مهما كان الثمن.. لماذا تريد روسيا السيطرة على مدينة سوليدار الأوكرانية؟
موسكو - (ا ف ب)
يشن الجيش الروسي منذ عدة أيام هجمات مكثفة وعنيفة على سوليدار الواقعة في منطقة دونيتسك شرقي أوكرانيا، والتي باتت قاب قوسين أو أدنى من الوقوع بقبضة قوات فاغنر الروسية وفق ما أعلن رئيس المجموعة شبه العسكرية الأربعاء، معترفا بأن المعارك لا تزال مستعرة وسط البلدة. وبالنظر لتكرر محاولات احتلال المدينة الصغيرة المحاذية لمدينة باخموت والتي تكللت بالفشل، يبدو أن موسكو تريد تحقيق النصر هناك بأي ثمن.
تشهد بلدة سوليدار الواقعة شرقي أوكرانيا في قلب منطقة دونيتسك على بعد نحو 10 كلم من مدينة باخموت منذ عدة أيام، قتالا عنيفا بين الجيش الأوكراني ومرتزقة مجموعة فاغنر الروسية شبه العسكرية، بإسناد من الانفصاليين الموالين لموسكو.
والأربعاء، أعلن قائد المجموعة يفغيني بريغوجين عبر آلته الدعائية على منصات التواصل، بأن مقاتليه سيطروا على سوليدار بعد معارك كثيفة خلال الأسبوع الحالي، لكنه أضاف رغم ذاك أن "القتال في الشارع" يتواصل.
في المقابل، دعا الكرملين إلى عدم "التسرع" في إعلان الانتصار وأكدت وزارة الدفاع الروسية أن المعارك بين القوات الأوكرانية والروسية في سوليدار لا تزال متواصلة. وأوضحت الوزارة: "وحدات مجوقلة عطلت الوصول إلى الأجزاء الشمالية والجنوبية من سوليدار. القوات الجوية الروسية تضرب معاقل العدو. ووحدات هجومية تقاتل في المدينة".
من جانبه، قال مستشار الرئاسة الأوكراني ميخايلو بودولاك الأربعاء إن القتال للسيطرة على سوليدار وباخموت هو الأكثر دموية للقوات الروسية والأوكرانية منذ بدء الحرب.
لكن، لماذا باتت هذه البلدة الصغيرة التي لم يكن عدد سكانها قبل بدء الغزو الروسي في 24 فبراير يتجاوز 10 آلاف نسمة، من الأهداف العسكرية الرئيسية لموسكو في حربها على أوكرانيا؟
غزو منطقة دونيتسك
يرى سيم تاك وهو محلل عسكري مختص في الصراعات المسلحة والسياسة الدفاعية: "من الواضح أن هناك أهمية استراتيجية وراء هذا الهجوم على سوليدار"، وهو يوضح: "شرقا، تخضع منطقة لوغانسك بالكامل للسيطرة الروسية، لكن في منطقة دونيتسك لا تزال المدن الرئيسية في سلوفيانسك وكراماتورسك أوكرانية".
ومن ثمة، فإن احتلال سوليدار هو جزء من عملية أكبر لبسط السيطرة على دونيتسك، المنطقة التي يسعى الانفصاليون الموالون لروسيا للسيطرة عليها منذ 2014، وهي واحدة من أربع مناطق في شرق أوكرانيا قامت روسيا بضمها في سبتمبر الماضي، إثر استفتاءات مثيرة للجدل لم تعترف بها كييف وحلفاؤها الغربيون.
وبالنسبة لموسكو، فإن السيطرة على سوليدار ستسمح بتحقيق عدة أهداف، أبرزها تعزيز مواقع قواتها قرب باخموت. حيث إن دينيس بوشلين زعيم الانفصاليين في دونيتسك قال للتلفزيون الروسي الثلاثاء، إن بسط السيطرة على سوليدار سيفتح "آفاقا جيدة" للسيطرة على باخموت وكذا لشن هجوم جديد على بلدة سيفرسك شمالا.
بدورها، أوضحت وزارة الدفاع البريطانية بأن الاستيلاء على سوليدار سيسمح حتما للقوات الروسية ببلوغ باخموت. كما قالت الاستخبارات العسكرية البريطانية إن "التقدم الروسي نحو سوليدار يهدف على الأرجح إلى تطويق باخموت من الشمال وإرباك خطوط الاتصال الأوكرانية".
وبالنسبة إلى المحلل العسكري سيم تاك، فإن "السيطرة على سوليدار ستفتح أبواب باخموت". ويضيف: "جغرافيا، باخموت تفتح الباب أمام أهم المدن وهي سلوفيانسك وكراماتورسك" في الغرب. وبالتالي فإن الهدف من وراء هذا الهجوم الروسي المستمر هو غزو منطقة دونيتسك بالكامل.
السيطرة على أنفاق تمتد على كيلومترات
يبدو جليا أن هذه المدينة الصغيرة مهمة بالنسبة إلى مرتزقة مجموعة فاغنر، التي نشرت عناصرها على الخط الأمامي لجبهات الهجوم في سوليدار، حتى إن جزءا من المعارك التي تخوضها يستهدف تحديدا السيطرة على مدخل منجم ملح قديم في البلدة، وأميال من الصالات والممرات السفلية تحته. ويعني الاستيلاء على سوليدار وضع اليد على حوالي 200 كيلومتر من الأنفاق الممتدة عبر منطقة باخموت بالكامل، والتي يرجح أن تضم قوات أو معدات عسكرية.
يذكّر سيم تاك بأنها "ليست أول مرة يتم فيها استخدام هذا النوع من الاستراتيجيات. يكفي رؤية ما وقع في سوريا حيث تم استخدام الأنفاق بشكل دوري".
هذا إضافة إلى إخفاء المعدات والجنود بفضل الأنفاق، فإن مناجم سوليدار تمر تحت خط الجبهة وبالتالي يمكن للقوات الروسية استغلالها "للتسلل خلف خطوط العدو". حسب تقييم الاستخبارات العسكرية البريطانية.
بدوره، يضيف مركز الأبحاث الأمريكي "معهد دراسة الحرب (ISW)"، تفسيرا آخر للهوس الروسي حيال بلدة سوليدار، يرتبط بالطموحات الشخصية لمؤسس مجموعة مرتزقة فاغنر يفغيني بريغوجين. وحسب ISW وأيضا وكالة رويترز للأنباء نقلا عن مصدر في البيت الأبيض الأمريكي، فإن رجل الأعمال الروسي المقرب من بوتين مهتم بالثروة المالية التي يمكن أن يحققها في حال استحوذ على الموارد الطبيعية الأوكرانية المتواجدة حول مدينة باخموت.
ووفق "معهد دراسة الحرب" فإنه يمكن أيضا "تفسير التصميم الطويل والمكلف ليفغيني بريغوجين لفرض سيطرته على المنطقة" بقيمة الثروات الطبيعية التي تزخر بها سوليدار، من ذلك رواسب الجبس والطين والطباشير وخصوصا الملح، حيث تقدر احتياطاتها بنحو 2000 سنة.
حرب الاتصالات
منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير 2022، تكبّد الجيش الروسي "القوي" سلسلة هزائم على يد القوات الأوكرانية المدعومة من الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين. لكن النزاع تحول لاحقا إلى حرب استنزاف تتعرض فيها روسيا لانتكاسات متتالية.
وبالنسبة لأوكرانيا، فإن الدفاع عن سوليدار يتربع على أهمية عملانية ألا وهي ربح الوقت. في هذا الصدد، أوضح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مساء الإثنين أن "بفضل مقاومة جنودنا هناك، في سوليدار، ربحنا وقتا إضافيا و[حافظنا] على القوات لأجل" البلاد، وأضاف بعد أن هنأ شعبه وجيشه بتلك الإنجازات، قائلا: "لقد دمر كل شيء تماما أراضي سوليدار بالكامل مغطاة بجثث الغزاة وقد باتت تحمل ندوب الانفجارات. هذا ما يبدو عليه الجنون".
في المقابل، تبحث موسكو عن تحقيق النصر مهما كان الثمن، حتى لو خلّف مذاقا مرا. وفي سوليدار، نشرت روسيا عددا كبيرا من الوحدات المكونة من أهم قوات الاحتياط في مجموعة فاغنر، وتوالت الهجمات للسيطرة على المدينة.
يوضح الخبير العسكري سيم تاك: "من المؤكد أن الروس سيقدمون معركة سوليدار على أنها انتصار عظيم". مضيفا: "لكن في الواقع، فإن هجوما من هذا النوع هو مكلف للغاية من حيث المعدات المدمرة وفقدان المقاتلين، كما كان الحال بالنسبة لمعركة بوباسنا"، المدينة الواقعة في منطقة لوغانسك، شرق سوليدار، والتي سيطرت عليها القوات الروسية في مايو 2022، لكن بعد أن تم "تدمير معداتها بالكامل" حسب نفس المتحدث.
كما تابع تاك: "سبق وأن رأينا كيف اضطرت روسيا إلى مراجعة أهدافها مثلما حدث عندما خسرت منطقتي خيرسون وخاركيف". مشيرا في هذا السياق إلى الانسحاب الروسي من قرابة كامل منطقة خاركيف شمال شرق البلاد في سبتمبر، واستعادة القوات الأوكرانية في نوفمبر الماضي السيطرة على مدينة خيرسون، العاصمة الإقليمية الوحيدة التي سقطت في قبضة الروس. ويردف نفس المتحدث: "الحقيقة، هي أن موسكو تورطت في حرب برية ستستغرق وقتا، ولن يكون البرد عاملا مساعدا. كما أن التقدم فيها شديد البطء".
هذا المحتوى من
فيديو قد يعجبك: