"أوستيكا".. لغز إيطاليا وعلاقته بالقذّافي
وكالات
رغم مرور عشرات السنوات على حادث إسقاط طائرة "أوستيكا" يوم 27 يونيو 1980، يصر مسؤولون إيطاليون سابقون على أن الحداث كان سببه عملية عسكرية لاغتيال الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي.
وتُعرف هذه القضية الشائكة باسم "مذبحة أوستيكا"، والتي استغرقت التحقيقات فيها وقتا طويلا كإحدى أطول التحقيقات القضائية في تاريخ إيطاليا، كما أنها لا تزال بأنها لغز دائم في إيطاليا رغم مرور أكثر من 44 عاما على الحادث.
وبعد ساعة من إقلاع طائرة الخطوط الجوية "إيتافيا" من طراز "دي سي 9" يوم 27 يونيو 1980، وعلى متنها 77 مسافرا في رحلة داخلية بين مدينتي باليرمو وبولونيا الإيطاليتين، اختفت الطائرة عن شاشات الرادارات.
وفي فجر اليوم التالي، عثرت السلطات على أجزاء من حطام الطائرة وجثامين 81 شخصا كانوا على متنها قبالة جزيرة "أوستيكا" قرب صقلية.
وافترضت السلطات في البداية، أن الطائرة سقطت في البحر التيراني قرب صقلية بينما كانت تتأهب للهبوط اضطراريا في العاصمة باليرمو، بسبب انفجار قنبلة بداخلها أو نتيجة عطل ميكانيكي، فيما يتمسك المسؤولون العسكريون الإيطاليون باحتمال آخر حتى وقتنا الحالي.
ازدادت التحقيقات في القضية تعقيدا، بعد العثور على حطام مقاتلة ليبية في أقصى شمال جزيرة صقلية في منطقة جبال جنوب كالابريا، فضلا عن تقارير أشارت إلى مشاهدة مقاتلات تابعة لحلف الناتو في المنطقة يوم الحادث.
ومنذ ذلك، ظن البعض أن الطائرة المدنية سقطت بسبب أضرار جانبية، بعد إصابتها بصاروخ عن طريق الخطأ خلال عملية عسكرية تستهدف طائرة تقل الرئيس الليبي معمر القذافي خلال رحلة سرية.
لكن داريا بونفيتي، شقيقة أحد ضحايا الحادث، قائدة رابطة أقارب ضحايا "مذبحة أوستيكا"، قامت بحملة واسعة للمطالبة بالتحقيق المستقل في أسباب الحادث للكشف عن أسبابه.
وعقب 8 أعوام من الحادث، انتُشل حطام الطائرة من عمق يقارب 4 آلاف متر، قبل أن تقوم السلطات بتجميعه في قاعدة جوية قرب العاصمة روما، لتكشف أدلة الطب الشرعي عن وجود آثار انفجار خارج الطائرة على الحطام.
وفي تقرير مكون من 5500 صفحة، أصدره القاضي روزاريو بريوري، عام 1999، أشار إلى أن من الوارد أن صاروخا تابعا للناتو تسبب في إسقاط الطائرة، كما وجه الاتهامات للجيش الإيطالي والأجهزة الأمنية بالتورط في التعتيم على الحداث والتغطية الجنائية.
وأوضح بريوري في تقريره، أن حلف الناتو وسلاح الجو الإيطالي، أعاقا مجرى التحقيقات عبر تقديم شهادات مزورة وتحفظات، ما أسفر عن إخفاء أو تشويه المعلومات عن الحادث.
واعتبر التحقيق، أن إسقاط الطائرة كان عملا حربيا وحرب غير معلنة، وكذلك عملية "بوليسية سرية" ضد إيطاليا التي انتُهكت حدودها وحقوقها.
وبقي الحادث محاط بالسرية، إلى أن تمت تبرئة 4 عسكريين وجّه إليهم التحقيق تهما بإخفاء وتدمير الأدلة، فضلا عن الخيانة العظمى والحنث باليمين.
لكن اختراقا قضائيا حدث يوم 13 يناير 2013 للمحكمة العليا الجنائية في إيطاليا، أظهر أن الطائرة أُسقطت بضربة صاروخية للقوات الجوية الإيطالية عن طريق الخطأ، وأصدرت حكما يلزم الدولة الإيطالية بدفع تعويضات مالية تُقدر بـ100 مليون دولار لأسر الضحايا.
وخلصت المحكمة إلى أن أدلة كثيرة تؤكد تدمير الطائرة بواسطة ما وصفته بـ"صاروخ طائش"، على مقربة من جزيرة صقلية عام 1980، كما أيّدت حكما أصدرته محكمة مدنية في باليرمو في سبتمبر 2011، يلزم الحكومة الإيطالية بتعويض أسر الضحايا، بسبب الفشل في حماية المجال الجوي للدولة وكذلك إخفاء الأدلة أو تدميرها.
وفي سبتمبر 2023، جدد رئيس الحكومة الإيطالية الأسبق جوليانو أماتو تأكيداته بأن حادث الطائرة وقع نتيجة اشتباك عسكري سري، موضحا أن الضربة العسكرية كانت تستهدف القذافي.
وخلال تصريحاته الأخيرة، حمّل أماتو كلا من الولايات المتحدة وفرنسا المسؤولية عن الحادث الذي أسفر عن مقتل 81 شخصا كانوا على متن طائرة "أوستيكا"، واصفا الحادث بأنه "محاولة اغتيال فاشلة للزعيم الليبي معمر القذافي".
ورأى أماتو، أن الاحتمال الأكثر واقعية في وجهة نظره هو أن سلاح الجو الفرنسي مسؤول مع أمريكا عن الحادث، من أجل الإطاحة بالقذافي.
ودعا رئيس الحكومة الإيطالي الأسبق، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي كان بعمر 3 سنوات وقت الحادث، إلى "التطهر من العار الذي تتحمله فرنسا"، إما بإثبات هذه الفرضية أو نفيها.
وفي وقت مبكر من يوم وقوع الحادث، سمع بتينو كراكسي، السكرتير الوطني للحزب الاشتراكي الإيطالي آنذاك، بأن هناك خطر يهدد حياة القذافي إذا دخل المجال الجوي الإيطالي، ليقرر تحذير الرئيس الليبي.
وأكد نجل المسؤول الإيطالي السابق هذه المعلومة عبر تغريدة على موقع "إكس"، لكنه ذكر أن والده كراكسي أطلع القذافي على الأمر عام 1986، أي بعد مرور 6 أعوام على الحادث.
وقبل وفاته بعامين، صرح الرئيس الإيطالي الأسبق
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، أكد صرّح الرئيس الإيطالي الأسبق فرانشيسكو كوسيجا عام 2008، أن حلف شمال الأطلسي هو من أسقط الطائرة خلال عمله لاستهداف طائرة القذافي عن طريق الخطأ.
فيديو قد يعجبك: