بعد الهجوم الأوكراني المضاد.. سيناريوهات مأساوية لرد روسي صادم
موسكو - (ا ف ب)
تتطلع أوكرانيا بعد أن حققت قواتها نجاحات كاسحة في هجوم مضاد تشنه منذ مطلع سبتمبر، إلى تحرير كافة أراضيها التي احتلتها القوات الروسية. لكن هذه المساعي ودور الغرب في دعم كييف يعمقون حسب مراقبين، احتمال لجوء روسيا "الدولة النووية العظمى" إلى استخدام أسلحة الدمار الشامل لترعيب الأوكرانيين ودفعهم إلى الاستسلام، أو إلى الدخول في مواجهة مباشرة مع الغرب في حرب عالمية ثالثة، كل هذا فيما دعا نواب من موسكو الرئيس بوتين إلى التنحي.
تسارعت التطورات الميدانية على الساحة الأوكرانية والروسية مؤخرا بعد تحقيق كييف انتصارات ساحقة ومفاجئة، سمحت لها باسترجاع نحو ثمانية آلاف كيلومتر مربع من الأراضي، حسبما قال الرئيس فولوديمير زيلينسكي الثلاثاء.
في ظل هذه المستجدات وفي تطور داخلي لافت، وجّه نواب من موسكو الإثنين رسالة إلى الرئيس فلاديمير بوتين يطلبون فيها منه التنحي عن السلطة، وسط حالة من التذمر المتفاقمة من أهداف الحرب على أوكرانيا. واستند النواب إلى المادة 93 من الدستور التي تخوّل البرلمان إقالة رئيس الدولة في حالة "الخيانة العظمى"، وهو ما تضمنته عريضة موقعة من أعضاء في المجلس البلدي لمنطقة سمولينسكي أرسلت إلى مجلس الدوما (مجلس الشيوخ)، لتوجيه هذه الاتهامات لبوتين وعزله من منصبه.
"حرب عالمية ثالثة ومواجهة مباشرة"
في خضم هذه الأحداث المتسارعة، حذر الرئيس الروسي السابق ديميتري مدفيديف الثلاثاء عبر قناته في منصة تلغرام، الدول الغربية من حرب عالمية ثالثة ومن مواجهة عسكرية مباشرة بين روسيا والناتو، في رده على مطالبة أوكرانيا من حلف شمال الأطلسي تقديم "ضمانات أمنية" أو ضمها إلى التكتل العسكري الغربي، وأيضا في حال استمر ضخ الأسلحة والدعم العسكري من الغربيين إلى كييف، وهو ما اعتبره مدفيديف "حربا بالوكالة لإضعاف روسيا".
وقال الكرملين الأربعاء إن طموحات أوكرانيا المستمرة للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي ما زالت تمثل تهديدا لأمن روسيا، وأكد على حاجة روسيا للقيام بما تسميه "عملية عسكرية خاصة" في أوكرانيا.
وقال مدفيديف "الساعد الأيمن" والحليف الوفي للرئيس بوتين، إن روسيا ستواصل هجومها بهدف استسلام أوكرانيا، مضيفا: "الحملة العسكرية ستنتقل عاجلا أم آجلا إلى مستوى آخر". وصرح في حديثه عن الشعوب الغربية: " كل شيء يشتعل من حولهم. سوف يحرقون الأرض حرفيا ويذوّبون الخرسانة. الجميع سيكون في حال سيئة للغاية".
"ترعيب الأوكرانيين وحثهم على الاستسلام"
بالتزامن مع تهديدات مدفيديف، حذرت النائبة السابقة للأمين العام لحلف شمال الأطلسي روز غوتيمولر من أن الخسائر الميدانية الأخيرة للقوات الروسية في أوكرانيا خصوصا في منطقة خاركيف، قد تدفع بوتين للجوء إلى استخدام الأسلحة النووية.
وقالت غوتيمولر لبرنامج راديو "بي بي سي" الإذاعي البريطاني الثلاثاء إن التأمل في طريقة "تصرف بوتين وزمرته خلال هذه الأزمة" يدفعها إلى الخشية من أن "يردوا الآن بطرق غير متوقعة حقا قد تبلغ حد استخدام أسلحة الدمار الشامل". وأوضحت المسؤولة الأطلسية السابقة بأن الهجوم الروسي المحتمل قد يكون "ضربة نووية من نوع ما" لكنها استبعدت استخدام الروس للأنظمة الاستراتيجية المركزية، أو الصواريخ البالستية العابرة للقارات، أو الصواريخ التي يتم إطلاقها من الغواصات وهي موجهة خصيصا نحو الولايات المتحدة.
وقالت غوتيمولر إن الرد النووي الروسي يمكن أن يتم عبر "ضربة واحدة فوق البحر الأسود، أو ضربة ضد منشأة عسكرية أوكرانية. لإثارة الرعب ليس فقط في قلوب الأوكرانيين" بل أيضا حلفاء كييف. وتابعت: "الهدف هو حث الأوكرانيين المرعوبين على الاستسلام.. حاليا أنا قلقة من هذا السيناريو".
ما سبب الانسحاب المفاجئ والهائل للقوات الروسية؟
يرى محمود الأفندي محلل سياسي وأستاذ الأكاديمية الروسية بأن القوات الروسية تعيد الانتشار والتموضع وحسب، ويقول ههنا: "هو ليس انسحابا بل إعادة انتشار فمنذ 1 سبتمبر/أيلول حدث هجوم أوكراني متوقع لفتح تسع جبهات ثلاثة منها في خاركوف وثلاثة في زابوريجيا وثلاثة أخرى في خيرسون. عن طريق المعلومات الدقيقة والاستخبارات الأمريكية ومن الناتو، اخترق الأوكران المواقع الضعيفة في خاركوف حيث تم الاختلاط بالخط الدفاعي ما دفع الجيش الروسي إلى إعادة الانتشار للحفاظ على حياة الجنود المدافعين عن تلك المنطقة". ويضيف محدثنا: "روسيا قادرة على استعادة تلك المناطق وهذا معلوم لكنه يحتاج إلى وقت لإعادة حشد القوات. كما ساهم في تلك النجاحات الأوكرانية تقديم الأسلحة الجديدة والخطة الاستخباراتية الغربية باعتراف جيك سيليفان (مستشار الأمن القومي الأمريكي) بتقديم تلك المعلومات وهو ما أزعج روسيا التي اعتبرت هذا تدخلا مباشرا. الفيديوهات التي نشرها الأوكران للمناطق التي سيطروا عليها تظهر تواجد مرتزقة أجانب يتحدثون اللغة الإنكليزية. كما أن المساحة المسترجعة ليست شاسعة وهي ثلاثة آلاف كلم مربع، هي بسيطة وقليلة بالمقارنة مع مساحة أوكرانيا. وقعت أخطاء روسية في تقدير الدفاعات وأيضا تفوق الاستخبارات العسكرية الأمريكية خصوصا في خاركوف".
بدوره، قال د. محمد صالح الحربي خبير عسكري واستراتيجي ولواء أركان حرب سابق: "الانسحاب الروسي هو تكتيكي لتعدد الجبهات وانخفاض عمليات الإمداد والتموين على مسرح العمليات. وقع هناك تغير في موازين المعارك تكتيكيا نظرا لتدفق المعلومات الاستخباراتية الغربية والأسلحة إلى أوكرانيا كمنظومة HIMARS وصواريخ جافلين وستينغر ومدافع هاوترز وقذائف كاليبر. كما أن روسيا تقوم بتجميع القوات التي كانت متمركزة في إيزيوم لدعم الجهود على جبهة دونيتسك".
في المقابل، أوضح د. عمر الرداد خبير استراتيجي ومحلل سياسي: "هناك روايتين للانسحاب الروسي، الأولى روسية تقول إنه إعادة تجميع القوات وانتشارها وتنظيمها، لكنها لا تستطيع الصمود أمام الرواية الأوكرانية والغربية التي تشير إلى أن هجوما مباغتا ومفاجئا شنته القوات الأوكرانية في محور خاركيف سمح باستعادة العديد من المدن. هذا الانتصار الأوكراني الجديد مرتبط بعاملين الأول الدعم العسكري واللوجيستي بأنواع مختلفة من الأسلحة التي قدمتها الدول الغربية والطائرات المسيرة والصواريخ ويبدو أنها بالفعل أنجزت المهمة، يضاف إلى ذلك الاستخبارات الغربية الدقيقة المقدمة للقوات الأوكرانية ما يفسر الضربات الدقيقة الموجهة لمواقع القيادة والتحكم والتخزين، وهناك خطط تتضمن قطع أوصال الجيش الروسي والقوات المنسحبة في مناطق مختلفة".
قال محمود الأفندي: "مدفيديف حذر في منشوره على قناته في تلغرام الغربيين بسبب التدخل المباشر ما ساهم في النجاح الذي حققه الأوكرانيون. كما نبههم إلى أن روسيا الدولة النووية العظمى لا تتقبل خسارة الحرب وستضطر إلى استخدام الدفاعات الاستراتيجية والنووية. يجب أن يفهم الغرب أن روسيا لن ترضى بتدخلهم المباشر وبأنه قد يؤجج الحرب العالمية الثالثة والمواجهة النووية التي لا رابح فيها. مدفيديف أوضح أن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا هي حرب وجود وإذا تدخلوا فيها فإن روسيا لن تقبل بالخسارة وستضطر لإشعال حرب عالمية واستخدام السلاح النووي".
في المقابل، اعتبر د. محمد صالح الحربي: "بالنسبة للحرب العالمية الثالثة فأنا لا أتوقع ذلك إطلاقا لأن قواعد الاشتباك ما زالت منضبطة ما بين ضفتي الأطلسي والولايات المتحدة. لكن يمكن أن تكون ضمن توازن الردع لأن حدوث أي اشتباك نووي بين الطرفين هو كمن يطلق النار على قدميه. نذكّر هنا بنظرية التدمير الثنائي المتبادل وتدمير المنطقة والعالم. لا أتوقع أن يصلوا إلى هذه المرحلة".
بدوره، أوضح د. عمر الرداد: "فكرة الحرب العالمية الثالثة مطروحة فقط من قبل القيادة الروسية وهو مصطلح مخاتل بشكل حاد جدا، إذ إنه قياسيا على الحروب الكونية فهي تحتاج إلى تحالفات. أنا أتفقد على الصعيد العسكري ولا أعرف دولة باستثناء بيلاروسيا التي تتحالف مع الجيش الروسي. لو وقعت هذه الحرب فمن الذي سيصطف إلى جانب روسيا على المستوى العسكري ويقوم بإرسال الجيوش لمحاربة أوكرانيا والغرب؟ هي تتزامن وتتقاطع مع فكرة النظام العالمي الجديد التي تحاول روسيا والصين إلى حد ما العمل على إنتاجها من خلال تحالفات قيد البناء. هناك محاولات تهويل روسية في إطار الحرب الإعلامية".
قال محمود الأفندي إن "هذا ممكن لكن ليس موجها ضد الأراضي الأوكرانية بل أن استخدام الأسلحة الإستراتيجية النووية سيكون ضد الدول الغربية الداعمة. حيث إن الشعب الأوكراني لا ذنب له بالحرب القائمة بل إن الذنب يقع على الولايات المتحدة وحلفائها الذين جعلوا من أوكرانيا عدوا جيوسياسيا لروسيا. الدول الداعمة هي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ومن ثم فرنسا وألمانيا. أعتقد أن أول ضربة نووية روسية توجه إلى الولايات المتحدة ثم لندن. الروس إذا اضطروا فإنهم سيستخدمون السلاح الاستراتيجي وليس التكتيكي".
من جانبه، أوضح د. محمد صالح الحربي: "السلاح النووي سلاح رادع يستخدم للضغط من أجل تحقيق المكاسب السياسية والعسكرية ما بين الدول الأقطاب كأمريكا والصين وروسيا. ولا يمكن استخدامه لأن مجرد استخدامه ستتحقق نظرية التدمير الثنائي المتبادل".
لكن د. عمر الرداد اعتبر بأن "استخدام السلاح النووي بالحرب الأوكرانية هو مصطلح يتم إدراجه ضمن التهديد والوعيد من قبل روسيا حيث إن الغرب لم يطرح إمكانية استخدامه. تصريحات مدفيديف غير منضبطة وتعكس توجسه من موازين القوى الجديدة وما هو موجود على الأرض بأوكرانيا في ظل الدعم الغربي، الذي جعل فكرة الانتصار الروسي الحاسم مستحيلة خاصة وأننا دخلنا مرحلة ما بعد 200 يوم على بدء الحرب، ما يعني أنها ستستمر وفق مقاربات غربية آخرها كان تصريح الرئيس الأمريكي جو بايدن الثلاثاء، الذي قال إن الحرب ستطول وإن الدعم لأوكرانيا سيتواصل. الغرب لن يحقق هزيمة ساحقة ضد روسيا لكن سيساهم في توليد قناعات لدى القيادة الروسية بأن إمكانية النصر الحاسم بالمفهوم التقليدي على أوكرانيا ومحوها غير وارد".
هل يواجه بوتين خطر انقلاب داخلي؟
يقول محمود الأفندي: "لا يوجد أي خطر لحدوث انقلاب داخلي في روسيا حيث إن 85 بالمئة من الشعب يقفون مع العملية العسكرية، وهم يعرفون تاريخهم جيدا وأن تلك المناطق هي روسية ويعلمون ما حدث من اضطهاد ودور النازيين في هذا الملف. الشعب الروسي يساند الرئيس لكن إذا اضطر بوتين إلى وقف العملية أو إنهائها أو إعلان خسارة روسيا الحرب، فيمكن أن يحدث انقلاب داخلي. لكن أي خسارات في أوكرانيا لن تؤدي إلى مثل هذه التطورات في روسيا حتى إن العملية العسكرية مستمرة وهي قد تطول".
من جهته، قال د. محمد صالح الحربي: "إن أي تراجع من قبل الرئيس الروسي في العمليات الخاصة التي أطلقها الروس في أوكرانيا هو بمثابة انتحار سياسي له وللدائرة المقربة منه. فمنذ بداية العملية العسكرية في فبراير/شباط الماضي اعتبرت معركة كرامة وسيادة بالنسبة للرئيس الروسي ومحيطه. لكنهم ممسكون بزمام الأمور وليس من صالح العالم أن يحدث أي انقلاب داخل روسيا لأن الفوضى ستعم في أوروبا من جديد. ما زالوا متماسكين رغم العقوبات التي لم يشهد لها مثيل في التاريخ. في المقابل، فإن هناك ضغوطا على الدول الأوروبية التي تمر بأزمات مثل ارتفاع الأسعار 10 أضعاف وسط تداعيات التغير المناخي والجفاف وانخفاض إمدادات الغاز الروسي من 40 بالمئة إلى 9 بالمئة وارتفاع التضخم 10 بالمئة".
من جهته، أفاد د. عمر الرداد بأن "من الواضح أن المعارضة الداخلية للرئيس الروسي تتنامى. وبالنسبة للسياسات والإجراءات والقرارات التي يتم التعامل فيها مع المعارضة فهي أمنية بحتة. مثل منع مواقع التواصل الاجتماعي واعتبار التحدث عن الحرب الروسية في أوكرانيا بما يحبط معنويات الجيش بمثابة جريمة، كل ذلك يؤكد أن هناك شيء داخلي في روسيا وبأن المعارضة للحرب تتوسع يوما بعد يوم. لكن من غير الواضح إذا ما كانت تستطيع المعارضة أن تقلب الموازين في روسيا وما ينتج عنه الانقلاب على الرئيس بوتين أو ما شابه، وسط تراجع شعبية القيادة الروسية وتقلب في استراتيجيات الحرب وعدم إقناع الشارع الروسي رغم محاولات الدعاية الروسية".
هذا المحتوى من
فيديو قد يعجبك: