هل تعزز "مداهمة" إف بي آي منزل ترامب مكانته السياسية؟
واشنطن- (بي بي سي):
كان السيل الجارف من مشاعر الغضب التي أبداها أنصار دونالد ترامب الثلاثاء متوقعا. وبالطبع كانوا سينفسون عن غضبهم بعد أن فتش عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) منزل الرئيس الأمريكي السابق في ولاية فلوريدا.
وهذا يصب في مصلحة الرواية التي يواصل ترامب نفسه ترديدها بأنه ضحية مؤسسة فاسدة. وكما يحب أن يقول في التجمعات الشعبية التي يحضرها، فإنه ما من زعيم سياسي عومل بشكل سيء كما عومل هو.
وفي الحقيقة، فإن عملية التفتيش التي قام بها عملاء الإف بي آي والتي يطلق عليها ترامب وصف "المداهمة"، تساعد في تعزيز حملته المتعلقة بالمظالم ضد الدولة.
وبالاستماع إلى جوهر ما يقوله أنصاره، تجد أن هناك نقطة محددة حول تجاوزات الحكومة في "اضطهاد" ترامب.
وقارن ماركو روبيو، وهو عضو جمهوري في مجلس الشيوخ عن ولاية فلوريدا وكان ناقدا لترامب وتحول إلى مؤيد له، أفعال "الإف بي آي" بما قال إنه "شيء رأيناه مرات عديدة من أنظمة ديكتاتورية ماركسية في العالم الثالث".
ووصفت كريستي نويم، حاكمة ولاية ساوث داكوتا وهي مناصرة عنيدة لترامب، التفتيش بأنه توظيف سياسي لمكتب التحقيقات، والذي قالت إنه كان "يلاحق الرئيس ترامب كمرشح وكرئيس والآن كرئيس سابق".
هنالك تأثير تعبوي لهذه الفكرة. ومرة أخرى، كما يقول ترامب في الغالب، إذا كان يتعرض للاضطهاد، فإن أنصاره، بصورة موسعة، هم أيضا في خطر. فهو رجلهم المعتمد. وهو شعور سمعته مرارا من الناخبين الذين صوتوا لترامب: "إنهم يلاحقوننا في ملاحقتهم له".
وهذا ينقلنا إلى السؤال المهم وهو: كيف ستغير عملية التفتيش، التي قام بها عملاء "إف بي آي"، المشهد السياسي الأمريكي؟.
أولاً، لا شك بأنها ستدفع أنصار ترامب من الناخبين إلى الاقبال على صناديق الاقتراع في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر القادم. وبالفعل بدأ أنصار ترامب من الجمهوريين استخدامه كوسيلة لجمع التبرعات لصالح الحملات الانتخابية للمرشحين المدعومين من ترامب.
وهم يرون العملية بوضوح وسيلة لجني المال. كما أنها تجبر الجمهوريين الذين عبروا في السابق عن خلافات مع الرئيس السابق إلى الاصطفاف حوله.
وحتى رون ديسانتيس، حاكم ولاية فلوريدا الذي يُنظر إليه باعتباره المنافس الرئيسي على ترشيح الجمهوريين إذا لم يترشح الرئيس السابق لانتخابات 2024، سرعان ما خرج ليدافع علنا عن ترامب بعد التفتيش، وليصفه أيضا بأنه "عملية استخدام للوكالات الفيدرالية كسلاح".
وهذا كله قد يدفع ترامب، متشجعا بهذا الدفق المباشر من الحماسة المؤيدة له، إلى اغتنام الفرصة والإعلان عن عزمه الترشح للعودة إلى البيت الأبيض.
هنالك الملايين من أنصاره في أنحاء البلاد الذين ينتظرون منه أن يقدم على ذلك. غير أن إعلانا مبكرا عن نيه ترامب الترشح للرئاسة قد يخيب آمال بعض واضعي الاستراتيجيات الجمهوريين، الذين يتخوفون من أن ذلك سيضع الرئيس السابق، الذي ما زال شخصية خلافية، كلاعب مركزي في انتخابات التجديد النصفي الحرجة. وهم يفضلون بأن تركز هذه الانتخابات حصرا على قضايا التضخم وحالة الاقتصاد الأمريكي السيئة.
في هذه الأثناء، يرى الديمقراطيون أن تفتيش منزل ترامب يحمل في طياته مخاطر سياسية. فهو لا يحفز القاعدة الشعبية للجمهوريين فحسب، بل إنه يشتت الأنظار أيضا عن إنجازات الديمقراطيين في الكونجرس هذا الأسبوع، بتمريرهم رزمة اقتصادية شاملة تعالج كل شيء من الرعاية الصحية إلى التغير المناخي.
وبالنسبة للديمقراطيين في السباقات الانتخابية التي تكون فيها التوقعات متقاربة، فإن "مشروع قانون الانفاق هو عبارة عن سلسلة من مراحل الانتصار"، كما قالت المخططة الاستراتيجية الديمقراطية ماري آن مارش. لكن المرحلة الأولى قُطعت الآن. فالديمقراطيون أرادوا أن تركز جميع البرامج الحوارية السياسية هذا الأسبوع على التغير المناخي ومشروع قانون الانفاق الذي أقره مجلس الشيوخ نهاية هذا الأسبوع، لكنها بدلا من ذلك، كانت جميعها، من جديد، تركز على ترامب.
ودفع التوقيت غير المواتي سياسيا بعض الديمقراطيين إلى تفنيد ادعاءات أنصار ترامب بأن التفتيش كان بتخطيط من البيت الأبيض.
وقالت عضوة الكونغرس مادلين دين، وهي محامية وديمقراطية من ولاية بنسلفانيا: "أنا درست المحاماة، وأهتم بسيادة القانون، وتروق لي فكرة أنه ليس لدينا بيت أبيض يختار أجندة عمل وزارة العدل". وكانت مادلين أحد مديري عملية العزل، في المحاولة الثانية لعزل ترامب، والتي تمت عقب اقتحام مبنى الكونغرس في 6 يناير 2021.
وعلى المدى البعيد، يعتقد العديد من الديمقراطيينر أن ترامب هو أفضل مرشح يواجهونه في الانتخابات الرئاسية 2024. فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته شبكة فوكس نيوز في يونيو أن 55 في المئة من الناخبين المسجلين ينظرون إليه نظرة غير إيجابية. فهو شخصية خلافية ويعتقد الديمقراطيون أن تركيزه على الانتخابات الماضية لن يساعده في الانتخابات القادمة. ويعتقدون أنه عندما يكون في الأخبار، فإن ذلك يساعد الديمقراطيين في جميع أنحاء البلاد.
وتعتقد مارش، المخططة الاستراتيجية الديمقراطية، أن حزبها سيشهد إقبالا كبيرا من ناخبيه على التصويت في نوفمبر القادم، وذلك راجع في جزء منه إلى قرار المحكمة العليا بنقض الحق الدستوري في الإجهاض، ولكنه أيضا بسبب فشل الحزب الجمهوري في محاسبة زعيمه على أعمال الشغب التي وقعت في السادس من يناير 2021.
وسواء ترشح للانتخابات أم لم يترشح، وسواء أعلن عن ذلك قبل انتخابات التجديد النصفي أم لا، فإن ذلك لم يعد، بصورة ما، هو السؤال المهم. فبعد التفتيش الذي نفذه "إف بي آي"، رأينا كيف تبنى بسرعة الزعماء الجمهوريون قضيته.
وقال لي مايكل ستيل، وهو أحد منتقدي ترامب ورئيس سابق للجنة الجمهورية الوطنية: "الأمر لا يتعلق بوجود ترامب في الصورة".
وأضاف "لم يعد الأمر يتعلق باضطرار ترامب إلى أن يجوب البلاد ويخلِّد كذبته حول الانتخابات وتدمير الدولة الإدارية. فالآن لديه أتباع يفعلون هذا نيابة عنه".
قضيت في هذا الصيف بضعة أسابيع اتنقل في البلاد متحدثة إلى أنصار ترامب. وسمعتهم أكثر من مرة يتحدثون عن حرب أهلية قادمة في البلاد. ومساء الاثنين على وسائل التواصل الاجتماعي، قال أشد المؤيدين المتحمسين لترامب إن ما قام به "إف بي آي" سيقود إلى العنف.
وكتب ستيفن كراودر، وهو من المؤثرين المؤيدين لترامب ولديه 1.9 مليون متابع على تويتر، تغريدة قال فيها: "الحرب غدا. ناموا جيدا".
غير أنني ما زلت أعتقد أن احتمال نشوب حرب أهلية جديدة في أمريكا صعب التصديق.
لكن شخصا كان في قلب سياسة الجمهوريين لعقود مثل ستيل، أقل تفاؤلا. فقد قال إن "الأمر جدي. فالأمر كان فكرة كامنة (في هامش تفكير الحزب الجمهوري) منذ 10 أو 15 عاما. وكل ما فعله ترامب هو أنه أعطى الترخيص له. وفتح سدادة القنينة. وإذا أدانوا هذا الرجل، فإن هؤلاء الأشخاص سيفقدون عقلهم".
آمل أن يكون هذا الرجل مخطئا.
فيديو قد يعجبك: