لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

محلل أمريكي: أضرار المحاولات الأمريكية لتسييس قضية أصل فيروس كورونا أكثر من فوائدها

08:29 ص الثلاثاء 14 مارس 2023

فيروس كورونا

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث


واشنطن-( د ب أ):

لم يتراجع الاهتمام العام وبخاصة من جانب السياسيين الأمريكيين بمعرفة أصل فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19" ، بل إنه تزايد مؤخرا، حتى أن لجنة فرعية في مجلس النواب عقدت جلسة استماع قبل أيام حول الموضوع، في حين دعا أعضاء جمهوريون في مجلس الشيوخ أفريل هاينز مدير جهاز الاستخبارات الوطنية لكي يقدم لهم المواد والوثائق الأصلية التي اعتمدت عليها تقييمات أجهزة الاستخبارات للموضوع.

وقال المحلل الاستخباراتي الأمريكي السابق بول بيلار في تحليل نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية إن أجهزة الاستخبارات الأمريكية لا تمتلك حتى الآن معلومات كافية للوصول إلى حكم دقيق بشأن كيف وأين انتقل فيروس كورونا المستجد إلى البشر لأول مرة. وهناك عدد من أجهزة الاستخبارات الأمريكية يميل إلى افتراض أن الجائحة مثل الكثير من الأمراض الفيروسية بدأت بالانتقال الطبيعي للفيروس من الحيوانات إلى الإنسان.

وهناك عدد قليل من الأجهزة يميل إلى افتراض تسرب الفيروس من معمل لأبحاث الفيروسات في مدينة ووهان الصينية، وهناك مجموعة ثالثة من الأجهزة ترفض الانحياز لأي من الافتراضين. في الوقت نفسه لم يقدم أي معسكر تقييما له مصداقية عالية لهذه القضية، في حين تتفق كل الأجهزة على أن غياب التعاون الصيني في تبادل المعلومات بشأن أصل الفيروس يعرقل محاولات الوصول إلى إجابة نهائية وصحيحة لحسم قضية أصل الفيروس.

ويرى بيلار الذي أمضى 28 عاما من حياته العملية في أجهزة المخابرات الأمريكية حتى أصبح مسؤول الاستخبارات الوطنية لمنطقة الشرق الأدنى وجنوب آسيا أنه يجب قبل تكريس كل هذا الوقت والجهد سواء من جانب مجتمع الساسة أو الاستخبارات للوصول إلى إجابة عن سؤال أصل الفيروس، معرفة الفارق الذي يمكن أن يحققه الوصول إلى هذه الإجابة. ورغم الخسائر الاقتصادية والبشرية الهائلة التي تكبدها العالم بسبب جائحة كوفيد 19، فإن الفارق الذي يمكن أن تحدثه معرفة كيف بدأت الجائحة بشكل دقيق أقل كثيرا مما يوحي به قدر الجهود والاهتمام المبذول للوصول إلى هذه المعرفة.

وبالطبع من الصعب تحديد الجدوى التي كان يمكن أن تحققها الإجابة على السؤال في التعامل بصورة أفضل مع الجائحة. بالطبع يمكن الوصول إلى دروس تتعلق بتطوير أنظمة إنذار مبكر من انتقال الفيروسات بين الحيوانات والبشر، أو أهمية تشديد إجراءات الأمن والسلامة في معامل الأبحاث، لكن هذه الدروس معروفة لدى الخبراء حتى قبل تفشي الجائحة.

ويقول بيلار الرئيس السابق لوحدات تحليل المعلومات في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية إن أصل فيروس كوفيد 19 قضية فنية في الأساس لكن السياسيين الأمريكيين استغلوها وحولوها إلى قضية سياسية. وأغلب هؤلاء السياسيين من الحزب الجمهوري الذين يتبنون لهجة حادة تجاه الصين بشكل عام، لكن التشدد تجاه الصين في هذه القضية لا يبدو مفيدا في بناء سياسة سليمة.

وهناك دافع آخر محتمل وراء محاولات الجمهوريين تسييس قضية أصل فيروس كورونا المستجد، وهو الانتقام من أنتوني فوتشي رئيس مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها الأمريكي والذي لم يغفر له الكثير من الجمهوريين تصريحاته ومواقفه العقلانية في مواجهة الهراء الذي كان يردده الرئيس الأمريكي السابق دونال ترامب عن فيروس كورونا. فقد قال فوتشي في البداية إنه يميل إلى افتراض انتقال الفيروس بشكل طبيعي إلى البشر، رغم أنه مستعد تماما لتغيير رأيه إذا ظهرت أدلة قوية على عكس ذلك.

وهناك دافع آخر وهو رغبة الجمهوريين في الضغط على الإدارة الديمقراطية التي صدرت في ظلها التقييمات الاستخباراتية غير الملزمة، وكذلك الضغط على أجهزة الاستخبارات نفسها باعتبارها جزءا من الدولة العميقة التي يرى ترامب والعديد من الجمهوريين أنها كانت تعمل ضدهم في سنوات حكمه.

ويحذر بيلار من مخاطر وأضرار تسييس القضايا الفنية مثل قضية أصل فيروس كورونا المستجد، ويقول إنه عندما يتم تسييس أي قضية فنية تحدث ثلاثة أضرار؛أولها المبالغة في تصور الأهمية السياسية للإجابة على السؤال الفني. فالرأي العام والسياسيون يصلون إلى قناعة بأن الخيارات السياسية المهمة تتوقف على هذه الإجابة، حتى لو لم يكن الأمر كذلك.

وفي عام 2003 عندما أرادت إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش الابن غزو العراق وقررت تسييس ملف المعلومات الاستخباراتية عن أسلحة الدمار الشامل العراقية، تم تركيز قدر ضخم من الاهتمام بملف أسلحة الدمار الشامل، على حساب قضية أهم وهي أن الذهاب إلى الحرب حتى لو كانت الأدلة المزيفة التي قدمتها الإدارة الأمريكية عن وجود أسلحة دمار شامل لدى العراق حقيقية، كان خطأ فادحا. فكل الفوضى التي أعقبت الغزو بما في ذلك عمليات المقاومة المسلحة ضد القوات الأمريكية والتفكك الاقتصادي وظهور الجماعات الإرهابية والاضطرابات الإقليمية والخسائر البشرية الأمريكية كانت متوقعة ومعروفة. كما أنه لو كان لدى العراقيين أسلحة دمار شامل واستخدموها ضد القوات الأمريكية أثناء الغزو، لتكبد الأمريكيون خسائر أكبر.

الأمر نفسه يتكرر الآن مع الصين. ويتعين على دوائر صناعة القرار الأمريكي التفكير بعناية في العديد من القضايا السياسية والاقتصادية والعسكرية المهمة والتي تتجاوز كثيرا أهمية معرفة طبيعة إجراءات الأمن في معمل صيني للأبحاث. ربما تكون هناك أسباب وجيهة لتبني موقف متشدد تجاه الصين في هذه الأيام، واحتمال وجود تراخي في معمل أبحاث صيني ليس من بين هذه الأسباب، بغض النظر عن مدى مسؤولية هذا التراخي عن حدوث الجائحة.

والضرر الثاني هو أنه نظرا لأن السياسيين غير مؤهلين لتقييم الكثير من المسائل الفنية، فإن إقحامهم لأنفسهم في مثل هذه التقييمات سيؤدي حتما للوصول إلى الكثير من الإجابات الخطأ. كما أن الرأي العام سيتلقى مفاهيم خطأ ، بما فيها مفاهيم قد لا يمكن رفضها بنفس سهولة رفض اقتراح ترامب حقن الناس بالمطهرات للقضاء على الفيروس.

أما الضرر الثالث فهو أن تسييس مثل هذه الموضوعات يمكن أن يؤدي إلى إفساد تقييمات الخبراء أنفسهم بشكل غير ظاهر وربما دون أن يعوا ذلك، وبخاصة لدى الخبراء العاملين في المؤسسات الحكومية المسؤولين أمام القادة السياسيين في نهاية الأمر. وعندما تكون الأدلة المتاحة هشة وغير واضحة، لن يحتاج الأمر إلى جهد كبير للتأثير على الأحكام.

فالتفضيل القوى لدى إدارة جورج بوش الأبن لتحليل ملف استهدف دعم حملة مؤيدي شن الحرب هو ما أثر على تحليل برامج التسليح العراقية. لكن هذه المرة لا توجد تفضيلات سياسية واضحة لدى الإدارة الأمريكية الحالية بشأن طبيعة التعامل مع الصين أو مع ملف كوفيد 19، لذلك من غير الواضح الاتجاه الذي يمكن أن يؤثر فيه الموقف السياسي على محاولات تحديد أصل فيروس كورونا المستجد. لكن أي تأثير للسياسيين على عمل الخبراء الفنيين يقلل فرص الوصول إلى إجابة صحيحة على السؤال الفني المتعلق بهذه القضية.

فيديو قد يعجبك: