"مسجد أبو الحجاج الأقصري".. هنا تلاشى التعصب والتقت الحضارات
الأقصر – محمد محروس:
لا يزال مسجد أبو الحجاج الأقصري الذي بُني بساحة معبد الأقصر على نسق المساجد الفاطمية القديمة ليزاحم الآثار الفرعونية بعد دخول الإسلام إلى مصر بنحو 6 قرون، وبالتحديد في العصر الأيوبي عام 658هـ، الموافق 1286م قِبلةً لأهالي محافظة الأقصر والمدن المجاورة خلال شهر رمضان الكريم، حيث يقصده الناس تَبركًا بصاحب المسجد الشيخ السيد يوسف ابن عبد الرحيم، المعروف بأبي الحجاج الأقصري القادم من بلاد المغرب العربي.
يقول عبد الجواد حشيش مدير الآثار الإسلامية السابق بالأقصر لـ"مصراوي": "إن المسجد شيده الشيخ أحمد النجم ابن العارف بالله أبي الحجاج الأقصري فوق أطلال كنيسة بُنيت في العصر الروماني، والتي كانت قد بُنيت بدورها فوق معبد الأقصر الفرعوني".
وتابع حشيش: هذا المكان نموذج رائع للتعايش السلمي وتكامل الحضارات، حيث تتجسد هنا 3 أو بالأحرى 4 حضارات، لم تسع أي منها لهدم الحضارة التي سبقتها، فالمسجد، الذي يمثل الحضارة الإسلامية، بُني فوق أطلال الكنيسة التي تمثل الحضارة القبطية، والتي شُيدت على أنقاض أعمدة مدينة ديسلوبس مدينة الآلهة في العصر اليوناني، التي بنيت فوق معبد الأقصر الذي يمثل الحضارة الفرعونية.
ويضيف حشيش: يخترق مسجد أبو الحجاج بكينونته الإسلامية، أعمدة وجدران المعبد الذي يحتوي على الكثير من مظاهر الحضارة الفرعونية، من أعمدة وتماثيل ونقوش ورسومات لا تزال حية على جدران المعبد، والذي يضم أيضًا، بالإضافة إلى المسجد، بقايا كنيسة قبطية قديمة طمرت تحت مبنى المسجد الذي يرتفع فوق سطح أرض المعبد بأكثر من 10 أمتار، هذا فضلاً عن أعمدة المعبد الروماني.
وأشار إلى أن المسجد يضم مئذنتين: الأولى الشمالية الأصلية، وشُيدت على الطراز الفاطمي، حيث تشبه مئذنة الجيوشي بالقاهرة، والمئذنة الجنوبية التي بُنيت في أوقات لاحقة على نفس الطراز المعماري للمسجد، وتقوم علي الأعتاب فوق الأعمدة الجرانيتية الأربعة بالمعبد، والتي تُشكّل قاعدة غير ظاهرة لها، وترتكز قاعدتها على هذه الأعتاب، وقد بُنيت من الطوب اللبن بشكل مربع وتشبه مئذنة مسجد أبي الحجاج مآذن الصعيد القديمة ذات الطراز الفاطمي، ومنها مئذنة قوص، ومئذنة إسنا، ومئذنة مسجد الجيوشي بالقاهرة، وتقع مئذنة أبي الحجاج بالجهة الشمالية الشرقية، ويبلغ ارتفاعها 14 مترًا و15 سنتيمتر.
ويستدرك مدير الآثار الإسلامية السابق بالأقصر: يضم المسجد أيضًا محرابًا بسيط الشكل يخلو من الزخارف، كما يوجد ضريح صغير دفن فيه صاحب المسجد، ويعلو الجامع صف من الشرفات المبنية بالطوب الأحمر.
من جانبه، قال الشيح حجاج محمد إمام المسجد: "المسجد أصبح في عصرنا الحالي مزارًا سياحيًّا مهمًا، حيث يزوره المسلمون وغير المسلمين من عرب وأجانب".
وتابع الإمام: "أجريت للمسجد مؤخرًا عدة توسعات، إذ أعيد بناؤه في القرن التاسع عشر الميلادي، وجرى ترميمه أوائل القرن العشرين، كما أنشئ مسجد جديد على الطراز ذاته بجوار المسجد القديم خلال النصف الأول من القرن نفسه، وفي عام 2007 تعرض المسجد لحريق، دعا المجلس الأعلى للآثار حينها لعملية ترميمه الأخيرة والتي استغرقت عامين، وبلغت تكلفتها سبعة ملايين جنيه، وشملت العمارة الجديدة وتوسعة ساحة الصلاة وتدعيم القبة وتغيير الأسقف، وأثناء ذلك الترميم كشف عن جدران المعبد التي كانت مطلية بدهانات تغطى معالم الأثر، وعند إزالتها ظهرت أعمدة وأعتاب عليها كتابات مصرية قديمة ترجع إلى عصر رمسيس الثاني".
وهكذا اجتمعت الحضارات الفرعونية والمسيحية والإسلامية في هذه الرقعة الصغيرة من أرض طيبة "الأقصر"، شاهدةً على تسامح المصريين واحتضانهم للحضارات المختلفة.
فيديو قد يعجبك: