لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

محلل أمريكي: حديث أمريكا عن "محور" القوة الشرقية وصفة فشل مؤكد

10:41 ص الخميس 28 نوفمبر 2024

روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

واشنطن - (د ب أ)

تتعامل العديد من دوائر صناعة القرار والفكر السياسي في الولايات المتحدة مع التقارب بين روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية "محور القوة الشرقية" منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، باعتباره "محور" معاد للولايات المتحدة، لكن يوجين رامر الزميل الكبير في معهد الدراسات الاستراتيجية الوطنية وجامعة الدفاع الوطني الأمريكية يرى أن مصالح الدول الأربع متقاربة لكنها ليست متطابقة ولذلك فإن التعامل مع هذه الدول الأربع، التي تسترشد كل منها برؤيتها الخاصة، باعتبارها تحالفاً موحداً أمر لا معنى له، بل وقد يكون من غير المجدي أيضا.

ورغم ذلك حذر تقرير يوليو 2024 الصادر عن لجنة استراتيجية الدفاع الوطني الأمريكية من أن الولايات المتحدة "يجب أن تكون مستعدة لمواجهة محور من الخصوم المتعددين"، في حين أن عضوية هذا المحور الجديد تبدو مائعة للغاية، ولا يربط بين دولها سوى نظم الحكم المستبدة والعداء للولايات المتحدة واتهامها بالسعي إلى تقويض أنظمة الحكم في تلك الدول.

ويرى رامر الذي عمل سابقا في وزارة الخارجية الأمريكية ومؤسسة راند للأبحاث، أن المشكلة الأولى التي تعيب مفهوم "المحور" الذي أعيد إحياؤه هي أن التحالف الثلاثي الأصلي بين ألمانيا وإيطاليا واليابان الذي حمل هذا الاسم في الحرب العالمية الثانية، لم يكن موحداً أبدا كما يعتقد البعض.

ويقدم فيليب زيليكو تحليلاً ممتازاً لظهور "المحور" الأصلي وتاريخه المعقد في خضم الجغرافيا السياسية المضطربة والمعقدة في ثلاثينيات القرن العشرين، والواقع أن الصفة التي اكتسبها "المحور" باعتباره تحالفاً استمر طيلة الحرب العالمية الثانية تتناقض مع التسلسل الزمني المذهل لأصوله وطبيعته الهشة التي أدت إلى تلاشيه بنهاية الحرب وهزيمة دولة.

المشكلة الثانية في رسم أوجه التشابه بين "المحور" الأصلي وتجسيده الحديث هي أنه بالمقارنة مع ثلاثينيات القرن العشرين، فإن الفترة الحالية مستقرة بشكل ملحوظ ولا توجد بها أي تطورات حادة؛ فالعلاقات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية سيئة منذ نهاية الحرب الكورية في عام 1953، والعلاقات مع إيران مقطوعة منذ ما يقرب من نصف قرن من الزمان.

كما أن التوترات والخلافات الجوهرية بين الولايات المتحدة وروسيا تتراكم منذ تسعينيات القرن العشرين وكذلك الحال بالنسبة للعلاقات الأمريكية الصينية، في حين كانت ثلاثينيات القرن العشرين التي شهدت ظهور المحور القديم مليئة بالتطورات المتلاحقة سواء على صعيد الدول نفسها أو على صعيد العلاقات والصراعات فيما بينها.

ثم المشكلة الثالثة في مفهوم "المحور" هي أنه لم يكن تحالفاً عالمياً حقيقياً في الحرب العالمية الثانية؛ فقد كانت مصالح وطموحات الأطراف الثلاثة إقليمية؛ فخطط اليابان التوسعية كانت في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، في حين كانت ألمانيا تسعى إلى فرض هيمنتها في أوروبا، وطموحات إيطاليا كانت في البحر الأبيض المتوسط، في حين لا يشكل تجمع المصالح الإقليمية تحالفاً عالمياً.

ويقول رامر في تحليل نشره موقع مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، إن المحاولات الأخيرة لبعض الدوائر الأمريكية لإحياء مفهوم "المحور" تأتي بنتائج عكسية إلى حد كبير، ولم تنجح في تعزيز الأمن الأمريكي، ذلك أن وصف "محور الشر" الذي استخدمته إدارة جورج بوش الابن في وصف العراق وإيران وكوريا الشمالية كان جزءاً من مبررات غزو العراق عام 2003، الذي تسبب في دمار هائل واضطرابات في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، في حين لم يحقق شيئاً يذكر لتعزيز الأهداف الأمريكية الدائمة المتمثلة في استقرار الشرق الأوسط، ومنع إيران من امتلاك الأسلحة النووية، وضمان أمن إسرائيل.

والواقع أن قرار إدارة بوش بخوض الحرب مع العراق ربما كان سبباً في تعزيز عزم إيران وكوريا الشمالية على مواصلة برامجهما النووية باعتبارها الوسيلة الوحيدة لحمايتهما من التهديد الذي تشكله الولايات المتحدة.

ويضيف رامر أنه من الصعب إثبات أن إيران جزء من تحالف عالمي يعارض الولايات المتحدة في المحيط الهادئ أو أن كوريا الشمالية تعمل كحليف لإيران في مواجهتها مع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بل إن الشراكة "بلا حدود" التي كثيراً ما يُستشهد بها في واشنطن بين روسيا والصين لها حدود حقيقية واضحة.

ومن السمات الأساسية لهذه الشراكة أنه على الرغم من طموحاتهما العالمية، فإن المصالح الرئيسية لكل دولة تقتصر في الغالب على مسارح جغرافية منفصلة بشكل واضح، لا تشكل محورا ولا تحالفا حقيقيا.

ورغم غياب الأسس الموضوعية التي تبرر تعامل الولايات المتحدة مع الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية باعتبارها محورا معاديا، فإن العلاقات بين واشنطن وتلك الدول مثقلة بالعداء وتمضي إلى طريق المواجهة إلى الحد الذي لا يسمح بإجراء محادثات ذات مغزى حول الإصلاحات أو الحلول؛ لذلك يتعين على السياسة الخارجية الأمريكية إدارة هذه المشكلة بدلا من السعي لحلها لأنها غير قابلة للحل في الوقت الراهن.

والحقيقة أن محاولة إدارة مشكلة ما، ناهيك عن حلها، استناداً إلى فهم خاطئ أو مضلل لطبيعتها، من شأنه أن ينتهك مبدأ "عدم الإضرار" في السياسة الخارجية.

في الوقت نفسه فإن محاولة التعامل مع التحدي المتمثل في الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران باعتبارها "محوراً" قد تؤدي إلى تفاقم التحديات التي تشكلها هذه الدول على مصالح الولايات المتحدة، وربما يخلق نبوءة تحقق ذاتها من خلال دفع هذه الدول إلى التقارب وتشكيل محور بالفعل.

لذلك فالمهمة الأولى هي الاعتراف بأن الولايات المتحدة تواجه أربعة تحديات مختلفة ومنفردة، ولها أصولها الخاصة تمثلها الدول الأربع وبالتالي لا يمكن البحث عن حلول واحدة تناسب الجميع، ولا يعني أن هذه البلدان لا تشكل تهديداً للولايات المتحدة أو مصالحها أو لكليهما، أو أنها لن تنتهز الفرص وتستغل المواقف التي يمكنها فيها الإضرار بالمصالح الأمريكية أو تعزيز مصالحها الخاصة على حساب الولايات المتحدة، فهذه البلدان تشكل تهديداً حقيقياً للمصالح الأمريكية، ولكن للتعامل مع هذا التهديد، يتعين على الولايات المتحدة أن تتوصل إلى استراتيجيات فردية تتناسب مع الظروف الخاصة بكل بلد، بدلاً من جمعها كلها تحت نفس القاسم المشترك.

أما المهمة الثانية في التعامل مع هذه البلدان فتتلخص في مراجعة سجل السياسة الأمريكية تجاهها وتقييم مدى فاعلية هذه الأساليب، وهل أسفرت عن نتائج إيجابية، أو تستحق الاستمرار في المستقبل، وهل أسفر إصرار الولايات المتحدة على تخلي كوريا الشمالية عن أسلحتها النووية أو تخلي إيران عن طموحاتها النووية عن أي نتائج إيجابية؟، وهل أدت محاولات الولايات المتحدة لتعزيز الديمقراطية أو مكافحة الفساد في الصين أو روسيا أو كوريا الشمالية أو إيران إلى تحسين الظروف في هذه البلدان؟ وهل من المنطقي أن نستمر في نفس النهج ونتوقع نتائج مختلفة، أم أن الوقت قد حان لتغيير المسار؟

وأخيرا يقول رامر إن تبنى سياسة واحدة تناسب الجميع وعدم بذل أي جهد لفهم دوافع ومصالح وتصورات كل خصم من خصوم الولايات المتحدة، والعمل على جمع مجموعة متنوعة من البلدان ذات الثقافات الاستراتيجية المختلفة تحت مظلة واحدة هي وصفة أكيدة للفشل.

فيديو قد يعجبك: