخلة، ثم في مرحلة تالية يجري عملية التلقيح، وفي موسم الجني عليه إيضًا إنزال محصول البلح من أعلى النخيل، ويستخدم في ذلك الحزام وهو ما يعرف في البلاد العربية بالحابول وكذلك سلاحه وهو المسيف وحبل طويل يطلق عليه سلبة لإنزال السباطات، وتعبئة البلح في الأقفاص أو الكراتين".
هناك مهنًا تراثية ارتبطت بزراعات النخيل يقول عنها عبدالوهاب عابدين المؤرخ: "الصناعات المرتبطة بسعف النخيل راجت في إدكو وتميزت بها منذ سنوات طويلة حتى أن أهلنا انتشروا في محافظات مصر وقراها من وراء تجارة هذا المنتج الإدكاوي، يؤخذ السعف من النخيل ويغمر بالماء ثم يصنع دفيرة ومن أهلنا من يخيط الدفيرة فيصنع منها الغلقان والقفف والسبت والنقل وهي القفة الكبيرة، وكانت توضع على ظهر الإبل بواسطة فرع خشب، وأيضًا الضمامة والسراحة والشنط الكبيرة، وتفنن السابقون فصنعوا منها أكياس حب العزيز الصغيرة وصنعوا من الدفيرة البرش وكان يستخدم بديلًا للسجادة والحصير، وكان أجدادنا يتاجرون في هذه المنتجات وكان موسم الحصاد كل عام لبيع هذه المنتجات بالنقد أو تبادل السلع".
من المهن التراثية أيضًا صناعة الأقفاص وبرع أهالي رشيد في هذه الصناعة اليدوية إلا أنها في طريقها للانقراض بسبب ظهور الكراتين والأقفاص البلاستيكية وصعوبة صنعها.
يتذكر عصام قاسم من أهالي إدكو: "كنا نجلس رجال ونساء لنزع السعف من الجريدة وينشر الجريد بعد التعاقد مع القفاص والذي يأتي من رشيد بعدة الشغل قطعة خشب عبارة عن جزء من جزع شجرة بارتفاع حوالي نصف متر يحفر لها بالأرض لمسافة ربع متر ويبقي الباقي فوق سطح الأرض في كابينة قد عدت له وغربلت أرضها ومهدت له وزملاءه، ويبدأ التخبيط من الصباح حتي قرب المغرب ويمكث هذا المعسكر بالبيت حتى ينتهي من تصنيع الأقفاص ولا يبقي على الأرض أي جريدة".
فيديو قد يعجبك: