أحدهم لاعب كرة قدم.. أهالي ضحايا غرق القارب باليونان يكشفون مصير ذويهم في رحلة الموت
كتبت- سارة أبو شادي
شباب حملوا أحلامهم في حقائب صغيرة، وصعدوا بها على متن قارب صيد ضعيف البنية لا يتجاوز طوله الـ30، في رحلة كانت ذهابًا فقط، بدأت من سواحل ليبيا وانتهت على السواحل اليونانية، فعادت الحقائب دون أصحابها لتسرد حكاياتهم، وتضم ذكرياتهم وأحلامهم، وآخر تفاصيل الرحلة التي خاضوها في محاولة البحث عن حياة أفضل لهم و لعائلاتهم.
نحو 750 شخصًا بينهم أكثر من 100 طفلًا، ما بين مصريين وسوريين وجنسيات أخرى،كانوا على متن قارب صيد، غرق بهم في مياه البحر المتوسط قبالة ساحل شبه جزيرة بيلوبونيز اليونانية الأربعاء الماضي، في واحدة من أسوأ كوارث الهجرة في أوروبا، وذلك بعد انتشال نحو 78 جثة وإنقاذ فقط104، ورغم محاولات العثور على مزيد من الناجين، لكن مرور 3 أيام على الحادث جعل الآمال صعبة أمام قوات الإنقاذ.
أصدقاء الرحلة
بعد انتشار نبأ غرق المركب وتداول بعض الأسماء التي كانت على متنه، بدأ الشاب العشريني أسامة في عملية البحث عن أصدقائه "مصطفي وحامد وسمير وأيمن"، الذين خرجوا سويًا من قريتهم التابعة لمركز تلا بمحافظة المنوفية، نحو ليبيا قبل 3 أشهر، الشاب في حديثه لمصراوي سرد حكاية أصدقائه وأيضًا بعضًا من أبناء قريته الذين لقوا حتفهم غرقًا على نفس القارب قبل ساعات والتي تراوحت أعمارهم ما بين الـ 28 والـ35.
كان آخر تواصل بين أسامة ورفاقه قبل نحو أسبوع تقريبا، كعادته عهد الشاب أن يطمئن على رفاقه بين الحين والآخر عن طريق الرسائل الإلكترونية، لكن بعد آخر محادثة بينهم، حاول التواصل معهم مجددًا لكنّه تفاجأ بعدم اتصالهم بشبكة الإنترنت خلال تلك الأيام حتى لحظة نبأ غرق القارب وكانت أسمائهم بين الضحايا.
"والله كلمتهم بدل المرة ألف كنت خايف عليهم" ظروف الأصدقاء الأربعة حسب أسامة كانت سببًا كافيّا للخروج نحو أوروبا، اثنان منهم خاضا تجربة السفر إلى دولًا عربية، فحامد ذهب إلى السعودية لكنّ الظروف حالت بينه وبين استمراره، ومكث بعدها بمصر 5 سنوات لم يحصل خلالهم على وظيفة بشكل ثابت، قبل أن يقرر الخروج نحو ليبيا على أمل البحث عن رحلة إلى أوروبا.
بينما قضى مصطفى نحو عام في الإمارات، حاول خلاله البحث عن عمل مناسب لكن الظروف هي الأخرى لم تساعده فعاد إلى وطنه من جديد، وعمل في مهنة النقاشة لكنّ ظروفه غير المستقرة وسعيه لحياة أفضل لصغيره الوحيد دفعته للخروج إلى ليبيا رفقة أصدقاء طفولته.
لم تكن ظروف أيمن وسمير هي الأخرى أفضل حالا، فالأول كان لاعب كرة قدم ضمن صفوف مركز شباب تلا وجمهورية شبين ونادي الشمس، ولم يكن له مصدر رزق آخر سوى لعب كرة القدم ضمن أندية عائدها المادي ضعيفًا، ومن أجل توفير حياة أفضل لطفليه كان الخروج هو الحل، فيما عمل سمير كنجار مسلح ولم تكن قصته مختلفة كثيرًا عن قصة رفاقه السابقين فذهب باحثًا عن مصدر رزق جديد لطفلية.
ابتلع البحر رفاق أسامة الأربعة " أيمن ومصطفى وسمير وحامد" عائلتي مصطفى وسمير تلقت نبأ وفاتهم غرقًا من بعض أبناء بلدهم ممن يقيمون في أوروبا، والذين توجهوا نحو اليونان فور علمهم بالحادث للمساعدة في معرفة مصير هؤلاء الشباب، بينما خرجت زوجة أيمن على مواقع التواصل لتؤكد أن زوجها على قيد الحياة نافية إشاعات موته، فيما لا زال مصير الرفيق الرابع حامد مجهولا حتى اللحظة.
الرسالة الأخيرة
لم يختلف الأمر مع هاجر، والتي تفآجئت بنبأ غرق المركب وعلى متنه نجل خالها صاحب الـ19 عامًا، والذي أرسل رسالة إلى عائلته، قبل السفر بساعات قليلة يبلغهم خلالها باستعداده للخروج نحو إيطاليا على مركب هجرة، طالبًا منهم الدعاء له دون الحديث عن تفاصيل أخرى.
حتى الآن لا تعلم عائلة هاجر مصير ابنها "خالد" حسبما ذكرت لمصراوي، يحاولون نشر صورته واسمه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بل وإرسالها إلى المصريين المتواجدين في اليونان ممن تطوعوا للبحث عن الضحايا لكن لم تتوصل العائلة لشئ، ولا زالت تنتظر معرفة مصير ابنهم الشاب الذي خرج يسعى خلف أحلامًا لكنّ البحر لم يمهله فرصة لتحقيقها.
على أمل النجاة
سمر الفتاة التي تعيش بمحافظة المنوفية، والتي فقدت هي الأخرى بعضًا من أبناء قريتها في الحادث، لكنّها لا زالت تسعى في محاولة معرفة مصير آخرين، سمر في حديثها لمصراوي لم تذكر عددًا معينًا للضحايا من أبناء بلدتها، لكنّها قالت أنّ هؤلاء الشباب خرجوا نحو ليبيا بطريق غير قانوني قبل نحو أسبوعين، ولم يعلم ذويهم حسب قولها ما ينوي أبنائهم فعله من الخروج إلى إيطاليا.
" احنا عايشين على أمل إنهم يطلعوا أحياء مش ضحايا"، الفتاة ومن معها من أبناء بلدتها لا يزالوا يحاولون معرفة مصير أقاربهم وأبناء قريتهم، خاصة بعدما تداول البعض أمس نبأ وفاة جميع أبناء القرية في الحادث، إلّا أنّ الفتاة تحدّثت عن وصول نبأ إليهم من أحد الأشخاص يخبرهم أنّ بعض الأسماء من أبناء قريتهم لا زالوا على قيد الحياة ويتواجدون داخل أحد مراكز الاحتجاز اليونانية، لذا تطوّع عدد من أبناء البلدة ممن يتواجدون في إيطاليا للتوجه إلى اليونان والتأكد من معرفة مصير هؤلاء الشباب .
القبض على المتورطين
وكشفت وسائل إعلام يونانية، أنّ السلطات اليونانية ألقت القبض على 9 أشخاص يحملون الجنسية المصرية، ناجين من غرق قارب صيد قبل يومين بالقرب من السواحل اليونانية، هؤلاء الأشخاص يشتبه في تورطهم بأنّهم مهربون في اليونان، وبين هؤلاء قبطان المركب المتهالك الذي ناء بركابه وانقلب قبل أن يغرق، مما أدى إلى مصرع 78 شخصا على الأقل وفق حصيلة رسمية.
ومن الممكن أن يتجاوز عدد قتلى غرق القارب ما بين الـ 500 والـ700 شخص، وفقا لتقديرات السلطات اليونانية فيما لم يتجاوز عدد الناجين 104 شخص،من دول عدة: 47 سوريا و43 مصريا و 12 باكستانيا و فلسطينيان اثنان، بحسب السلطات، وتم نقلهم إلى مركز استقبال للمهاجرين في مالاكازا في شمال شرق أثينا. و"كلهم رجال" حسبما ذكر الناطق الرسمي باسم خفر السواحل، مضيفا بأن النساء والأطفال المحتملين في عداد المفقودين.
ووفقًا لبيان رسمي صادر عن السلطات اليونانية، فإن قارب الصيد كان غادر مصر فارغا، ولم يكن على متنه مهاجرين قبل أن يستقله مهاجرون في مدينة طبرق الساحلية بشرق ليبيا، وكان متوجها إلى إيطاليا، وقبل قبل ثلاث ساعات من غرق القارب اقتربت منه سفينة دورية تابعة لخفر السواحل اليونانية، وألقت حبلاً للتأكد من وضع السفينة وركابه، واستمر الأمر لعدة دقائق لكن المهاجرين أنفسهم رفضوا سحب الحبل، ومن ثم غادرت دورية خفر السواحل، وبعدها تفاجأت بغرق المركب.
فيديو قد يعجبك: